لم يتغير شيء سوى أن علي صالح يخطب هذه المرة بعينين تمتلئان بسادية ووحشية, ورغبة في الانتقام, وبنظرات قرصان يؤدي مهمته الأخيرة. الموقع الجغرافي الذي أطل منه لم يغير من عقلية الرجل, ولم تؤثر حادثة النهدين على سلامة حواسه كقاتل,لقد أصلح الطب كل شيء فيه - بل أنه عاد أكثر نضارة ولمعاناً مما كان عليه بعد أول ظهور له عقب الحادث, لكن قلبه لم يزل مسرحاً للبغض, ولم يستطع الطب رغم تقدمه أن يصلح من مخارج حروف لاكها في فمه ,وانتهك اللغة كما أنتهك قبلها البلاد والعباد ,ولم يكن للعطار حيله فيما أفسده صالح لدهور. تذكرت بطريرك ماركيز في خريفه ,والذي كان يعيش بسلطة زائفة ,ووهم مثخن بالكثير من الغطرسة ,والخوف من اللاشيء ,فهو جنرال لا يتقن سوى التعذيب,ولا يجيد الإصغاء إلا لغريزة البقاء على سلطة مهما كانت هشة,ومحاصرة,,ومتسخة!عدا عن كونه أكثر من ديكتاتور وأقل من إنسان فهو مريض يطل من نافذة متوعداً بإحراق الريح! يظهر علي صالح بصورة لم يخدشها حتى الحياء,متباكياً على الشباب الذين لازالت آلة القتل التي تركها خلفه تحصد منهم الكثير يومياً في مختلف محافظات اليمن,ثم يتحدث عن الحوار بطريقة تبعث على الغثيان, وتجعل من أقل الناس معرفة به يتمتم بضجر:ألا يستحي هذا الرجل,ألا يدرك أن الثورة التي لفظته لا تحاور الجثث السياسية بل تحاكمها,وتضعها في الزنازين بحيث لا تترك لصالح من مجال سوى الاختيار بين أن يلعب (بمناخيره) في محكمة الشعب فيما يحي محمد صالح ونجله احمد يسدان الطريق أمام عدسات الكاميرا ,أو أن يلعب الاسكواش في مصيف ما بعيداً عن طهارة البلد. التهديد بالحرب لعبة كل مفلس ,وصالح لم يعد في حوزته سوى مجموعة قتلة يرصهم أمام طهارة أحلام بلد بأكمله,ليمارسوا لعبة الإعدام الجماعي التي لا يتقنون سواها,فيقطع شرايين الحياة عن اليمن ,اليمن التي انتهكها لأكثر من ربع قرن,لقد ظهر علي صالح في خطابه اليوم كمختلٍ يمسك بطفل رضيع ويجري به نحو هاوية.