وصلت الثورة في شهرها السادس إلى ما يراه البعض مفترق طرق، حتى إن البعض أصبح يبشر بانتصار الثورة المضادة على الثورة نفسها. وليس المهم بالنسبة لهؤلاء الذين يعتمدون على قراءة ظواهر الأشياء دون التعمق في طبائعها وقوانينها إلا أن يكونوا أشبه بالزبد الطافي على ظهر الموج .. موجودين ويمكن أن يراهم الناس ولكن الزبد لا يمكن أن يمكث لفترة طويلة. لقد اجتازت ثورة الشعب اليمني في الستة الأشهر الماضية جملة من التحديات والمخاطر انتصرت عليها وهي تحتاج في الوقت الراهن إلى المحافظة على ما تحقق وإدراك طبيعة المهام التي تفرضها الثورة في الوقت الراهن والأخرى ذات الطابع الإستراتيجي التي لا يمكن من دون تحقيقها القول إن الثورة قد أكملت نصرها وأن الثوار قد نجحوا في الوصول إلى ما أرادوا الخروج من أجله. لقد كسر ملايين اليمنيين حاجز الخوف وتغلبوا على موروث الاستكانة وعدم الاهتمام ببعضهم التي ورثوها على مدار عقود من الزمن، ولولا ذلك ما استمرت هذه الملايين صامدة طوال ستة أشهر في ميادين الحرية وساحات التغيير وفي كل مرة يراهن البعض على تعب هؤلاء الملايين! مع الزمن يثبت اليمنيون بين كل جمعة وأخرى أنهم فوق كل تلك التوقعات الخائبة والمراهنات الفاسدة . إن ملايين اليمنيين الذين كرسوا وقتهم وجهدهم للتواجد في ساحات الثورة والتظاهر في عواصم المدن اليمنية طوال هذه الفترة أثبتوا أن مطلبهم يتجاوز الوقت الراهن إلى طبيعة الحلم في العيش بكرامة وفي ظل دولة القانون التي عانوا من غيابها كثيراً، ومن خرج في مسيرة الثورة لم يعد لديه من خيار سوى الاستمرار، فالعودة إلى الماضي يعني إعلان الموت الوجودي لكل يمني وتلك طبيعة موروثة في كل الشعوب حين تذوق حلاوة الحرية فإنها تتغلب على كل غنائم الحياة الزائفة والاستقرار الكاذب قبل الثورة. أما النصر الثاني الذي حققته الثورة فقد تمثل في إسقاط النظام ومن يتوهم من خلال ظواهر الجريمة الراهنة لبقايا السلطة أنه لا يزال هناك نظام لا يقوم بأكثر من رياضة نفسية موروثة من زمن الذل والمهانة، أما ما على الأرض وما يراه اليمنيون ويعلمه غيرهم أنه لم يعد هناك من حقيقة في اليمن سوى الثورة وما عداه لا وجود له. إن أعمال القتل ونشر العنف واستخدام المدافع وإحراق الساحات واعتقال الثوار وقطع الكهرباء وإعدام المشتقات النفطية كلها أعمال تنتمي إلى عالم الجريمة الجنائية وليس لها علاقة بأي فعل سياسي، حتى الحروب والنزاعات المسلحة يحرص أطرافها على الالتزام بالقوانين والأعراف المنظمة للحرب والصراع، أما بقايا النظام ومخلفاته في اليمن فإنه لا قانون يحكمها سوى قانون الخوف من الثورة والفرار من المطاردة وهم لذلك لم يعد لديهم ما يتورعون عنه ويقدمون على كل ما يتوهمون أنه سينقدهم من الهلاك عبر القيام بهدم المعبد على من فيه. وقبل حادثة النهدين كان البلوتوث قد تناقل خطاباً صحيحاً بصوت علي عبد الله صالح يخاطب أولاده وأصهاره وإخوانه في اجتماع رسمي ما يدل على أن النظام قد سقط قائلاً: الإخوة القادة سنواجه الشعب حتى آخر قطره من دمائنا بكل ما أوتينا من قوة، من يقف معانا يا مرحبا سياسيين أو غير سياسيين أهلا وسهلا كسروا كل شيء جميل في اليمن دمروا كل شيء في اليمن شعب جبان خوافين لا يعرفون مصلحة الرئيس.
لذلك على الثوار في اليمن أن لا ينصتوا كثيراً وأن لا يركزوا على أدخنة وغبار الركام، فكل ركام وكل مخلفات لا شك أن لها ما يشير إلى طبيعتها، والمهم في مسار الثورة هو إزالة الركام أو تنظيمه وليس التأفف وإعلان القرف مما يترتب عليه، فكل قمامة بالطريق العام لا شك أنها تؤذي المشاة وتجعلهم أحيانا يفكرون بحرف المسار عنها، ولأن ما تبقى من النظام أصبح خطراً على الثورة فهم أيضا خطر بنفس القيمة والدرجة على جوار اليمن ومصالح العالم، لذلك لم يعد هناك في العواصم الإقليمية والدولية المؤثرة في اليمن من يعتقد باستمرارية نظام صالح، الجميع يسعى نحو فتح طريق لبناء يمن جديد.
ونعتقد أخيراً أن المهمة الرئيسية التي تفرض حالها وذاتها ومن دون إنجازها وتجاوزها لن تنجح الثورة.. إنها مهمة بناء السلطة الجديدة والبديلة عن سلطة قديمة تهاوت واندثرت وتكومت، ومهمة بناء الدولة المدنية الحديثة على أنقاض دولة عصبوية عائلية تضرر منها كل أبناء اليمن. وكلا المهمتين هما هدف الثورة وغايتها ومن دونهما ستتحول الثورة إلى تمرد على واجهة النظام، وسيكون على اليمنيين أن يدخلوا في دروب الضياع والتوهان كما تاه بنو إسرائيل حين تحرروا من عبودية الفرعون ورفضوا الدخول إلى مجتمع الحرية وأن لا يعبدوا إلا الله فابتدعوا عبادة العجل فأظل الله طريقهم في الأرض أربعين عاماً.