عندما تدخل السجن المركزي بمحافظة ذمار ينتابك شعور بالغثيان لما تشاهده من عدم الاهتمام بالسجن: أبواب مخلعة، شبابيك مكسرة، دورات المياه معطلة، بالكادر تجد مكاناً تستطيع الجلوس عليه لعدم نظافة أغلب مرافق السجن. يجيبك أحد السجناء بأنه مسجون منذ ما يزيد عن الثلاث السنوات «لا لذنب اقترفته إلا أنني أخذت دجاجه جاري، وإلى الآن لم تتم لي أي محاكمة»، وآخر يقول إن شيخ القرية سجنه لأنه لم يستجب لأمره وغيرها من القصص التي تثير الحزن والسخرية في آن واحد. بالمقابل تجد من تورط في قضايا قتل أو سرقه أو نهب للممتلكات أو تقطع، منهم من يظهر في ملامحه الندم وكأنه يقول: «ليتني لم أفعل»، ومنهم من لا يأبه لشيء، وتقرأ في عينيه: «يا ليتني أستطيع أن أفعل أكثر من هذا». عندها يقف العقل مدهوشاً وأنت تجد ميزان العلاقة مختلاً. منتصف الشهر الماضي استيقظت مدينة ذمار على أصوات وصيحات نزلاء السجن المركزي إثر أحداث دامية كان طرفها الآخر قوات الأمن ووحدات مكافحة الشغب. تواصلنا مع بعض نزلاء السجن ليرووا لنا تفاصيل الحادث التي تلخصت في أن أحد النزلاء السجن ويدعى حسين سامه قد حكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة أعوام، وعندما انتهت محكوميته رفضت إدارة السجن الإفراج عنه، بحجة أن ملف قضيته قد رفع إلى المحكمة العليا. رفض السجين الدخول إلى العنبر وظل في ساحة السجن، تضامن معه عدد من زملائه المساجين وظلوا جميعهم في ساحة السجن، ورفضوا الدخول إلى العنابر، في فجر ذلك اليوم باشرتهم قوات الأمن بالاعتداء عليهم بالضرب حتى ضرجتهم بالدماء وأجبرتهم على دخول العنابر. عندها تضامن معه نزلاء السجن وقاموا باعتصام في ساحة السجن للمطالبة بالإفراج عن زميلهم، في ذلك الوقت استدعي مجموعه من قوات مكافحة الشغب لفض الاعتصام واستخدمت قنابل الغاز المسيل للدموع والهراوات لتفريق السجناء، ما نتج عنه إصابة العشرات بالاختناق. حاول «المصدر أونلاين» في هذا التحقيق تقصي الحقائق وربط الخيوط المبعثرة. كانت البداية من مدير أمن المحافظة العميد عبدالكريم العديني الذي اعتذر عن الإدلاء بأي تفاصيل تكشف جوانب الغموض في الحادث، موضحاً أن التحقيقات لم تتم إلى الآن لكنه وعد بكشف نتائج التحقيقات حال استكمالها. ومثله جمال الشرعبي وكيل نيابة غرب ذمار الذي برر امتناعه عن التصريح بكونه لم يحصل على إذن من رئيس النيابة، واكتفينا بشهادات وروايات نزلاء السجن الذين واجهوا ما أسموه «عنفاً غير مسبوق»، وآراء بعض الحقوقيين والناشطين السياسيين. مطلع الأسبوع الماضي وتحديداً في 31/12/2011 قالت مصادر أمنية إن مجموعه من نزلاء السجن حاولوا الفرار، فيما أكدت مصادر مطلعة وبحسب شهادات سجناء قمنا بزيارتهم إن هناك 7 قتلى لقوا حتفهم برصاص قوات الأمن وأكثر من 15 جريحاً أصيبوا في الحادث. يقول علي سبيع، وهو أحد نزلاء السجن: في يوم السبت قام نزيلان من نزلاء السجن بالخروج من عنبر «التوبة» وتوجها إلى نوبة الحراسة التي يقيم فيها عدد من حراسة السجن، عندها ألقى الجنود عليهما القبض وأودعوهما العنبر، عندها فر اثنان من السجناء من نفس العنبر، لتضرب حراسة السجن طوقاً أمنياً على جميع مداخل السجن ومخارجه. يضيف سبيع إن الجنود قاموا بإطلاق النار على كل من يخرج من العنابر او يطل من النوافذ، في هذا الحادث قتل شخص وأصيب شخصان. عندها قام السجناء باحتجاجات داخل السجن وخلعوا الأبواب والشبابيك، وخرجوا إلى الساحة، عندها تدخلت قوة من مكافحة الإرهاب تم استقدامها من صنعاء لقمع الاحتجاجات، حسب شهادة سبيع، وباشرت القوة إطلاق النار على جميع السجناء بلا استثناء. استمر إطلاق النار على السجناء من بعد صلاة المغرب إلى صباح اليوم التالي، فقتل ما لا يقل عن سبعة أشخاص من نزلاء السجن وجرح 15 آخرون، واصل بعدها نزلاء السجن احتجاجاتهم واعتصامهم بعد مقتل زملائهم. يضيف سبيع: منعنا رجال الأمن من الطعام والشراب والزيارة لمدة ثلاثة أيام. وأوضح نزلاء السجن إن هذه الاحتجاجات جاءت بعد أن تراكمت عليهم أعمال القمع والتعسفات، للمطالبة بتحسين الأوضاع. عند زيارتي للسجن في اليوم التالي تفاجأت بحجم التعزيزات العسكرية التي أحاطت بمكان السجن من حرس جمهوري وقوات أمن ونجدة. بدوره قال الناشط الحقوقي سعد شمس الدين عضو مركز الحوار لتنمية حقوق الإنسان إن أوضاع السجناء في مزرية للغاية، وتتطلب معالجة سريعة من قبل كافة الجهات المعنية والمختصة بحقوق السجناء. وأكد شمس الدين أن السجناء يشكون من نقص الخدمات الصحية وتدني مستوى الوجبات الغذائية في اليوم، وكذا ازدحام العنابر واختلاط فئات السجناء وعدم الفصل بين الأحداث والكبار، بالإضافة إلى عدم وجود أخصائي للأمراض النفسية لمعالجة سلوك السجناء ومراقبة حالاتهم. وعن الأحداث التي شهدها السجن مؤخراً قال شمس الدين إنها نتيجة تجاوز فترات الحجز لبعض السجناء بعد صدور أحكام الإطلاق حسب شهادات السجناء التي وصلتنا، وما حدث الأسبوع المنصرم يأتي نتيجة الاستمرار في الإهمال وعدم الاهتمام بالسجناء وخاصة من قبل النيابة العامة التي حملها مسؤولية عدم إنجاز القضايا والفصل فيها، وهذا يترتب عليه أن تصبح الأسر بلا عائل، ويؤدي إلى تسرب الأطفال من المدارس وعدم إكمال التعليم للبحث عن عمل تقتات منه الأسرة، وهذا يعني زيادة الأمية في أوساط الأطفال وزيادة نسبة عماله الأطفال. وعن سؤالنا له هل يجيز قانون مكافحة الشغب قتل الناس أجاب شمس الدين أن مكافحة الشغب لا تعطي صلاحيات للقتل مهما كان نوع الشغب الحاصل في أي مكان. من جهته استهجن الأمين العام لمنظمة حياد للحقوق والحريات إبراهيم محمد المنحي ما حدث في السجون بمختلف محافظات الجمهورية من عمليات تسهيل هروب المساجين، ودان استخدام العنف المفرط واستخدام السلاح بقصد القتل من قبل جنود وحراس السجن المركزي بذمار وطالب بسرعة فتح تحقيق في ذلك ومعاقبه من يثبت تورطهم في ذلك. من جهته اعتبر الناشط عبدالله المنيفي ما جرى داخل السجن المركزي أمراً مؤسفاً جداً، كونه أولاً أدى إلى سقوط ضحايا قتلى وجرحى، داخل مرفق من مرافق الأمن، وثانياً أن ما حدث ما يزال يثير جدلاً حول أسبابه، فالجهات الأمنية تتهم سجناء بمحاولة الفرار، بينما السجناء ينفون ذلك ويقولون انهم تضامنوا مع زميلهم الذي قضى فترة سجنه دون ان يفرج عنه. ويضيف: كان يمكن للجهات الأمنية، وقبلها إدارة السجن احتواء الموقف دون اللجوء للعنف المفرط، الذي طال سجناء أبرياء، حتى وإن طال عدداً ممن أثاروا الشغب. وقال المنيفي: إن ما يجعلنا نحمل الجهات الأمنية المسؤولية، وضمنها النيابة، أن هذه الأحداث قد سبقها أحداث عنف قبل اسبوعين، وإن كانت أقل، سقط فيها جرحى، وكان يمكن احتواء القضية، وحل أسبابها. وأبدى مخاوفه من سيناريوهات محتملة يثيرها عدد من المراقبين، منها أن ما يحدث عمل منظم هدف إلى إطلاق سجناء من ذوي السوابق لإحداث فوضى في المدينة، ضمن مخطط أتباع صالح. وأسف المنيفي لغياب دور المنظمات الحقوقية في الوقوف على مثل هذه القضايا، وإبرازها للرأي العام، سيما أن اللجنة التي كان شكلها البرلمان بداية الشهر الماضي لم تقم بأي دور يوقف تطور أعمال العنف، حتى وصلت إلى هذا الحد. وختم بالقول: ما تبين لي أن السجناء واجهوا عنفاً غير مسبوق، دون تمييز بين مسيء وبريء، حتى أن احد القتلى قضى وهو على فراشه يستعد للنوم.