(1) قد يعود الرئيس علي عبدالله صالح فعلاً من رحلته العلاجية في 21 فبراير لتنصيب نائبه هادي رئيساً للبلاد، فالرجل يحب الاستعراض ويتظاهر بأنه زعيم ديمقراطي ولا يريد أن يظهر مهزوماً على الإطلاق، لكنه لن يغامر بالبقاء في اليمن لرئاسة حزبه كما يقول، وما خطابه الأخير إلا نوع من الزنقلة السياسية التي دأب عليها "يموت الزمار وأنامله ترقص".
يدرك صالح جيداً أن محاكمته من سابع المستحيلات لسبب بسيط وهو أن أعراف وتقاليد وطبيعة أغلب اليمنيين لن تتقبل رؤية رئيس سابق خلف القضبان مهما كانت جرائمه طالما قد خرج من السلطة، وكم يا ثوار يمنيين يتعاطفون اليوم مع الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك ويعيبون على ثوار مصر اقتياده إلى المحكمة بتلك الصورة المهينة رغم إيمانهم الكامل بفرعونيته وعظمة الثورة ضده، لكن صالح أصر على قانون الحصانة بمساوئه خوفاً من غدر الزمان وتقلب الأوضاع وكسلاح احتياطي لمواجهة قضايا تتعلق بالحق العام مستقبلاً، وهو يدرك تماماً أن أعداء كثر ينتظرون بفارغ الصبر اللحظة التي سيغادر فيها دار الرئاسة نهائياً ليأخذوا بثأرهم، وما أدراك ما الثأر، وصالح من أحرص الناس على حياته ولهذا يستحال إقامته في البلاد مهما أقسم سلطان البركاني..
ثمة شيوخ قبائل بل وأقرباء ومقربين عملوا مع صالح خلال ثلاثة عقود من حكمه وآخرون هو أعلم بهم يكتمون ثأرهم معه بانتظار ساعة الصفر ولا يعنيهم أو سيقف في طريقهم قانون اسمه الحصانة، فهذا قتل ابنه بدم بارد، وهذا اغتال أباه في جنح الظلام، وثالث صفعه أمام الملأ، ومسوؤل أهانه ومسح به البلاط، والقاعدة تريد تسلم عليه سلام الوداع، وشيخ خرب بيته وغيرهم آثروا الصمت وتحملوا كل شيء خوفاً من بطشه وردة فعله وطمعاً في مناصبه، وكلهم يتحينون الفرصة المناسبة لتصفية حسابهم معه بطريقتهم الخاصة، وأفضل فرصة لهم هي الآن حيث لا حراسة مشددة ولا سلطة وهيلمان وجاه، والأولى في هذه الحالة أن يبقى صالح خارج الوطن لفترة طويلة حفاظاً على روحه وهروباً من صداع المطالبين بالمحاكمة والتفرغ لكتابة مذكراته بصدق (ما عهدنا عليه صدقاً قط)، ونصيحة للمتحاملين على قانون الحصانة أن يتوقفوا قليلاً عن المزايدة الفارغة.
(2) الحكمة تقتضي من نائب رئيس الجمهورية الحالي والرئيس القادم المشير عبدربه منصور هادي الاستفادة من أخطاء صالح وعدم تكرارها تفاديا للوقوع في نفس المصير، والعياذ بالله..
يستطيع هادي أن يكتب لنفسه تاريخياً مشرفاً وزيادة (دورتين انتخابيتين) خلال العامين المقبلين إذا استوعب التغيير الذي حل بالبلد، فالمواطن خرج إلى الساحات يطالب بالتغيير ولن يهدأ الشارع إلا عندما يلمس تغييراً حقيقياً قد حدث، وأول التغيير هو إزاحة رجالات صالح من المشهد السياسي والمناصب الحساسة لأنهم كانوا أهم سبب في اندلاع ثورة الشعب وبقاؤهم يعني تعقيد الوضع فضلاً عن أن استمرارهم للعمل مع هادي تعني إيصاله إلى الحفرة التي سقط فيها صالح..
مطلوب من هادي الشروع في اتخاذ بطانة مشهود لها بالنزاهة والإخلاص وتعيين مستشارين أسوياء يخففوا عنه بعضاً من المصاعب ولا يكونوا عبئاً ثقيلاً عليه كما هو حال عدد من المستشارين الذين يعرفهم تماماً.. ويجب أن يعلم المشير أن مما أهلك سلفه هو الكذب والغرور والكبر والاستخفاف بالآخرين، وإقصاء الخصوم السياسيين وحماية النافذين والفاسدين وتوريث المناصب العامة وتفريخ الأحزاب والصحف وإفراغ مؤسسات الدولة وهلم جرا مما لا شك أن هادي يدركها، وعليه أن يبدأ بعملية إصلاح شامل والبداية من حل جيش المرتزقة المكون من مشائخ وسياسيين وصحفيين لرئاسة الجمهورية بدون وجه حق، وعلى حساب أقوات اليتامى والأرامل!!
(3) لا تركن أحزاب المشترك إلى قاعدتها العريضة وتظن أن الشعب سيسلمها السلطة على طبق من ذهب في أي انتخابات قادمة، فأصوات كثير من الناخبين اليمنيين بين أصبعين من أصابع الريال يقلبها كيف يشاء، يصبح الشيخ عضواً في اللجنة السعودية الخاصة ويمسي عميلاً لإيران يبيع قيمه ومبادئه بعرض من الدنيا قليل!!
أمام المشترك فرصة سانحة قد لا تعود إلى يوم القيامة، وعليه استغلال العامين المقبلين في وضع أسس الدولة اليمنية الحديثة وإخراج دستور قوي ونظام انتخابي عادل ولجنة انتخابات محايدة وقضاء مستقل وإعلام حر وخزينة عامة شفافة، فلا مجال للمساومة وأنصاف الحلول بعد اليوم، وعلى المشترك أن يتلافى أخطاءه السابقة التي دفع أنصاره ثمنها باهضاً ويكفي الإشارة إلى قانون تنظيم المظاهرات والمسيرات الذي أقرته أغلبية المؤتمر البرلمانية واكتفت المعارضة بالشجب والإدانة ولو أنها علقت مشاركتها حينها في مجلس النواب لما تم تمريره، وكان القانون ذريعة العائلة الحاكمة في ارتكاب المجازر وسفك دماء المتظاهرين السلميين طوال شهور الثورة..
صحيح أن المشترك الآن في وضع قوة وحزب المؤتمر يعيش لحظة انهيار لكن قد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ويستعيد المؤتمر السلطة مستغلاً ثغرات لم تسدها المعارضة خلال الفترة الانتقالية، وحينها سيندم المشترك حيث لا ندم وسيرتكب جريمة في حق الوطن والأجيال القادمة وهو ما يتحتم عليه الابتعاد عن الارتجالية والعمل على تحصين البلد من انفراد أي طرف سياسي قادم كان يعيد الأمور إلى مربع الصفر وكأن الثورة ما قامت، فما سنزرعه اليوم من قوانين سنجنيه غداً سلباً أو إيجابياً، وليحذر حزب الإصلاح تحديداً من أن يلدغ من جحر مرتين فلا يقايض مواد دستورية تتعلق بتمديد أو توريث منصب رئيس الجمهورية مقابل عدم إقرار تحديد سن الزواج على سبيل المثال، والمؤمن كيس فطن.