الرئيس الذي توجه إلى تعز الخالية من القبائل المقاتلة، ذهب إلى هناك بحثاً عن ماء الوجه الذي فقده في الحصبة، لكنه في تعز فقد أخلاقة أيضاً، وتأكد لنا أنه بلا مروءة، وأنه دائماً لا يؤمن إلا بالعنف، والقارئ يتذكر كيف أن هذا النظام نفسه ذهب ذليلاً يستجدي الوساطة مع كل من وقف ضده بالسلاح. هذا الرجل قاتل، ولعين، ومجرم حرب، وتقطر من أشواك الشر البادية في كلامه وأفعاله كل دماء اليمنيين، يحرق تعزوصنعاء فيحرق قلوب كل اليمنيين، ويقتل الشهداء ليوجع قلوب من تبقوا أحياء، ثم يظهر على التلفزيون متحدثاً بكل وقاحة عن قطاع الطرق والمخربين وهو أكبر قاطع طريق ومخرب في البلد. الطريق الذي قطعه من تعز إلى صنعاء في 78 يمتلئ اليوم بالدم والفوضى وأعمدة الدخان. وتاريخ طويل من الدجل والنهب والغدر والخيانات والمؤامرات. هو يفعل كل شيء، ويترك لنا فقط الكلام والكتابة، والقهر والغضب، ثم لا شيء.. وهذا الأمر يقتلني.. لا أدري كيف يمكن للمرء أن يتصرف تجاه رئيس مسكون بشهوة قاتلة للكرسي، ويملك من الجنون والجرأة ما يجعله متهوراً ومندفعاً لإشعال البلد من أوله لآخره.. مقابل فقط أن يقول للآخرين أنه خيارهم الوحيد، وعليهم "أن يبطلوا الهبالة" وتصديق أن هناك تبادل للسلطة فعلاً. "سلطة مِه"؟، من يغادر هذا الكرسي ولديه كل هذا العدد الغفير من البنادق والعسكر.. وهؤلاء المنافقين والدجالين الذين يحفظون معجزاتي وكراماتي ويتلونها في جميع الفضائيات، يقول الرئيس لنفسه، وفي أعماقه المظلمة تضطرم بجنون شهوة الانتقام من هؤلاء الذين تجرؤا على تحديه ومطالبته بالرحيل. سيذهب إذاً إلى مجلس دفاعه الوطني الذي يعرف تماماً كيف طارت النجوم إلى أكتاف بزاتهم العسكرية الفاسدة، ويوجه من هناك بمواجهة الجميع، و"بكل الوسائل". وفي اليوم التالي يسيل الدم في الأزقة والحارات في صنعاءوتعز وبقية المدن اليمنية، في مشهد مأساوي يعيد البلاد كلها قرون إلى الوراء، والسفهاء من جنبه يرددون حديثهم المقزز عن الديمقراطية التي يحسدنا عليها العالم. يا إلهي ما أقبحهم جميعاً، وكم أنهم فاسدين وأوغاد، ولا يبالون بأحد، مادام وهم يتكؤون على السلاح وآلات الموت، وهم دائماً في الطريق إلى مهمتهم غير الأخلاقية يوزعوا الموت وينشروا الرعب على أفراد المدينة حتى "يدروا أن وعد الله حق، ولا عاد يزيدوا يخرجوا من بيوتهم". أنا مقهور وحزين، وكل لحظة أهرع إلى الهاتف أو الفيس بوك، والمواقع الإلكترونية، أبحث عن خبر سار، يطرد الكوابيس من المدينة الحالمة، وينفس ما بي من قهر عن بنت من تعز كتبت في الفيس بوك: " آني من تعز وآني مقهورة"، من يرد لنا اليقين بالثورة وقدرتها على الانتصار، وأن تعز ليست "مجرد ناس يهدرون بس ويقولون أن معاهم شهادات" هذه المدينة المستكينة دوماً يجب أن تكون فعلاً "قداحة الثورة" وليس مجرد اسم دلع آخر. لماذا لا تخرج هذه المدينة إلى الشارع، ولماذا لا يخرج الناس إلى الشارع في كل العواصم، أقول هذا ولا أرغب في سماع شيء عن التعقيد الذي يصف علاقات الناس وطبائعها وقدرتها على الفعل في هذا المكان أو ذاك. إذا كان العالم حتى اللحظة يتفرج على اليمنيين يتقاتلون وعلى المدن وهي تحترق، فلابد أن نعمل شيئاً ما، والذين لم يغادروا بيوتهم بعد، عليهم أن لا يبحثوا عن طريق للهروب فقط، عليهم أن يكونوا معنيين بالأمر، ويصرخوا في وجه الظالم.، ويقوموا بدورهم. تلزمنا القدرة على أن ندفع ما نؤمن أن الثورة تستحقه، ألسنا نريد تغيير هذه البلاد، وكنس كل القذارة التي تسد الطريق أمام التغيير؟ علينا أن نضحي إذن، وعلينا أن لا نفقد إيماننا بالعمل الثوري السلمي. أرجوكم.. هناك من يفطر قلوبنا يومياً، ويجعلنا نرغب في العثور على قنبلة لوضعها في فمه، لكن لا نريد أن نخذل الذين يراقبوننا بفخر من خارج هذه البلاد، ويقولون أن كثرة السلاح لم تمنعنا أن نظهر على عكس ما يدعي القتلة في هذا البلد. أنا حزين ومقهور على الجنود المرميين في شوارع أبين جثث محروقة، وعلى المواطنين الذين وجدوا أنفسهم عرضة للقتل في معارك شمال العاصمة، وعلى الأمهات اللاتي فقدن أبناءهن في ساحات الحرية والتغيير، وعندما تقفز كل الشياطين إلى رأسي لا أجد من يستحق اللعنة سوى الرئيس والمحيطين به، وبعض ضيوف الفضائية اليمنية من غير "الشقاة" طبعاً. هذا النظام بلا أخلاق، وفاقد للمروءة ويتصرف على نحو بشع وقذر، وهو يرسل أسوأ المجرمين في هذا البلد إلى الشوارع ومنازل المواطنين فيهتكون في طريقهم كل شيء، والقصص القادمة من ساحة الحرية في تعز تروي تفاصيل مفجعة لأفراد مهمتهم الوحيدة اغتصاب حرية الناس في تعز وقتلهم، بعد أن اغتصب رجال القبائل في الحصبة عرض المؤسسة العسكرية في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع.. مع اعتذاري وأسفي لكل الجنود الوطنيين. ما الذي يحدث لهؤلاء العسكر في السبعين، أين ذهبت عقولهم، وكيف تركوا أرواحهم تصل إلى هذه المرحلة من المرض بالسلطة الذي يداهم المستبدين في أيامهم الأخيرة. يسأل عبد الرحمن الراشد في جريدة الشرق الأوسط عن حسابات صالح، وفي اليوم نفسه يرد صالح عبر دبلوماسي غربي: "لا أريد أن أترك اليمن إلا كما وجدته"، والمعنى أنه يريد التخريب، وهذا خبر جيد في كل ما سبق، لأن مهمته الأخيرة لن تستغرق وقتاً طويلاً، فهو حين يتلفت ليهدم ما بناه سينتبه إلى أنه لم يبنِ شيئاً.