كمثَل الصائم.. يصوم يوماً من شروق الشمس حتى غروبها ثم يفطر قبل أذان المغرب بدقيقة. هذا ما أستطيع أن أصف به شباب الثورة بعد مظاهر الاحتفال التي شهدتها الساحات في صنعاء وغيرها من المدن اليمنية يوم أمس بما أسموها مناسبة مغادرة علي صالح لليمن. لم يكن هناك داعٍ للاحتفال "بمناسبة" مغادرة صالح لليمن لظروف صحية، فمسألة "الرحيل" لم تحسم بعد، وأركان نظامه لم تسقط بل ما زالت تسيطر على أهم المنشآت العسكرية في اليمن، كما أن الغموض الذي يكتنف ماحصل مؤخراً في دار الرئاسة يثير كثير من الشكوك، وما سيحدث قريباً ربما ينبئ بمفاجآت قد تجهض مظاهر الثورة السلمية. ربما يكون النظام قد سقط سياسياً لكنه عسكرياً ما يزال في وضعه الطبيعي وفي حالة تأهب واستنفار، وربما يضاف إلى ذلك مشروع انتقام يدفعه إلى الجنون وتنفيذ مالم نتوقعه جميعاً. تابعت يوم أمس أخبار اليمن على الفضائيات وكان لليمن نصيب الأسد من التغطية الإخبارية وأغلب القنوات تبدأ نشراتها بخبرين أولهما دعوة اللجنة التنظيمية للثورة الشبابية الشعبية القوى الوطنية للخروج إلى الساحات للاحتفال بمغادرة صالح للبلاد والدعوة لتشكيل مجلس رئاسي مؤقت لإدارة البلاد، والخبر الثاني قصف وقتلى وجرحى في تعز. استغربت حينها ما أسمع.. كيف للشباب أن يقيموا مراسم الاحتفال واخوانهم تحت القصف ويحتفلون لأمر لم يحسم بعد.. هل تناسى شباب الثورة جمعة الوفاء لتعز؟ أم أن تلك الجمعة مضت ورُحِّلت إلى إرشيف الثورة وجمعها السابقة؟.. ليس هذا ما تعودناه من أولئك الأبطال.. هم يدينون بالوفاء لعدن وتعز وصعدة وأبين وكل المناطق التي تعرضت للقصف والقمع ولكل شهداء الثورة لكن تعز يوم أمس كانت تحترق واخواننا وأهلنا هناك يتعرضون لقصف عنيف بينما هم يحتفلون ويغنون في صنعاء. لم نصل بعد إلى نهاية الطريق ولدينا الكثير من الوقت لنحتفل فيه ويجب على الشباب الحذر هذه الفترة أكثر من أي وقت مضى. أعتقد أن طيبة من في الساحات وبراءتهم ربما قد تؤثر عليهم مرة أخرى، وترددِهم سيؤثر في حسم الثورة بعد أكثر من أربعة أشهر من الكفاح السلمي. وبعد كل هذه الأشهر بدأت المرحلة الثانية من الثورة والتي تم تحديد مراحلها اليوم بالدعوة إلى البدء بتشكيل مجلس رئاسي مؤقت يمثل كافة القوى الوطنية يتولى تكليف حكومة كفاءات لإدارة المرحلة الانتقالية وتشكيل مجلس وطني انتقالي يمثل الشباب وكافة القوى الوطنية والعمل على صياغة دستور جديد يلبي تطلعات الشعب اليمني للحرية والكرامة والعيش الكريم. وبالرغم من أن هذا الإعلان تأخر كثيراً لكنه أعلن في النهاية ومن الضروري جداً أن يتم البدء حالاً وبدون أي تردد أو تأخير وبالاستعانة بالقيادات السياسية المستقلة والمعارضة وذوي الخبرة. فهل تناسى شباب الثورة أنهم فوتوا فرصة من أعظم الفرص يوم جمعة الكرامة في ال 18 من مارس بترددهم وتخاذلهم أنذاك بتنفيذ مشروع الزحف إلى القصر الجمهوري. أخاف اليوم أن يفوِّت الشباب فرصة خروج علي صالح من اليمن كما فوتوا الفرصة السابقة ووقتها لاتقولوا فاتنا القطار وحينها لن ينفع الندم. الفرصة الثانية بين أيديكم الآن.. واذا لم تستغلوها هذه المرة وبشكل عاجل فأبشروا بالزحف ركضاً الى المنازل.