في مثل هذا اليوم كانت عشرات الأسر مع موعد لمأتم كبير لم تعرفه اليمن من قبل, كانت عشرات النساء على موعد مع توديع الحياة الزوجية والولوج إلى مرحلة من العيش المر والذكريات المؤلمة ولحظات الفراق العسير, في مقابل مئات الأطفال الذين كتب عليهم اليتم المبكر, لتظل دموعهم لعنات تطارد القتلة والمجرمين, وتبقى قصتهم مأساة بحد ذاتها, قصة سيذكرها التاريخ كلما ذكرت جرائم الإبادة, وستظل وصمة عار في جبين من ارتكبوها, وتظل مجزرة الكرامة قرين لمجازر صبرا وشاتيلا ومحرقة النازية في ألمانيا. لاشي يعز علي الإنسان أكثر من فراق ابنه أو أخيه أو أبيه كما لايوجد رادع أمام القاتل حين يفارق مبادئ الإسلام وسماحة القران ويظل اقرب إلى الحيوانات والوحوش المفترسه منه إلى الإنسان وأدميته التي تميزه عن الوحوش المفترسة. في مثل هذا اليوم سقطت كثير من الأقنعة التي ظلت تتباهى بالديمقراطية وتتغنى باحترام حقوق الإنسان, وكشفت أحداث جمعة الكرامة عن كلاب ضالة تبحث عن فريستها في المكان الخطى, وأثبتت المجزرة أن ورثة هتلر وشارون وجنكيز خان لايزال موجودون في كل زمان ومكان كلما وجد هناك حاكم ديكتاتور يتمسك بالحكم ويقدس المال ويمتهن الخداع ويتسلق على جماجم الأبرياء إيماناً بالمقولة الميكافيلية " الغاية تبرر الوسيلة " وقتل مليون شخص في سبيل البقاء في الحكم أو الوصول إليه عرف يقره الطغاة وسفاكي الدماء اليوم الأحد تحل الذكرى الأولى لأبشع الجرائم التي ارتكبت في تاريخ اليمن واليمنيين خلال النصف قرن الأخير في العاصمة صنعاء, يوم لها دلالاته الخاصة التي تحمل في طياتها معاني الحزن ومعاناً أخرى قد يستشفها القارئ عند تفسيره لما خلف السطور, عام من الحزن والعيش مع الذكريات بالنسبة لأسر الشهداء, وعامل من النضال السلمي حافل بالكثير من الانتصارات التي حققتها ثورة الشباب طيلة عام أو يزيد, وكان يوم 18 مارس الدامي بداية لنصر جديد كان ثمنه باهظاً وسقط فيه أكثر من 52 شهيد وحوالي 618 جريح. كان ذلك البحر من الدم الذي سال في جولة القادسية والشوارع المحيطة بها طعنة قوية في ظهر نظام صالح حينها, ومسمار دق في نعش حكومة مجور التي تساقطت كأوراق الخريف بالاستقالات الفردية وأخيراً باستقالة جماعية مثل حينها أول نصر في طريق المشوار الطويل لثورة الشباب الشعبية السلمية,التي تلاها فيما بعد إعلان الجيش تأييده ودعمه لثورة, وتتدافع الصحفيين والمثقفين للالتحاق بركب الثورة. جاءت مجزرة الكرامة كردة فعل على كلمة " الشعب يريد إسقاط النظام " ولم يكن احد يدري بان تلك المجزرة وحدها هي الكفيلة بإسقاط النظام, وانكشاف سوءته وتخبطه في جملة من القرارات المرتجلة والتي كان منها فرض حالة الطوارىء, التي أثبتت لصالح ونظام حكمه بان الشعب اليمني لم يعد يهمه الطوارئ فما حصل عقب صلاة جمعة الكرامة يفوق كل القرارات التي سقطت شرعيتها مع أول قطرة دم في ساحة التغيير بصنعاء. كانت تلك الواقعة التي سيظل يتذكرها اليمنيون جيداً كلما ذكرت ثورة الشباب واقعة مؤلمة يستعصي على الذاكرة الجمعية نسيانها, لقد كانت تلك اللحظة التي انهالت فيها أسراب الرصاص الغادر لحظة مرعبة, ومرارة الفجيعة التي لاتوصف , مجزرة جعلت العالم بأكمله يتوقف عن مشاهدة كل البرامج والأعمال ليقف مذهولاً ومندهشاً لمدة عشر ساعات او يزيد, مردداً سؤالاوحيد مالذي يجري في اليمن؟ يقول الصحفي محمد سعيد الشرعبي احد شهود العيان في تلك المجزرة " من شهد أو شارك ثوار ساحة التغيير بصنعاء ملحمتهم في "جمعة الكرامة" لا يستطيع اختزال تلك المذبحة مهما اختزل ، ولو كان "النفري" كأخلد داعية للاختزال اللغوي عبر التأريخ ، ولكن في نهاية الأمر وبالرغم من تلك المذابح المروعة انتصر الشعب في منازلاته المتعددة مع السفاح المخلوع ،الذي عاودالهجوم على الثورة والثوار بخطابه مشين مطلع الأسبوع الجاري ،مؤججا مشاعرالمطالبين برحيله النهائي ومحاكمته بعدما منحته المبادرة الخليجية حصانة من الملاحقات مع بقية مجرمي نظامه الذين امتصوا دماء الأبرياء وبنو مجدهم من جثث الأبرياء طيلة 33 عاما . ماحدث في جمعة الكرامة كانت جريمة بكل المقاييس وترقى الى جرائم الابادة البشرية يقول المحامي احمد عبيد " ان ما حدث في جمعة الكرامة لشباب الثورة من قتل عمد مع سبق الأصرار والتخطيط المسبق تعتبر من الجرائم ذات الخطر العام ومجزرة بشعة لاتقل بشاعتها عن جرائم الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني ضد الفلسطينيين ويجب محاكمة كل القتلة سواءً المنفذين منهم والمخططين والمقدمين المساعدة السابقة والمعاصرة والاحقة للجريمة ويعد الجميع متمالئين على القتل ويجب القصاص منهم وهذا حق خالص لأولياء الدم أي طلب القصاص وفقاً للشرع الأسلامي الحنيف والقوانين النافذة وكل عفو أو حصانة لأي مجرم من المحاكمة والعقاب تعد في حكم العدم وعدم اللا مشروعية لأن الحق في ذلك لولي الدم دون غيره كما اسلفت فضلاً عن أن تل الحصانة مخالفة للشرع الأسلامي الحنيف وتتعارض مع أحكام كل الشرائع السماوية ناهيك عم تعارضها مع الدستور والقانون النافذ والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الأنسان والجدير ذكرة أن المتهمين بمجزرة جمعة الكرامة أغلبهم وقت إرتكابهم الجريمة كانوا يشغلون مناصب الوظيفة العامة التي تحتم عليهم حماية المواطنين وليس قتلهم ولهذا فأن العقوبة بحقهم تكون أشد ومغلظة ومع وجود القضاء النزيه المستقل القوي سيسقط قانون الحصانة في أول محاكمة للقتلة بالدفع بعدم دستورية قانون الحصانة أمام محكمة الموضوع التي بدورها تحيل الدفع الى الدائرة الدستورية بالمحكمة العلياء للجمهورية ولايوجد أمام الدائرة إلا الغاء القانون ولو لسبب واحد فقط وهو تعارضه مع الشرع الأسلامي الحنيف وعندها ماأقرته السلطة التشريعية للقتلة من حصانة ستلغيه السلطة القضائية وهذا ماسيكون حتماً حتى تتم محاكمة كل المجرمين الذين أرتكبوا جريمة القتل في جمعة الكرامة وغيرها من أركان نظام صالح ومن عملون معه طيلة فترة حكمة. جمعة الكرامة كانت جمعة دامية وهذا مايؤكده الكاتب عبدالله الصنعاني في حديثه ل " الجمهورية " عندما قال انه بالنسبة لموضوع جمعة الكرامة فإنني أقول أننا لسنا بحاجة إلى أن نثبت دموية نظام صالح فعقلية صالح لم تعتش إلا على الدماء فمن الحروب السياسية إلى الحروب الداخلية بين القبائل التي كان يغذيها .. أعتقد أن صالح لا يستطيع أن يعيش بدون دماء ..غير أن ما حدث في جمعة الكرامة كان تصرفا إجراميا كبيرا جاء في لحظة والناس على انتظار ولم يكن على حين غفلة ككثير من جرائم صالح التي لا تحصى بسهولة لقد كانت تلك الواقعة جريمة بشعة أبشع ما فيها أن الشباب الذي أزهقت أرواحهم لم يكونوا إلا سلميين بل لقد كانوا في أعلى درجات السلمية وهم يؤدون صلاتهم.. لا أحد يستطيع أن يشكك في سلميتهم بل لقد كانوا في تلك اللحظة التي قتلوا فيها هم السلام نفسه , لقد قتل ضميره قبل أن يقتل شباب السلم والسلام فتهاوى وتداعى وسقط في حضيض الإجرام فانهار عرشه واهت سلطانه فسقط وغار وانصرف إلى مزابل التاريخ غير مأسوف عليه..وتبقى مأساة جمعة الكرامة في نظر أولياء الشهداء شيء اخر قد لايعرفه الا من فقد اعز الناس الى قلبه, وجمعة " عهداً ياشهداء الكرامة سنحاكم القتلة " بداية تصعيد جديد كوفاء لدماء الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من اجل الوطن, واقتنصت رصاص الغدر أرواحهم بعد ساعة صفاء وطهر اتصلوا فيه بمولاهم العظيم ليلاقوا ربهم أنقاء وابر واطهر من قاتلهم الملطخ بالدماء