لا حكومة الوفاق، ولا المشترك، ولا المؤتمر، (ولا زعطان ولا فلتان، عاملين اعتبار لما يجري في رداع) الأمر يخص القبائل وحدهم، وحدهم من يصرخون، ويصرحون، ويفاوضون، ويهددون وينددون، وووو....الجهات الرسمية لم تفعل شيئاً، أو على الأقل لم يخرج أحد ليقول للناس بشفافية تامة ما الذي يحصل، وما موقفهم، ماذا يفعلون بهذا الشأن، وكأنهم (مش مصدقين ومنتظرين القاعدة ومسلحو الذهب يطلعوا يقولوا لهم كنا نمزح معكم ما فيش حاجة......كلما في الأمر تفضلوا "أبين أخرى"....) والمحللون والصحفيون ووسائل الإعلام أيضاً لا يكاد يشغل بالهم شاغل سوى التساؤل هل هي القاعدة فعلاً؟؟ أم أن الأمر تم باتفاق مع (عمنا علي)؟؟ وهي لعمر أمي نفس التساؤلات التي قيلت بشأن أبين، وفي الأخير، أبين: خراب يقف على رأس الخراب، وها هي رداع تتجه نحو هذا وربما أشد وأدهى.... رداع هي في الواقع أشبه بقرية كبيرة_ أدعي أن تسميتها مدينةً إنما هو على سبيل المجاز- تتميز بأنها موبوءة ثقافياً واجتماعياً، ومصابة بشتى أنواع العقد الاجتماعية التي يمكن أن تؤهلها لتكون مكاناً خصباً لحرب لا تنتهي، وسيطرة القاعدة عليها وما يمكن أن يترتب على ذلك سيجعل مما جرى بأبين لطيفاً جداً مقارنة بما سيحصل فيها، فيما لو استمر هذا التجاهل المقيت... إنها مدينة لا تعرف السلام في أيام السلام، أنا أعرفها جيداً، فإلى أكثر من عشر سنوات (تشمل دراستي للبكالوريوس ثم عملي معيداً في كلية التربية رداع) تعود علاقتي بهذه المدينة _وإن كنت لا أبيت فيها مهما كان- وأنا أعرفها إنها لا تنام بدون قتيل، ولا تصحو بدون أصوات الرصاص، فما بالكم حين تقوم الثورة، وينفلت الأمن في كل مكان...ثم ما بالكم حين تسيطر القاعدة عليها؟؟!! أستطيع أن أتذكر الحروب التي كنا نطل عليها أنا وطلابي من نافذة قاعة المحاضرة، على مسافة أقل من كيلو متر، كما أتذكر صوت الرصاص وهو يخدش أجواء المحاضرة ويقلق سكينة (جاك دريدا) ضيفنا الغريب حينها،....قبل أن أستعيد المحاضرة التي سقطت في أيدي القبائل الشرسة رامياً بنكتة للطلاب (نتمترس وندرس)... ما زلت أتذكر تلك الحروب التي كنا نصادفها ونحن مارون من المدينة أثناء عودتنا من الكلية متجهين ذمار، أو تلك المشاهد الدامية التي نرى فيها القتلى وهم محمولون على (صناديق) السيارات بعد حرب شرسة حدثت في السوق (في رداع تحدث الحروب في الأسواق)، أو نصادف سيارة او أكثر عليها مسلحون، يطلقون النار في الهواء، فتفتح أمامهم الطريق، لأن تلك هي علامة على أن هناك (إسعاف مصابين، أو ضحايا حرب وقعت هنا أو هناك)، وهي إشارة صرت أفهمها فيما بعد...وإن متأخراً... ما تذكرته سابقاً بعض مما حصل خلال الأشهر الأخيرة من 2011م_ حين كان وزير الداخلية (مطهر رشاد المصري) الذي لا تبعد قريته وقصره المشيد ب(قاع فيد) عن رداع بأكثر من عشرة كيلو مترات، لكنها كانت تبعد عن اهتماماته ملايين السنوات الضوئية، والأمر لا يختلف كثيراً بالنسبة للوزير الجديد، خصوصاً إن المصدر المسئول بالوزارة سيمر على الأحداث الأساسية فيما يتعلق بسقوطها في يد القاعدة كمن يمر على الشوك، كي يقف عند هذه الحقيقة التي سيدحض بها كل باطل (لا يوجد بين السجناء الذين فروا أي عنصر من عناصر تنظيم القاعدة كما روجت له بعض وسائل الإعلام)...كان ينقصه فقط أن يضيف(المغرضة).. أنا مرتعب جداً مما يمكن أن يحدث في رداع، ولكي تعرفوا حجم الرعب الذي يتملكني يكفي أن تعرفوا أنه وفي رداع فقط، سيحارب الناس من أجل (الفيد) الذي لن يكون أكثر من الرصاص الذي يمكن أن يحصلوا عليه من الطرف الذي سيقاتلون معه، وسيحاربون سمعاً وطاعةً لأمر (الشيخ) وسيحاربون لأن الأمر سيتداخل على الجميع، ولن يكون هناك معنى واضح للحرب، ستتداخل العوامل القبلية مع الدينية مع الحزبية، (أضف إلى ذلك العسكرية) فتسري الحرب على الجميع بلا استثناء، ولن تنتهي مثل أبين، بل ستمتد إلى ما لانهائية، بعد أن تختلط كل الأوراق.... ما يثير الرعب أكثر هو أن ما يحصل الآن برداع صارت له أبعاده القبلية (قبيلة مع القاعدة، وأخرى ضدها)، فعلى سبيل المثال –وحسب ما وصلني- فإن قبيلة مثل(قيفة) أكبر قبائل رداع، وأكثرها شراسة وبداوةً، منقسمة على نفسها، وفخذاها الكبيران(ولد ربيع، ولد يزيد) أحدهما مع القاعدة والآخر ضدها، عوضاً عن بعض القبائل الآن تتوعد باستعادة رداع بالقوة، وأخرى تعلن ولاءها للقاعدة، وهذا ينذر بحروب طويلة الأمد سترثها رداع المنهكة بإرثها القبلي والقيمي البائس، ومشاكلها وحروبها المزمنة، ويكفي أن نعرف أن بعض قضايا الثأر في رداع مستمرة على مدى أكثر من(3_5) عقود، وقد تصل حصيلة بعضها إلى ما يتجاوز المائة، وهو رقم كبير جداً بالنسبة لقضايا قبلية عشائرية طبعاً، ناهيك عن الضحايا الذين يسقطون من أطراف محايدة... في رداع ستكون هناك مجاعة لا أبشع منها فيما لو استشرى القتل، فالقات يحتل أكثر من 90 في المائة من مساحتها الزراعية، وهذا يعني أن الناس لن يجدوا ما يأكلون، كما أن كثيراً من الناس الذين يعملون بها سيفقدون أعمالهم (خصوصاً أنها منطقة حيوية تستقطب عمالة كبيرة جداً من محافظات مثل إبوذمار وتعز) عوضاً عن أن أكثر من60 ألف نسمة تقطن المدينة نفسها، وتحيط بها 7 مديريات هي أكثر مديريات محافظة البيضاء من حيث الكثافة السكانية، والحيوية الاقتصادية، وفيها تتغلب القيم القبلية على المدنية، ولذلك فليس من السهل أن تسقط رداع في قبضة القاعدة، أو تستمر في قبضتها، لكنها من السهل جداً أن تسقط في قبضة الحرب، وتظل في قبضة البندقية، ففي رداع يحدث أن تستخدم أعنف الأسلحة في حرب بين قبيلتين هامشيتين، فما بالكم حين تكون هناك القاعدة، وتتحول المدينة إلى ساحة حرب مفتوحة متعددة الأطراف والأبعاد، حينئذٍ: ابتسم أنت في رداع، ابتسم أنت في كوكب الرعب.