تطورت الأحداث في اليمن بشكل دراماتيكي خلال الأسابيع الماضية, واستقر المشهد على خروج الرئيس صالح مضرجاً بدمائه من قصره تاركاً فراغاً دستورياً موحشاً. هنا انكشف المستور وتجلت الأمور... فالبلد يدار بهاتف صالح وحده الذي أصبح خارج نطاق التغطية .. وما أدراك ما هاتف الرئيس, فهو هاتف عجيب يقرب فلان ويقصي آخر ويشعل حرباً ويوقفها ويرفع من يشاء حتى ولو كان عبده الجندي أو أحمد الصوفي, أو حتى ياسر اليماني.. هاتف عجيب لا يعرف دستوراً ولا قانوناً ويستطيع أن يحوي في ذاكرته حتى أرقام العفاريت..!! نرى في المشهد الآخر بقايا نظام مترنح تتزعمه ثلة من ورثة العرش قذف بها القدر من مشاهدة أفلام الكرتون إلى قيادة معارك ضد الشعب لتقتل وتنتقم من أمة بأسرها.. وبتمويل من الشعب و حتى المانحين!! هنا استوقفني رأي الداهية حيدر العطاس الذي كان بحدسه قد أثار قبل حرب صيف 1994 مسألة إقصاء أقرباء السياسيين من المناصب العسكرية, وكأن العطاس قد قرأ ما يدور في خلد صالح وما يدبره بليل لتوريث حكمه. لا أدري لماذا صمت الآخرون على هذه الخطيئة التي يدفع دم الشعب ثمنها الآن ؟. أبناء الرئيس وأقرباؤهم في القوات المسلحة والأمن هم أيضاً اليوم بحاجة للتخلص من هذه الخطيئة.. أدعوهم إلى مد يدهم للشعب لا سيوفهم.. هم من الشعب الذي صبر على أبيهم أكثر من ثلاثة عقود عجاف, وهو الذي كان يتمنى حكمهم للأسبوع واحدٍ فقط. الرئيس صالح- أتمنى له ورفاقه الشفاء- هو بين يدي ربه ولا نريد لبنيه إلا كل خير.. دعونا كيمنيين نتسامى فوق جراحاتنا ونعطي الحكمة اليمانية قدرها في هذه اللحظة التاريخية الفاصلة ونتعالى عن سياسات الانتقام والتشفي, فاليمن أكبر من الجميع وتحتاج رد الاعتبار لحكمتها. أدعو الأخ أحمد علي صالح وذويه أن يحافظوا على ما تبقى من ذكرى طيبة للرئيس ويسلموا بقيادة البلد لنائب الرئيس عبد ربه منصور هادي, فالبلد لا يحتمل المزيد من سفك دمه.. صدقوني لم يعد الوطن قادراً على تحمل المزيد من المكايدات والتخندقات ضد بعضنا البعض. أما النائب عبد ربه منصور فهو في ظرف لا يحسد عليه, وجد نفسه هذه المرة بطلاً في ساحة تعود على لعب دور الظل أو الكومبارس فيها طويلاً..هو نائب في نظام غير مؤسسي لا يعرف إلا ذوي القربى ولو كانوا أشد مضاضةً..!! نحن لا نشك في وطنية وقدرة منصور هادي على تحمل المسؤولية.. عليه أن يتخذ قراراً شجاعاً ويتحدث بكل صراحة وشفافية إلى الشعب, فصوته ما زال خافتاُ ولقاؤه بالأجنبي أطول من لقائه بأبناء شعبه بكثير!!. سيادة النائب الوضع لا يحتمل أنصاف الحلول..فإما تتولى قيادة البلد في هذه اللحظة التاريخية وتعترف بثورة الشعب وتتفق مع قادة الثورة من الشباب والمعارضة على آلية الخروج من هذا الوضع بهدف تحقيق مطالب الثوار العادلة والمتمثلة في قيام دولة اليمن الحديث, دولة المدنية والنظام والقانون. أو تعلن صراحةً عجزك عن القيام بهذا الدور التاريخي, فسكوتك أصبح عليك وليس لك.. أُؤمن شخصياً وتشاركني كوكبة من أكاديميي اليمن في الداخل وأوروبا وأمريكا وكندا أن تكوين مجلس انتقالي بات ضرورياً ليقود البلد لبر الأمان تستمر مدته سنة واحدة يعقبها انتخابات حرة ونزيهة. الأخ عبده ربه منصور أعول عليه شخصياً الكثير فهو مدعو للخروج باليمن إلى بر الأمان, ومطالب أيضاً بحكم علاقاته وجذوره الجنوبية أن يدعو كل مكونات الحراك الجنوبي في الداخل والخارج للتفاوض بهدف تقديم الحلول المثالية للقضية الجنوبية.. هناك مخطط جهنمي يتمثل في تصعيد التدهور الأمني في محافظات الجنوب واستباحة الأمريكيين للأجواء والسواحل اليمنية الجنوبية وغيرها بداعي مكافحة الإرهاب, وإيصال رسالة للعالم مفادها إما صالح وقومه أو الإرهاب .. وهذه رسالة تؤيدها أطراف خارجية تستفيد منها وإن كانت على حساب دم وسيادة وكرامة الشعب اليمني العظيم.. الدور الأمريكي في اليمن أصبح مريباً لا يطاق!!! أتمنى على شباب الثورة أن يصمدوا ويثابروا فالنصر قادم لا محالة.. ولا نامت أعين الجبناء, والله الموفق.. *أستاذ مشارك - جامعة أدنبرة نابير - بريطانيا المصدر أونلاين