في عالم مثقل بغرائبه ومتعثر بسفالات كائنات حقيرة،يحدث أن تنام وتصحو على وطن مذبوح من وريد الحلم الى وريد الكارثة ،وأن تجد نفسك المسيجة باليقضة من آفات أدمية تسري في دروبنا كسريان السرطان في الجسد. يحدث أن تنام بشكل طبيعي ،و تستيقظ منهوبا في مأمنك و"خارج نطاق التغطية" أيضا، والأنكأ في عالمنا الدميم لم يزل الحديث عن مثل كهذا حوادث شخصية موضوع في خانة "العيب"،ورغم هذا، أظن بقارئي حسن الظن،سيستقبل هذا بمزاج رياضي ،ويعفيني من مظنة التأويل...وكيفما لامست مكامن وعيه، كلحظة انفعال ..فاجعة وداع .. أو ردة فعل مبالغ فيها .. ربما نبالغ في تضخيم أمر ما ، قد يُرى للبعض ....وحدث لا يعنيه،وفائضة عن حاجة جمهور معلق بتتبع مسار ثورتنا المباركة يتواطأ الجميع في شنقها بعقال الأمر الواقع ،وما سأتحدث عنه مقدمات ذات صلة بما ترتبه الصدف لنا جماعات وأفراد،كمتواليات تعزز من إعتقادنا بنكسة مؤلمة قد تطال ثورتنا البهية.. والشيطان يكمن في التفاصيل الصغيرة،كما يقال... لهذا سأكتب عن تلفوني مرثية تختلف عما نجيد نسجه من مراثي ،وإن كنت سأكتفي في نهاية الأمر بقراءة الفاتحة على تلفوني العزيز .. يحدث أن نتوقف للتحديق في منزلق ...وقد يقع أحدنا في كمين سخيف نصبه "سارق مزاح" وليس ببعيد أن نكون يوما هدفا محتمل ل"محترف جريمة" كما تصنفهم جدتي شفاها الله،وهذا ما حدث لي بالفعل صباح الأربعاء الفائت ...استقضت مفجوعا بغيابك،فشعرت بنهاية المصير المحيق بي وبرفاق دربي،وأن كنا من قبل قد صمتنا عن ما هو أثمن " تلفون"،فلأول مرة يوقظني ضجيج شبه اعتيادي،ليلسعني على أثرها بصقيع غياب من ألقاه ممددا بجواري ككل صباح،مخلوقا عجيبا صار جزء من حياتي بدونه صرت سجينا في معتقل فسيح في مدينة تضيق بمن يعيش فيها غير أسماك القرش..فأعذروني لو تحدثت لتلفوني كما يتحدث العشيق لمعشوقته، وبطريقة جاهلية لن اتأفف من مناجاته والوقوف على إطلاله،عله يعود ،وأن انتظاري كمن ينتظر"غودو" ... اه من فراقك يا نصفي الثاني وسلاحي السحري في التجديف وسط محيط متلاطم التناقضات والمفارقات إلا من رحم ربك،وركب البحر ب"تيتانك"،فلقد كنت لي أكثر من رفيق واعظم من تقنية تربطني بعالمي الخاص والعام ،وسرك المكنون اكتشفته فداحة خسارته المعنوية بعد فراقك الإجباري،ومع مرور الوقت ببطء السلحفاة تبين لي بعلاقة عاطفية تربطني بك ،وتذهلني تدفق احاسيس عجيبة نحوك على نحو لم اتوقعه في أتعس لحظات الفقد التي تعتري حياة بني أدم .. وأن لم يكُن هذا سرك المكنون ،فهو عشقي المجنون لأشيائي الصغيرة ،واعظم به من جنون اسأل السماء ألا أتعافى منه ،فرب جنون صغير يتعاظم كثوابت عدم التفريط بقضايا مصيرية،وقد يقول قائل ،مادام هذا الحب لم يدفعك لإبعاد محبوبك عين متربص غير عابر،وهذا ما تناهي الى مسامعي من أول لحظة،فأقول لهم ببرود يفوق التحفز للمجهول،وبعبارة موغلة في عاميتها "اللص غلب الشارح" ،وأخشى أن يستغفلنا اللصوص في سلب جيلنا ما هو أكبر من جهاز بسيط ...لهذا أشعلناها ثورة ضد اللصوص بكل ألوانهم ،واشكالهم واصنافهم ...وعلينا ان نحافظ على ثورتنا،ونجعلها في حدقات العيون..وكون تقنيات الاتصال ومنها الهواتف الخلوية جزء أصيل من ثورتنا،يصبح التفريط بها مقدمة سيئة تجر ما بعدها من انتكاسات،تتجلى كمطامع لقوى خرجت لتوها من سراديبها قبل خروج أهل الكهف... واخشى أن يتحول تلفوني الى سرداب آخر..