تعز الكرامة والحرية والسلام، كنا في السابق لا نسطر مثل هذه العناوين أو الجمل، خاصة فيما يتعلق بتعز كمدينة مسالمة، هادئة ساكنة، لا تعرف البنادق ولا العسس. اليوم وبعد كل هذا الذي يجري لهذه المدينة وأخواتها، لا يمكن لفوهات البنادق أن تتوه أو تخطئ وجهتها. ولا يعتبر مثل هذا الكلام دعوة لتتخلى الثورة عن سلميتها، مقابل ما يستبسل المجرمون في خوض معاركهم المستشرسة ضد العزّل، ولكن لأن القتلة يتوحدون ويتمترسون في كل المتاهات والشوارع الخلفية والأمامية. ويبقى الثوار المسالمون مكشوفين من خلال عدسات القناصة والمصورين وشاشات التلفزة. بل وفي واجهة العالم الأعمى، الأخرس. الإنسان يمكن تدميره لكنه لا يهزم إذا قرر الانتصار، وقد قالها ارنست هيمنجواي عن الصياد العجوز في رواية «العجوز والبحر» وتعز كل يوم وكل ساعة تشهد بأحرارها وحرائرها دورة جديدة في الصمود والممانعة من أجل الحرية؛ التي يمثل التمسك بالكرامة جذرها الأصلي، الأصيل. ويوغل القتلة بأفعالهم، كما لو أنهم يشبعون شهيتهم الدموية المتسعة. عزيزة علينا كل قطرة دم يمنية خالصة مخلصة للوطن تسيل في أي مدينة أو في أي مكان من اليمن داخله وخارجه، فكيف بها إذا سالت في مدينة الكرامة، التي سطرت وأرشفت تاريخ اليمن السلمي وأمجاده فقط بثقافة السلم والمثابرة والعمل، وهاهي اليوم تقدم شهداءها في السر والعلن، تحت جنح الظلام وفي وضح النهار، نعوشهم تسافر في صنعاء والحديدة وعدن، وتتحول إلي غابة من الجنائز هنا في تعز. ولماذا مثلاً لم تكن تعز اليمن واليمن تعز؟ أو قل لكأن تعز الثورة والثورة تعز. صحيح كل ما يمكن أن نخلعه من الأوصاف على هذه الحالمة المسالمة. لطالما الدم ينز والجراح تتسع، والضحية أرهق القاتل. ستتعبون أيها القتلة في مواجهة الحالمة الحاسمة الصابرة الصامدة. ألم تقلب موازين المعادلة الآن؛ رصاصكم لم يقتل سوى الخوف فينا، كلما ارتهنتم للبندقية؛ دمنا سيفلّ رصاصكم. مزيد من قتلنا في جوهره مزيد من تقهقركم إلي ما قبل ثورة الحرية وهاجس التغيير. صدقونا الترهيب يستولد الإرهاب، وبحيرة الدم تتمدد.. ستبتلعكم، كلما تورطتم في الجريمة. من تصوروا أن «سيزيف» الذي حمل الصخرة صاعداً وهابطاً في دورة أبدية عقيمة، أخطأوا؛ لأن الصخرة تصبح خفيفة بعد كل ذلك الصعود. ويصبح سيزيف أقوى وأرشق وأكثر قدرة على الاحتمال. وهذا مشهد تعز اليوم. الانتقام الحيواني المفترس يطال أبناءها من الأطفال والشباب والنساء، ويصل الرصاص حتى الغرف المغلقة. بمجمل أفعالكم لم تبدوا أكثر من حيوانات ضالة مفترسة. والحيوانات الأشد قسوة وضراوة والتي ورثت شهوة الدم عن أسلافها، انتهت إلى فراء على أكتاف النساء وإلى محافظ وأحذية، لكن العصافير لا تزال تعقد مؤتمراتها الصباحية على أغصان الشجر في الساحات، المدارس، الحدائق وحتى في السجون. لا يمكن للتأريخ أن يصفكم بالأبطال المخلصين أو حمام السلام. مجرمون لا أكثر. اللحظة توثق مشهد الوحشية المغاير. نحن أبناء آدم. أنتم من نسل آوى. ننشد الحياة والسلام لكل اليمنيين. وتصدرون البارود والموت لليمن بأسرة. نرمي بالورد وتردون بالقنص. يا قتلة النساء والأطفال. إن استخدام قذائف المدفعية والرصاص الحي في مواجهة الثوار السلميين ليس له أي مبرر منطقي على الإطلاق، ويعد تصعيداً خطيراً في سجل نظام محروق مشوه ساقط، ولا مجال لمحاولة استغفال الرأي العام الدولي بادعاء النفي لبشاعة جرائمكم. أشرطة الفيديو موثقة، والشهود زادوا عن أبناء تعز، واليمن كله، معهم الملايين من العرب والأجانب من المتضامنين، وفوق كل هذا وذاك، الجرحى في المستشفيات، غارقون بالدم، والدم اليمني لم ولن يكون رخيصاً في يوم من الأيام إلى هذا الحد.