اختتام البرنامج التدريبي لبناء قدرات الكوادر الشبابية في الحكومة    بريطانيا تخصص 139 مليون جنيه استرليني لتمويل المساعدات الإنسانية في اليمن مميز    الصين: بعد 76 عاما من النكبة لا يزال ظلم شعب فلسطين يتفاقم    استعدادا لمواجهة البحرين.. المنتخب الوطني الأول يبدأ معسكره الداخلي في سيئون    صيد ثمين بقبضة القوات الأمنية في تعز.. وإفشال مخطط إيراني خطير    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    وداعاً للروتين.. مرحباً بالراحة: بطاقة ذكية تُسهل معاملات موظفي وزارة العدل!    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    يوفنتوس مصمم على التعاقد مع ريكاردو كالافيوري    ريال مدريد يحتفل بلقب الدوري الإسباني بخماسية في مرمى ديبورتيفو ألافيس    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العليمي يصل المنامة للمشاركة في القمة العربية    الاتحاد الأوربي يعلن تطور عسكري جديد في البحر الأحمر: العمليات تزداد قوة    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    كلوب يسخر من واقعة المشادة مع صلاح    بمشاركة أهلي صنعاء.. تحديد موعد بطولة الأندية الخليجية    وزيرا المياه والصحة يبحثان مع البنك الدولي تمويل إضافي ب50 مليون دولار لمشروع رأس المال البشري مميز    نص المعاهدة الدولية المقترحة لحظر الاستخدام السياسي للأديان مميز    نيمار يتصدر معدل صناعة الفرص في الدوري السعودي رغم غيابه! (فيديو)    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    الخطر الحقيقي على الجنوب وقضيته يكمن في معاشيق    هيو جيو كيم تتوج بلقب الفردي وكانغ تظفر بكأس الفرق في سلسلة فرق أرامكو للجولف    ولي العهد السعودي يصدر أمرا بتعيين "الشيهانة بنت صالح العزاز" في هذا المنصب بعد إعفائها من أمانة مجلس الوزراء    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    دعوة مهمة للشرعية ستغري ''رأس المال الوطني'' لمغادرة صنعاء إلى عدن وتقلب الطاولة على الحوثيين    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    «البلسم»تختتم حملتها الطبية في اليمن وتنجح في إجراء 251 عملية قلب مفتوح وقسطرة تداخلية للكبار والأطفال    وصول شحنة وقود لكهرباء عدن.. وتقليص ساعات الانطفاء    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    عار على الجنوب وقيادته ما يمارسه الوغد رشاد كلفوت العليمي    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    الرئيس الزُبيدي يقرر إعادة تشكيل تنفيذية انتقالي شبوة    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    ثنائية هالاند تُسحق ليفربول وتضع سيتي على عرش الدوري الإنجليزي!    عدن تنتفض ضد انقطاع الكهرباء... وموتى الحر يزدادون    صراع على الحياة: النائب احمد حاشد يواجه الحوثيين في معركة من أجل الحرية    شاهد:الحوثيون يرقصون على أنقاض دمت: جريمةٌ لا تُغتفر    "امتحانات تحت سيف الحرمان": أهالي المخا يطالبون بتوفير الكهرباء لطلابهم    في الذكرى ال 76 للنكبة.. اتحاد نضال العمال الفلسطيني يجدد دعوته للوحدة الوطنية وانهاء الانقسام مميز    وفاة امرأة وطفلها غرقًا في أحد البرك المائية في تعز    الذهب يرتفع قبل بيانات التضخم الأمريكية    سنتكوم تعلن تدمير طائرتين مسيرتين وصاروخ مضاد للسفن فوق البحر الأحمر مميز    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    إنجاز يمني تاريخي لطفلة يمنية    ما معنى الانفصال:    البوم    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخبير القانوني هائل سلام: صالح يريدها حرباً أهلية لكنه سيعجز عن إشعالها
نشر في المصدر يوم 02 - 04 - 2011

يستدعي الخبير القانوني المعروف هائل سلام جوامع المبادئ في مهنته ليدلي بحديث حول الثورة الشعبية السلمية المشتعلة منذ 11 فبراير الماضي للإطاحة بنظام الرئيس علي عبدالله صالح. واقفاً في مقام الدفاع عن الثورة أمام كثير من التساؤلات، يتحدث سلام وهو أيضاً كاتب سياسي من طراز رفيع باسترسال نضر محيطاً بمسائل عميقة ومهمة تتصل بالثورة.
يقترن سلام مع محام آخر بمرافعة شهيرة، طعنت في شرعية المحاكم الاستثنائية قبل أكثر من عامين وفضلاً عن ذلك، يوائم بإبداع بين النص القانوني والواقع السياسي.
في هذا الحديث الذي أدلى به لمدونة "ثورة البن" ويعيد المصدر أونلاين نشره، يذهب سلام إلى أن نظام صالح مقدم على التناثر إلى أجزاء صغيرة ثم السقوط:

حوار / خالد عبدالهادي
- في تقديرك كم اجتازت الثورة الشعبية حتى الآن من المضمار العملي المؤدي إلى الاكتمال؟
- نترحم أولاً على شهداء الثورة السلمية وندعو الله أن يتغمدهم بواسع رحمته ونعيم رضوانه وأن يمن بالشفاء على الجرحى. الثورات الشعبية السلمية ضد الديكتاتوريات في ما مضى كانت تأخذ فترات ليست بالقصيرة، مع ما حدث في تونس ومصر، بدا الأمر مختلفاً، إذ اختزل الزمن وكثف على نحو غير مسبوق لتؤتي الثورة أكلها في زمن قياسي. والثورة الشعبية السلمية اليمنية تستفيد من ذلك ولا شك، والثورات السلمية عموماً، تمر بمراحل أو آليات، أي مراحل هي في ذات الوقت آليات، يمكن إجمالها بأربع مراحل هي: التحول، التأقلم، الإجبار باللاعنف، والتفكيك، الأولى تعني، أن أخلاقية الثورة السلمية، واعتمادها على المقاومة السلمية لللاعنفية تؤدي إلى تعاطف ما يسمى بالأغلبية الصامتة مع الثورة وتحولها تدريجياً إلى صفها، ويسري هذا كذلك على مؤيدي الدكتاتور في وقت لاحق، وهذا هو المقصود بالتحول، أما التأقلم فعملية أو مرحلة أو آلية يقصد بها اللجوء إلى التفاوض مع النظام الدكتاتوري حينما يكون بلوغ أهداف الثورة كاملة أمراً متعذراً لأي سبب أو حينما تكون المطالب مطالب حقوقية. وقد تجاوزت الثورات العربية الحالية هذه المرحلة، أما الإجبار باللاعنف فهو مرحلة أو آلية تعني أن الالتزام بسلمية الثورة، والانضباط اللاعنفي فيها، يؤدي إلى إجبار الجيش والأمن إلى إما التزام الحياد أو الانضمام إلى الثورة، والمرحلة أو الآلية الأخيرة هي تفكيك النظام الديكتاتوري نفسه، وهي تمثل الحصيلة الناتجة عن المراحل أو الآليات السابقة، بمعنى أن هذه المراحل أو الآليات تتم في غالب الأحيان بالتزامن وليس بالتتالي أي أن هذه المراحل تتداخل وتتزامن إلى حد أو آخر تبعاً لكل حالة ثورية. وبرأيي أن الثورة اليمنية السلمية، هي الآن في مرحلة تفكيك النظام، فما حصل، ويحصل، من استقالات وانشقاقات وانضمامات، من حزب الحاكم ومن أجهزة النظام المدنية والعسكرية، يعد تفكيكاً للنظام، وبما يعجل بسقوطه كلياً. وفي الحالة اليمنية خصوصاً ينبغي أن نرى الإنجاز ليس بما يحصل للنظام ذاته، بل في ما يحصل في ساحات وميادين التغيير والحرية، إذ أن حالة مدنية جميلة تتشكل وتتخلق وتنضج، في الساحات والميادين، بين مختلف أطياف المجتمع، أننا إزاء عملية اندماج اجتماعي مثالية وانصهار ثوري خلاق يكشف عن أصالة الشعب اليمني، وسمو روحه التواقة للحرية والعدالة المساواة، والى كل القيم الإنسانية النبيلة وبرأيي هذا هو الإنجاز الأهم، الذي يتوجب علينا الحرص عليه وحمايته وتعميقه. أما عن الاكتمال فالمعروف أن الثورة هدم وبناء، إسقاط النظام هو الجزء الأسهل من الثورة، الجزء الأصعب هو بناء الدولة. لن تكتمل الثورة إلا ببناء دولة مدنية حديثة.

- ألا تساورك مخاوف من عسكرة الثورة إثر انحياز قسم من قوات الجيش إلى صفها وبقاء قسم آخر في مواجهتها؟
- لا، لا تساورني أي مخاوف من ذلك، بل إنني أرى أن ذلك من ألطاف الله بالشعب اليمني، إذ أن ذلك يعد من جهة دعماً وإسناداً مهماً، للثورة السلمية، خاصة وأن الوحدات العسكرية التي أعلنت تأييدها لثورة الشعب أكدت على سلمية الثورة وعلى دعمها السلمي لها. ومن جهة أخرى، فأنت تعلم أن الجيش في اليمن ليس مؤسسة وطنية بعمومه، إذ هناك وحدات عسكرية وطنية بمعنى أن ولاءها للوطن وعقيدتها القتالية تقوم على أساس الدفاع عن السيادة الوطنية، وهناك قسماً آخر من الجيش، هو في الحقيقة، جيش عائلي، ولاؤه للأسرة الحاكمة، وبالأحرى المتحكمة، وتقوم عقيدته القتالية على أساس الدفاع عن الكرسي والذود عنه. هذا الانقسام في بنية الجيش هو ما حدا بالبعض، في النظام وخارجه لدواعي وأسباب ليست بالضرورة واحدة، إلى القول بأن اليمن ليست تونس ولا مصر، باعتبار أن وحدة البناء المؤسسي للجيش في كل من هذين البلدين هي التي أتاحت انتصار الثورة في البلدين على النحو الذي يعرفه الجميع. في حين أن انقسام الجيش في اليمن، وفق ما أشرنا إليه، يجعل من انتصار الثورة السلمية في اليمن، من وجهة نظر هذا البعض أمراً محل شك. ومن وجهة نظري أقول، إن مسألة انقسام الجيش على النحو المذكور، بمعنى وجود وحدات عسكرية وأمنية شبه عسكرية تحت امرة الأسرة المتحكمة في البلد هو أمر يجعل اليمن أولى بالثورة من تونس ومصر، وانحياز قسم من قوات الجيش إلى صف الثورة السلمية، كما ذكرت في سؤالك هو أمر يفترض أن يكون محل امتنان وسبب اطمئنان، إذ هو يعدل ميزان القوى ويرجحه على نحو حاسم لمصلحة الثورة، ومن شأنه أن يؤدي، حسبما نأمل، إلى تحييد القسم الآخر ذي الولاء الأسري، بما يمثله من ردع يحول دون استخدام هذا القسم الأخير في قمع الثورة، ومن هنا أهمية التأكيد على سلمية الثورة وعلى الدعم السلمي لها من قبل القسم الأول. بتعبير آخر، يتوجب أن تكون القوات المسلحة بمجموعها كأصل، مؤسسة وطنية محايدة، تتحدد مهمتها، حصراً وقصراً، في الدفاع عن سيادة البلاد، ولا شأن لها في الصراعات السياسية الداخلية، التي يتعين أن تدار وفق قواعد اللعبة الديمقراطية. ولأن الأمر ليس كذلك في اليمن لوجود وحدات عسكرية، أنشأت أساساً لحماية كرسي الحكم، بمعنى أنها أنشأت لحسم الصراعات السياسية الداخلية أساساً، لمصلحة الأسرة الحاكمة، أو المتحكمة بالأصح، ولأن الأسرة المتحكمة هذه، تستقوي على الخصوم السياسيين وعلى الشعب بعمومه بهذه الوحدات العسكرية الخاصة، ولأن استخدام هذه الوحدات لقمع الثورة السلمية القائمة أمر مرجح بالنظر إلى الطبيعة العصبوية للحكم القائم فقد جاء انحياز القسم من الجيش الذي أشرت إليه إلى صف الثورة، ليحدث توازنا قويا عسكريا مع القسم الآخر، وهو توازن من شأنه كبح رغبات الأسرة المتحكمة السلطوية في قمع الثورة السلمية بواسطة وحداتها العسكرية الخاصة تلك، ما يؤدي إلى إعادة الأمور إلى نصابها، أي إلى تحييد الجيش بقسميه عن الصراع السياسي الدائر بين قوى الشعب الحية والحاكم المتسلط. فتوازن الرعب كما يقال يحول دون استخدام القوة كما هو معروف. وبالتالي فإن انحياز قسم من الجيش إلى صف الثورة لن يؤدي إلى عسكرة الثورة، بل هو أمر من شأنه أن يحول بين الأسرة المتسلطة وبين رغبتها في عسكرة الثورة. وبمعنى آخر هو أمر من شانه أن يحول دون إمكانية تكرار السيناريو الليبي وندعو الله أن يظل كذلك. وعلى أية حال، على شباب الثورة أن يبقى يقظاً، وهو كذلك حتى الآن، وعليه أيضاً صياغة أهداف الثورة الشعبية السلمية المباركة هذه، على نحو واضح ودقيق، ومن ذلك على الخصوص العمل على أن يكون الجيش مؤسسة، وطنية الولاء والأهداف والمهام، بغية تجنب تكرار مثل هذه الإشكاليات المميتة مستقبلاً.

- هدد الرئيس صالح يوم الثلاثاء بنشوب حرب أهلية في حال سقوط حكمه بيد قوى عسكرية، ما إمكانية اندلاع هذه الحرب في الواقع اليمني الحالي؟!
- حديث صالح عن الحرب الأهلية يذكرنا بقول المتنبي، “إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه”. والأرجح أن هذا هو ما يريده علي صالح نفسه ويشتغل عليه، ولكن علينا أن نميز بين ما يريده ويتمناه وبين ما يقدر عليه. هو يريد ذلك على طريقة أنا وبعدي الطوفان، إلا أننا نظن أنه لن يستطيع إثارة حرب أهلية، وعلينا أن نسأل: حرب أهلية بين من ومن؟! فالحرب الأهلية تندلع حينما يكون هناك طرفان أو عدة أطراف، كجماعات وطنية، مسلحة وكل منها على استعداد لاستخدام السلاح في مواجهة الأخرى، كالجماعات العرقية، والطائفية، والمذهبية المسلحة في بعض البلدان، وليس الأمر كذلك في اليمن، بل ومن حسن الحظ أن الانقسام السائد في البلد حالياً هو انقسام سياسي، ضد ومع نظام علي صالح، ودائرة من هم معه تتقلص وتضيق يومياً في مقابل اتساع دائرة الثورة كل يوم كما يلاحظ الجميع والانقسام السياسي، الذي لا تغذية روح مذهبية، طائفية، عرقية…. الخ. يبقى في حدود الاختلاف – وحتى الصراع – السياسي، وليس من شأنه البتة أن يكون سبباً لاندلاع حرب أهلية. ومع هذا علينا الانتباه إلى أن علي صالح سيعمد، لدوافع انتقامية، إلى محاولة تعويم مطالب الثورة وأهدافها عن طريق إغراقها في حالة من الاضطراب والفوضى. فمنذ بدء الثورة السلمية، عمل جاهداً على استدراجها إلى العنف، غير أن يقظة شباب الثورة وبخاصة شباب القبائل الذين نوجه لهم تحية إجلال وفخر ومحبة، استطاعوا بانضباطهم اللاعنفي، وعدم انجرارهم إلى العنف، تفويت كل محاولات النظام في جرهم إلى العنف. فبصمودهم إزاء وحشية النظام وبطش أجهزته، وتحليهم بالغضب النبيل والصبر الجميل إزاء كل ممارساته، أفشلوا كل المراهنات القائلة بانزلاق الثورة السلمية في اليمن إلى مربعات العنف والفوضى، لقد خاضوا، وما زالوا، ملحمة نضال إنساني نبيل، وقدموا بلدهم بصورة جميلة ومشرقة للعالم، قلبت الصورة السلبية التي كرسها علي صالح ونظامه طيلة العقود السابقة، إنهم فعلاً التعبير الأمين عن روح الشعب اليمني والتجلي الأسمى لحكمته. ومثلت ثورتهم السلمية، ثورة استثنائية لاستعادة المجتمع والدولة في اليمن. فقد كان اليمن طيلة العقود السابقة، بلداً مضطرباً بسب صمته، الآن وقد كسر هذا الصمت لم يعد هناك، في رأيي ما يخيف أو يدفع إلى التشاؤم.

- إذا سلمنا بحتمية سقوط النظام فأي سيناريو افتراضي يمكنك رسمه لنهايته؟
- سقوط النظام هو أمر حتمي، مسألة وقت فقط، وقد رأينا كيف أن الناس يخرجون من نظام صالح أفواجاً، بسبب الإفلاس الأخلاقي المريع لهذا النظام خصوصاً عقب المجزرة البشعة التي أرتكبها يوم الجمعة الدامية، جمعة الكرامة. هو يتهاوى الآن ويتفكك، وسرعان ما سيتناثر إلى أجزاء صغيرة. ويبدو من خلال المؤشرات أن سيناريو السقوط سيكون أقرب إلى النموذج المصري، مع بعض التعديلات.

- ما العوامل التي تفتقر إليها الثورة حالياً وتراها ملحة لنجاحها؟
- الاعتصامات والمظاهرات هي أحد أشكال الاحتجاج السلمي، هناك أشكال أخرى عديدة، للاحتجاج، العصيان المدني، الإضرابات، اللاتعاون السياسي، اللاتعاون الاقتصادي،… الخ، وما تفتقر إليه الثورة برأيي هو أنها لم تبلور رؤى واضحة للأشكال الاحتجاجية الأخرى هذه،إذ انحصرت في الاعتصامات، والى حد ما الإضرابات، إضراب المعلمين خصوصاً، ودون تطوير واعتماد أشكال احتجاجية أخرى، مهمة لنجاحها. فمن المهم أن نعرف أنه في النضال ضد الديكتاتوريات، يفضل البحث عن نقاط ضعفها بغية تحديد نقطة الضعف القاتلة وهي ما تعرف بكعب أخيل، ومهاجمتها منها، وكعب أخيل هذا مستوحى من أسطورة إغريقية، تقول الأسطورة، إن أخيل لم يكن باستطاعة أي ضربة أن تؤثر فيه أو أي سيف يخترق جسده، لأن أمه كانت قد قامت بوضعه في مياه نهر سحري عندما كان طفلاً، وأكسبه ذلك مناعة ضد الأخطار ولكنها عندما وضعته في الماء كانت تمسكه من كعبه حتى لا يجرفه التيار ولم يغطي الماء ذلك الجزء الصغير من جسده، وعندما كبر ظهر أمام الجميع بمناعته ضد أسلحة الأعداء، ولكن في حرب طروادة، قام أحد الجنود الأعداء، بإيعاز من شخص عرف بنقطة ضعف أخيل تلك، بتوجيه سهمه على كعب أخيل، وهو المكان الوحيد الذي يمكن إصابته فيه، وكانت ضربة مميتة. وتستخدم عبارة كعب أخيل لتدل على نقطة ضعف أشخاص أو مؤسسات أو نظام ديكتاتوري خصوصاً، ولو تم تحديد نقاط الضعف القاتلة لنظام صالح الدكتاتوري، وما أكثرها، وهوجم منها، لأ لحقت به الهزيمة بأقل التكاليف، فعلى سبيل المثال أتوقع لو أمكن أن تعلن النقابة العامة لعمال حقول النفط ومصافي البترول على سبيل المثال إضراباً شاملاً لعجل ذلك بسقوط النظام بأقل التكاليف، وهناك العديد من نقاط الضعف هذه، التي يمكن بواسطتها التعجيل بسقوط النظام، وتجنب الخيارات الخطيرة كالقول باقتحام القصر الجمهوري مع ما في ذلك من تضحيات كبيرة فنجاح الثورة لا يكمن فقط في إسقاط النظام مهما كانت التضحيات، بل في إسقاطه بأقل التكاليف، البشرية على وجه الخصوص. وما يلاحظ أيضاً في هذا الشأن هو أن هناك تركيزاً على شعار إسقاط النظام مع غياب، أو لنقل غموض أهداف الثورة الأخرى، المتعلقة بالجانب الأهم منها، وهو بناء الدولة، فالثورة كتغيير جذري، تستهدف بالأساس بناء الدولة، وفي هذا ينبغي أن يقاس نجاحها. إسقاط النظام هو مجرد خطوة إجرائية، ممهدة للمهمة الأهم وهي بناء الدولة.
والنضال هو في الأساس نضال ( من أجل ) قيم، غايات، مبادئ، ولا ينبغي أن يختزل إلى مجرد كونه نضالاً (ضد) أشخاص، جماعات، أحزاب،…. الخ، صحيح أن النضال من أجل لا ينفصل في لحظة ما عن النضال ضد، ولكن الصحيح كذلك، هو أن النضال ضد يفقد كل معنى إذا لم يكن ذلك في سبيل النضال من أصل. إن تحديد وصياغة أهداف الثورة السلمية، وعلى الأخص، ما يتعلق بمرحلة ما بعد إسقاط النظام، أي تلك المتعلقة ببناء الدولة، هو أمر أكثر أهمية، فذلك من جهة، هو الهدف الأساسي، الذي سيقاس نجاح الثورة أو فشلها في ضوئه، وذلك، سيبقى من جهة أخرى، العزائم والإرادات متحفزة والطاقات محتشدة حتى الإنجاز الأخير، كما أن ذلك من شأنه، أن يحصن الثورة ذاتها ضد الثورات المضادة، والحركات الالتفافية والانحرافية وما شابه من جهة ثالثة.

- يحتج أنصار الرئيس صالح بشرعيته الدستورية فيرد عليهم مناهضوه بالاحتجاج بالشرعية الثورية أو الشعبية، كيف تؤصل أنت لهذه المسألة من وجه قانوني؟
- لمقاربة هذه المسألة، علينا أولاً أن نلاحظ أن الاعتصامات والمظاهرات هي في الأصل أعمال احتجاجية، ضداً على سياسات وممارسات أو نظام حكم. أما الاعتصامات والمظاهرات المؤيدة أو الموالية، فلا أصل لها، وفق منطق الديمقراطية. ذلك أن الموالي أو المؤيد ليس بحاجة للتعبير عن رأيه من خلال هذه الأشكال الاحتجاجية، باعتبار أن من يواليه ويؤيده يعبر عنه أساساً. ولهذا فإن الاعتصامات والمظاهرات الموالية هذه، ليس لها من داعٍ إلا في كونها تحد، وتحجم وتعيق، وتعرقل وتصادر الحق في الاحتجاج السلمي، وهي ظاهرة مرتبطة بالتخلف ولا شأن لها بالديمقراطية، إذ هي تعلي من شأن الحاكم وتسمو به فوق الشعب الذي يمثله المحتجون، وهذا يتخالف وأبسط مبادئ الديمقراطية. فالحاكم بمنطق الديمقراطية، هو مجرد ممثل للجماعة يمارس السلطة نيابةً عنها ولمصلحتها، ومن ثم فللجماعة الحق في مراقبته ومساءلته وعزله، وبصرف النظر هنا عن مسألة الأعداد، أغلبية أقلية، فخروج 20 – 30% من مجموع الشعب للاحتجاج على الحاكم والمطالبة بعزله، معناه أن هذا الحاكم قد عجز في إقناع الغالبية العظمى من شعبه بسياساته وأدائه لمهامه، وأن هذه النسبة أو تلك من المحتجين تؤثر في حالة الوفاق الاجتماعي، وفي معدلات الإنتاج الاقتصادي في البلد، وهذا لا يجوز بسبب حاكم هو في نهاية المطاف مجرد موظف يمارس السلطة نيابة عن الشعب ولمصلحته، وتزيد هذه الإشكاليات كلما تصاعدت نسبة المحتجين بطبيعة الحال. وإذا كان الناس يخرجون على الحاكم مطالبين بعزله لعجزه عن أداء مهامه وعن نيل رضاهم، فإن الخروج لتأييده أو لإعلان موالاته ليس له من معنى سوى الدفاع عن وجوده في الحكم، وكأن ذلك امتيازاً له وهذا يناقض الديمقراطية في الصميم. وبشأن ما يحتج به أنصار علي صالح من شرعية دستورية له، فلنلاحظ أن الشرعية الدستورية مستمدة أصلاً من الدستور، بوصفه عقداً اجتماعياً، بين مختلف شرائح وقوى المجتمع، يسمو على الحاكم، باعتبار أن هذا الأخير نتاج ذلك العقد، وهذا العقد هو الذي يحدد طريقة اختياره، وصلاحياته، وعزله… الخ، والشرعية الدستورية، بهذا المعنى شرطها الأساسي هو رضا المحكومين، فإذا ما عجز الحاكم عن نيل هذا الرضا أو المحافظة عليه، أو إذا فقده لدى المحكومين، بأي نسبة معتبرة فقد عجز وفشل ووجب أن يعزل. ولهذا يمكن الاحتجاج بالدستور في مواجهة الحاكم، الرئيس، ولكن لا يحق الاحتجاج به في مواجهة الشعب، الذي هو المشرع الدستوري نفسه، مصدر السلطة ومالكها وعليه وبصرف النظر عن الكيفية التي انتخب بها صالح للحكم، فلنتذكر أنه كان قد وعد بالقضاء على الفقر والبطالة خلال عامين، وبأنه، ولنركز على هذا، سيولد الكهرباء بالطاقة النووية، ولم يحقق شيئاً ولن يحقق شيئاً من ذلك أصلاً.
هو إذن وعد وأخلف تعهد ولم يف، أي أنه خدع وضلل ودلس وتحايل للحصول على رضا الناخبين حينها، ويحق لهؤلاء الآن، وبأي نسبة، وبصرف النظر عن كيفية الفوز وعن نزاهة الانتخابات من عدمه، يحق لهؤلاء الرجوع عن رضاهم، ومساءلة صالح وعزله، ولا معنى للتحجج بالمدة الدستورية، لأن ما تبقى منها لا يسعفه في إنجاز توليد الكهرباء بالطاقة النووية، كمثال. وبخصوص الشرعية الثورية، فالشعب كما سبق القول هو المشرع الدستوري، هو مصدر السلطة ومالكها، والثورة الشعبية السلمية هي تشريع لواقع جديد، هي دستور جديد يخطه الشعب، والاحتجاج بالدستور والشرعية الدستورية أمر لا يتأتى في مواجهة ثورة شعبية، فلا يتأتى لرئيس مجلس إدارة شركة ما على سبيل المثال الاحتجاج بعقد الشركة في مواجهة الجمعية العامة للشركة، الملاك، والاحتجاج بالشرعية الدستورية في مواجهة الشعب، معناه أن على الثورة الشعبية أن تستصدر لنفسها ترخيصاً من وزارة الداخلية، وهذا أمر يتخالف كلياً مع طبائع الأشياء ومنطق الأمور. فالثورة لا تستأذن الحاكم الذي تثور عليه.

- ارتفعت مؤخراً وتيرة الهواجس لدى ليبراليين بشأن تقلص حظوظ الدولة المدنية الحديثة المنشودة، إثر الحضور القوي لقوى تقليدية وعسكرية أخيراً، بوصفها القوة الجاهزة، هل ترى واقعية في هذه الهواجس؟ وما السبيل لطمأنتها في نظرك؟
- هذا أمر قائم على الدوام، في اليمن وفي كافة البلدان العربية والإسلامية، ليس ناتجاً عن الثورة الشعبية السلمية القائمة فقط، ولنلاحظ، مع ذلك أن صياغة وتحديد أهداف الثورة السلمية هذه، خاصة لجهة ما يتعلق ببناء الدولة المدنية وملامحها المتوافق عليها، سيقلل، ولا شك، مما وصفته بوتيرة الهواجس. كما أن الانصهار الحاصل في ميادين الحرية وساحات التغيير بين كافة الأطياف، من شأنه أن يدفع بنوع من التفاهم الوطني إلى الأمام، ويعمق الاندماج الاجتماعي بين مختلف الشرائح، علينا أن نبلور ونطور رؤى مشتركة بغية تعميق التفاهم الوطني والنأي به عن أن يكون تفاهماً ضد الفهم، كما هو حاصل حتى الآن. أهم المآخذ التي يمكن أن توجه للقوى التقليدية التي أشرت إليها بسؤالك، هو أن هذه القوى، نشأت خلال القرن الماضي، إما كجماعات مناوئة للمد الشيوعي واليساري عموماً أو، لاحقاً، كجماعات اعتراضية، ضد ما يصفونه بالتغريب، بمعنى أنها لم تنشأ كحركات أصيلة وأعني بأصيلة هذه، أنها لم تنشأ عن فعل أصيل يستلهم الجوانب المشرقة في الإسلام كدين وكحضارة، وتأسيسها بتوائم مع العصر والانفتاح على ثقافاته، بل نشأت وفقاً لمنطق رد الفعل، وبقي حضورها، مناوئاً واعتراضيا، وسجالي الطابع في غالب الأحيان، ولطمأنة الهواجس التي أشرت إليها في سؤالك، من المفيد أن تتجاوز تلك القوى والجماعات أسباب نشأتها الوظيفية تلك وتعيد تأسيس نفسها كحركات ثورية أصيلة، نابعة من روح الإسلام ومستلهمة للجوانب الحضارية المشرقة في تراثه المجيد، باتساق مع العصر. فالنهضة بوجه عام لا يمكن أن تتأكد إلا على قاعدة نواة قديمة تكون موضع دراسة وفخر واستعادة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.