لم يفلح قراري في التوقف عن الكتابة لفترة فقدت فيها شهيتي للاوراق والاقلام.. ولم اعد اغرق في مكاني.. ولم يعد يعل بي جناحان فوق سقفي يأخذني إلى مكان بعيد اعتدت الذهاب اليه عندما اكتب إذ أني أصحو مؤخرا على ضجة داخل رأسي لا تريد سجن ما يدور به.. ومؤخرا أخذت قرارا ألا أعود للدخول في حلبات للنقاش مع أحد حول ما يحدث لوطني الحزين.. الأهل أو الأصدقاء أو أي من المقربين.. فالمسألة ( على الاقل عندي) لم تعد مجرد آراء فقط .. لكل شخص الحق بأن يمتلك رأيه الخاص ولكن لا يحق لأحد أن يبرر قتل أحد - سواء رجال أمن أو متظاهرين أو مارين بالشوارع - تحت أي ذريعه كانت. الآن لا يهمني اتجاهك السياسي "اصلا من أربعة اشهر معظمنا ما كانش عنده اتجاه سياسي من أصله" ما يهمني الآن أن نبحث عن إنسانيتنا في ظل ما يحدث .. انسانيتنا التي تركناها لهم وعشنا دونها برضى ! وهنا اطرح سؤال يؤرقني، هل كنا بإنتظار الموت بفعل عبثي كي يكتب الشعراء, ويخطب الساسة, ويدين الرؤساء, وتنفي الاحزاب, ويستنكر فلان ويشجب علان, ويقرر مجلس الأمن, وتفرض العقوبات؟ انا فقط أقول "بلادي متعبة بجهودكم وبدونها .. فحلو عن سما ربها " ... ( من صديقة شامية ) الآن ماذا نقول للضحايا؟ أعرف ماذا سنفعل.. سنعلن إفتتاح مجالس للتأبين والشجب والادانة والتأكيد واعادة التأكيد.. يبدو أننا قد اعتدنا أن حصيلة كل يوم هي عدد من القتلى الذين كلما زاد عددهم زاد الفعل العاطفي وازداد التعاطف الدولي وأزداد وازداد .. وبالمقابل قل ما نفعل.. في الواقع لدي فضول شديد للتعرف على كيفية تعمل عقول القتلة.. أي منطق هذا الذي يدفع كائن من كان لأن يقتل شخصاً ليس بريئاً وحسب وإنما فعليا هو منك ومن دمك وأرضك ... ما الفارق؟ ما دمنا لا نعرف أحداً منهم.. ما داموا من شعب يصح فيه أن نسميه مزاداً كبيراً .. لكثرة المتاجرين بهمومه . والآن إذا كنت أنت من دعاة حقوق الإنسان، لا داعي للقول بأن ما يحدث ليس مقبولا وعبثياً ويستوجب تدخل العدالة .. وإذا كنت من جماعة الصمود والتحدي.. كن متأكدا "صدقني صدقني" لايوجد فرد يستطيع ربح معركة مع العدو مكسورا .. يسألونني: أنتِ بصف من؟ أنا مع القانون.. إن كانوا عصابات مسلحة .. أريد محاكمتهم بالقانون، وإن كانوا متظاهرين سلميين أو مجني عليهم أريد أن يحميهم القانون. والأكيد أنني وكثيرين نريد أن يحاكم بالقانون أيضاً من كان سبباً بحدوث هذه المجازر. نسمع مؤخرا روايات أننا على موعد قريب لنهاية العالم.. أنا لا أؤمن بهذه الروايات ولكنني أعتقد أن نهاية العالم بدأت قبل أن يبدأ .. عندما قتل قابيل أخاه ..