تحلُّ غداًَ الأحد الذكرى الأولى لمجزرة “جمعة الكرامة” الجريمة الأبشع في تاريخ اليمن واليمنيين خلال نصف القرن الأخير في العاصمة صنعاء, يوم لها دلالاته الخاصة, عام من الحزن والعيش مع الذكريات بالنسبة لأسر الشهداء, وعام من النضال السلمي حافل بالكثير من الانتصارات التي حققتها ثورة الشباب طيلة عام أو يزيد, وكان يوم 18 مارس الدامي بداية لنصر جديد كان ثمنه باهظاً وسقط فيه أكثر من 42 شهيداً وأكثر من 600 جريح. كان ذلك البحر من الدم الذي سال في جولة القادسية والشوارع المحيطة بها المسمار الأول في نعش نظام صالح حينها, ليتهاوى كأوراق الخريف بالاستقالات الفردية وأخيراً باستقالة جماعية مثّلت حينها أول نصر في طريق المشوار الطويل لثورة الشباب الشعبية السلمية, التي تلاها فيما بعد إعلان الجيش تأييده ودعمه للثورة, وتدافع الصحافيون والمثقفون للالتحاق بركب الثورة. جاءت مجزرة الكرامة كردة فعل على كلمة “الشعب يريد إسقاط النظام” ولم يكن أحد يدري أن تلك المجزرة وحدها هي الكفيلة بإسقاط النظام وانكشاف سوأته وتخبُّطه في جملة من القرارات المرتجلة والتي كان منها فرض حالة الطوارئ التي أثبتت لصالح ونظام حكمه أن الشعب اليمني لم يعد يهمه الطوارئ, فما حصل عقب صلاة “جمعة الكرامة” يفوق كل القرارات التي سقطت شرعيتها مع أول قطرة دم في ساحة التغيير بصنعاء, كانت تلك الواقعة التي سيظل يتذكرها اليمنيون جيداً كلما ذُكرت ثورة الشباب واقعة مؤلمة يستعصى على الذاكرة الجمعية نسيانها. لقد كانت تلك اللحظة التي انهالت فيها أسراب الرصاص الغادر لحظة مرعبة, ومرارة الفجيعة التي لا توصف, مجزرة جعلت العالم بأكمله يتوقف عن مشاهدة كل البرامج والأعمال ليقف مذهولاً ومندهشاً لمدة عشر ساعات أو يزيد, مردداً سؤاله الوحيد: “ما الذي يجري في اليمن؟!”. يقول الصحافي محمد سعيد الشرعبي, أحد شهود العيان في تلك المجزرة: (من شهد أو شارك ثوار ساحة التغيير بصنعاء ملحمتهم في “جمعة الكرامة” لا يستطيع اختزال تلك المذبحة مهما اختزل، ولو كان “النفري” كأخلد داعية للاختزال اللغوي عبر التاريخ). ولكن في نهاية الأمر وبالرغم من تلك المذابح المروعة انتصر الشعب في منازلاته المتعددة مع النظام الذي عاود الهجوم على الثورة والثوار بخطاب مشين مطلع الأسبوع الجاري، مؤججاً مشاعر المطالبين برحيله النهائي ومحاكمته بعدما منحته المبادرة الخليجية حصانة من الملاحقات مع بقية مجرمي نظامه الذين امتصوا دماء الأبرياء وبنوا مجدهم من جثث الأبرياء طيلة 33 عاماً.. ما حدث في “جمعة الكرامة” كان جريمة بكل المقاييس وترقى إلى جرائم الإبادة البشرية, يقول المحامي أحمد عبيد ل “الجمهورية”: إن ما حدث في “جمعة الكرامة” لشباب الثورة من قتل عمدي مع سبق الإصرار والتخطيط المسبق يعتبر من الجرائم ذات الخطر العام ومجزرة بشعة لا تقل بشاعتها عن جرائم الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني ضد الفلسطينيين, ويجب محاكمة كل القتلة سواء المنفذين منهم أم المخططين والمقدمين المساعدة السابقة والمعاصرة واللاحقة للجريمة, ويعد الجميع متمالئين على القتل ويجب القصاص منهم, وهذا حق خالص لأولياء الدم, أي طلب القصاص وفقاً للشرع الإسلامي الحنيف والقوانين النافذة, وكل عفو أو حصانة لأي مجرم من المحاكمة والعقاب تعد في حكم العدم وعدم اللا مشروعية؛ لأن الحق في ذلك لولي الدم دون غيره. كما أسلفت فضلاً عن أن تلك الحصانة مخالفة للشرع الإسلامي الحنيف وتتعارض مع أحكام كل الشرائع السماوية ناهيك عن تعارضها مع الدستور والقانون النافذ والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان, وتبقى مأساة “جمعة الكرامة” في نظر أولياء الشهداء شيئاً آخر قد لا يعرفه إلا من فقد أعز الناس إلى قلبه, و«عهداً يا شهداء الكرامة سنحاكم القتلة» بداية تصعيد جديد كوفاء لدماء الشهداء الذين ضحّوا بأرواحهم من أجل الوطن, واقتنصت رصاص الغدر أرواحهم بعد ساعة صفاء وطهر اتصلوا فيها بمولاهم العظيم ليلاقوا ربهم أنقى وأبر وأطهر من قاتلهم الملطخ بالدماء.