تعيش جزيرة سقطرى اليمنية هذه الأيام أجواءً مفعمة بالفرحة والسرور بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك الذي يحمل معاني الألفة والمحبة وصلة القربى والتواصل بالزيارات بين أفراد المجتمع، كما للعيد مظاهر فرحة ونشوة وذكريات وتقاليد. بين عادات قديمة ما تزال حاضرة بقوة، وأخرى اختفت؛ يحيي سكان هذه الجزيرة الواقعة على المحيط الهندي ما استطاعوا من تلك العادات التي تحث على التكافل والتراحم بين المجتمع الصغير الذي يقدر عدد سكانه بنحو خمسين ألف نسمة.
عادات مندثرة منذ زمن، كانت مجموعة من عدة أفراد يطلق عليها فرقة «الكبّارة» تطلق فعاليات استقبال العيد أول أيام العشر من ذي الحجة، فتجوب الفرقة الأزقة والأحياء والقرى على إيقاعات الطبول وسط هتافات تدعو الأهالي للإنفاق وتذكرهم بقدوم عيد الأضحى. وخلال جولتهم في الأحياء طيلة أيام العشر من ذي الحجة يقوم الأهالي بالجود على الفرقة على قدر ظروفهم من اللحوم والحبوب والمأكولات كل حسب استطاعته حتى أن البعض يقدم لهم حزمة من الحطب.
صورة لبيت السلطان في قرية علها أخذت في العام 1964. تصوير جون فارر في اليوم السادس من ذي الحجة تقوم الكبّارة بزيارة منزل السلطان وهو الكائن في منطقة «علها» (تبعد عن مدينة حديبوه 8 كيلو) مشياً على الأقدام فيجود عليهم السلطان بالأطعمة كالأرز واللحم ثم يغادرون صوب منطقة كدحة (معقل الأشراف) وتزداد دقات الطبول والهتافات كلما قربت يوم العيد. لكن هذه العادة لم يعد لها أي أثر. واختفت فرقة الكبارة مع انتهاء حكم الدولة العفرارية في عام 1967م، والتي كانت أراضيها تمتد محافظة المهرة جنوب الجزيرة العربية.
يوم عرفة ولا ينسى السقطريون أمواتهم، ففي اليوم السابق للعيد تذبح المواشي وتوزع كصدقات عن الموتى الذين مر على وفاتهم سنوات على أن لا تزيد عن ثلاثة أعوام. كما يتم توزيع المأكولات على الأطفال الذين يتشكلون في مجموعات تقدم لهم المأكولات على صحن فخاري يسمى (صفعة) ولا يقدم لسواهم لكون الكبار في الغالب صائمين.
موائد جماعية كغيرهم من المسلمين يبحث السقطريون عن الأضحية التي تدعى «ركبيه»، وغالباً ما يأخذونها من بين أغنامهم ومواشيهم، والقليل منهم يلجأ إلى شرائها من الأسواق بمتوسط سعر يصل إلى عشرة آلاف ريال. يؤدون صلاة العيد، ثم يذبحون أضحيتهم. وفي ظهيرة يوم العيد يجتمع أهل كل قرية في بيت كبير، كلٌ يحضر من بيته الأطمعة والمأكولات، وعند وقت الغداء توضع الصحون واللحوم ويتناول من حضر من الأطعمة المتنوعة. ومن أشهر أطعمة العيد هي عصيد الدخن «بنمبه» والذرة التي كانت تستورد من شرق أفريقيا وكذلك طبخ الأزر مع حبوب الدجر أو اللوبيا، حيث تعد أشهر أنواع الأطعمة في حديبوه وهي أربعة أنواع تسمى باللغة السقطرية (أمبارازي، ودفره، وعرعره، وزرعه) وتؤكل مع السمن البلدي.
وبعد الأكل والشرب يتم تبادل التحايا ومن العادات السقطرية الأصيلة، السلام بالمصافحة وضرب الخشوم لبعضها البعض بضربة أو اثنتين إلى ثلاث وتقبيل الخشم عند التلاقي بين الناس، وهنا يعتقد السقطريون أن الزيارات والمعايدة لا تتم إلا بعد الأكل. ويشكل الأطفال وهم بكامل زينتهم وأبهى ملابسهم في مجاميع لزيارة البيوت التي تقدم لهم الهدايا والحلويات. يزور السقطريون أرحامهم لمعايدتهم بقولهم باللغة السقطرية «عايد بين الله كلفقهن» وتعني كل عام ومن العايدين. لكن من العادات الفريدة أن على كل فرد أن يكمل زيارة 40 بيتاً كحد أدنى، ومن لم يستطع عد البيوت عليه أن يأخذ معه 40 حبة حصى، وكلما زار بيتاً رمى بحصى، وهكذا حتى يتمم أربعين بيتاً. ونتيجة لكثرة اللحوم فإن السقطريين يقومون بتقطيع بقايا اللحوم على شكل قطع صغيرة وتوضع في أعواد دقيقة تصنع من أعواد الأشجار وجريد النخل ثم تشوى فوق الجمر حتى تيبس فلا تتعفن ثم تعلق في المنازل. وخلال أيام العيد تقام في العديد من القرى زوامل وموالد احتفالاً بهذه المناسبة العظيمة طيلة أيام التشريق الثلاثة التي تلي عيد الأضحى.