لا مانع أحياناً في ظل هذه الحياة واضطراباتها أن نسرح بخيالنا ونتمنى، وبعض الأمنيات في علم الحياة ترقى إلى محال بل هي الخيال والسراب.. ومع ذلك نعود فنتمنى أن تخيب الحكومة في شقها المعارض آمال النظام السابق وأن لا تستسلم لاستفزازاته وتصرفاته المشينة، لأن ما هو مستفز أكثر من استفزاز النظام وتصرفاته هو استفزاز من نعول عليهم في إخراجهم لنا إلى بر الأمان وإذا بنا نفاجأ بردود فعلهم السلبية على الأحداث الجارية وبالأخص تجاه ما حصل لمسيرة الحياة. ماذا كان يتوقع المجلس الوزاري الجديد؟ وماذا كان ينتظر؟ هل كان يظن بأن حمامات السلام سيرسلها النظام السابق تمطرهم بأكاليل الورود لانتصارهم عليه، أم كانوا يعتقدون بأن ذلك الكرسي الوزاري هو شاطئ الأمان ومنتهى الأمل بالنسبة لهم، ولليمن، وللشعب اليمني بأكمله، وأنه بمجرد وصولهم إليه تنتهي كل مشاكل اليمن ويطوي النظام السابق صفحته ويرحل وهو يكفكف دموع التوجع والفراق!! هل من المعقول والمنطق أن يكون رد الفعل في أول مواجهة استفزازية وتجاه أول نقطة دم تسيل على تراب اليمن الطاهر هو أن تترك الوزارة كراسيها وتعود إلى مربع الصفر بعد كل تلك الخطوات التي تمت دون أن تتخذ أي مواقف بروتوكولية شديدة اللهجة والفعل تنبئنا وتخبرنا وتطمئننا بأننا نتكئ على جبل يعصمنا من الماء أم لا عاصم اليوم من أمر الله؟ لا نريد أن يصعد صالح مرة أخرى للمنصة ويقول تعلموا منا فن الجلد والصبر وطول النفس، فلنتعلمها نحن وندرسها له ولكل من يراهن على فشل المستقبل القادم لليمن. إن لم تمارس الحكومة اليوم دورها وتتحمل مسؤولياتها في حفظ لحمة اليمن، وحقن دماء شعبه، والحفاظ على وحدة أرضه، فمتى تمارس هذا الدور؟ إن لم تمارس دورها في تقديم الجناة للعدالة، والإعلان عن منفذي جريمة الاعتداء على مسيرة الحياة، فمن سيؤدي هذا الدور؟ هل هذا ما يستحقه شباب المسيرة من حكومة الوفاق؟ وهل هذا أقصى ما تستطيع الحكومة عمله تجاه أحداث كهذه .. أن تحزم أوراقها وتغادر؟!! لا أستطيع أن أحجم وأمنع أسفي وحنقي على أخبار التلويح بتقديم الاستقالة رداً على ما حصل لمسيرة الحياة، فإن الشعب اليمني أيتها الحكومة ينتظر منكم صلابة وقوة وبأساً، لا هروباً وخوراً وعجزاً، نريد حكومة تضرب بيد من حديد وتكشر عن أنياب تطبيق الحدود والأنظمة والقوانين لكل من يخرج عن إطار الجماعة ويقلق الأمن والأمان ويهدر دماء المسلمين، لا أن تواجه هذا الموقف بتقديم الاستقالة والرجوع عن المواجهة. شتان بين استقالة واستقالة .. استقالة ما قبل الثورة مشرفة .. أما استقالة ما بعد الثورة فما أراها إلا انتصار لسياسة التخويف والاستفزاز التي يمارسها أطراف خفية لتأجيج وإقلاق الحركة السياسية للبلد، ولن أقول لن يغفر الشعب لأن الشعب اليمني يغفر، ويسامح، ويرحم، ولكني أقول إن التاريخ لن يغفر لليمنيين أن يغفروا تباعاً ومراراً لكل من يجعلهم جسر مرور تسير وتغدو عليه أطماع الطامعين. عذراً سادتي .. مهما كان الخطاب شديداً فإن الألم أشد، مازلنا في غمرة الفرح والزهو المباح نفتخر بأننا اليمانيون حققنا في ثورتنا ما لم تحققه أي ثورة أخرى عربية، واستطعنا بالحكمة اليمانية أن نتجاوز مشاكلنا وعقباتنا فلا تكسروا علينا هذه الفرحة، ولا تقتلوا هذا الانتصار، ولا تكن الفوضى هي السمة الغالبة لمستقبل اليمن القادم، حفظ الله يمننا وأهله عزيزاً متيناً قوياً شامخاً لا يستكين ولا يلين ولا ينحني إلا لرب العالمين.