المقاتلتان هتان السيف وهايدي أحمد وجهاً لوجه في نزال تاريخي بدوري المحترفين    دنماركي يحتفل بذكرى لعبه مباراتين في يوم واحد    وداعاً للتسوس.. علماء يكتشفون طريقة لإعادة نمو مينا الأسنان    عدن.. انقطاعات الكهرباء تتجاوز 15 ساعة وصهاريج الوقود محتجزة في أبين    الأرصاد يتوقع أجواء باردة إلى شديدة البرودة على 5 محافظات ومرتفعات 4 محافظات أخرى    شبوة:فعالية تأبينية مهيبة للإعلامي والإذاعي وكروان التعليق الرياضي فائز محروق    حضرموت.. مسلحو الهضبة يهاجمون قوات النخبة والمنطقة الثانية تصدر بيان    جراح مصري يدهش العالم بأول عملية من نوعها في تاريخ الطب الحديث    الذهب يهبط من أعلى مستوياته في 3 أسابيع    استئناف الدوري اليمني.. قرارات حاسمة من اتحاد الكرة ترسم ملامح المرحلة المقبلة    ريال مدريد يختصر اسم "البرنابيو" ويحوله إلى ملعب متعدد الأغراض    مناقشة آليات توفير مادة الغاز المنزلي لمحافظة البيضاء    لجنة من وزارة الدفاع تزور جرحى الجيش المعتصمين بمأرب وتعد بمعالجات عاجلة    وزير الصحة: اليمن يواجه أزمات مركبة ومتداخلة والكوارث المناخية تهدد الصحة العامة فيه    واشنطن تفرض عقوبات على 32 فردا وكيانا على علاقة بتهديد الملاحة الدولية    واشنطن تكشف عن التنازلات التي قدمها الشرع في البيت الأبيض    العراق ضد الإمارات بالملحق الآسيوي.. هل يتكرر سيناريو حدث قبل 40 عاما؟    انهيار مشروع نيوم.. حلم محمد بن سلمان اصطدم بصلابة الواقع    اول موقف من صنعاء على اعتقال الامارات للحسني في نيودلهي    حل الدولتين في فلسطين والجنوب الغربي    لماذا قتلوا فيصل وسجنوا الرئيس قحطان؟    قضية الجنوب: هل آن الأوان للعودة إلى الشارع!    عدن تعيش الظلام والعطش.. ساعتان كهرباء كل 12 ساعة ومياه كل ثلاثة أيام    خديعة العروبة والوحدة.. حين تكرر التاريخ على أرض الجنوب    جروندبرغ يقدم احاطة جديدة لمجلس الأمن حول اليمن 5 عصرا    الكشف عن 132 جريمة مجهولة في صنعاء    تدشين منافسات بطولة الشركات لألعاب كرة الطاولة والبلياردو والبولينغ والبادل    إعلان نتائج الانتخابات العراقية والسوداني يؤكد تصدر ائتلافه    الإعلان عن القائمة النهائية لمنتخب الناشئين استعدادا للتصفيات الآسيوية    ندوة تؤكد على دور علماء اليمن في تحصين المجتمع من التجريف الطائفي الحوثي    الأمم المتحدة: اليمن من بين ست دول مهددة بتفاقم انعدام الأمن الغذائي    شبوة تودّع صوتها الرياضي.. فعالية تأبينية للفقيد فائز عوض المحروق    مناقشة جوانب ترميم وتأهيل قلعة القاهرة وحصن نعمان بحجة    افتتاح مركز الصادرات الزراعية بمديرية تريم بتمويل من الاتحاد الأوروبي    قراءة تحليلية لنص "اسحقوا مخاوفكم" ل"أحمد سيف حاشد"    القرود تتوحش في البيضاء وتفترس أكثر من مائة رأس من الأغنام    من المرشح لخلافة محمد صلاح في ليفربول؟    مفتاح: مسيرة التغيير التي يتطلع اليها شعبنا ماضية للامام    عالميا..ارتفاع أسعار الذهب مدعوما بتراجع الدولار    حضرموت.. تُسرق في وضح النهار باسم "اليمن"!    احتجاج على تهميش الثقافة: كيف تُقوِّض "أيديولوجيا النجاة العاجلة" بناء المجتمعات المرنة في الوطن العربي    وزير الإعلام الإرياني متهم بتهريب مخطوطات عبرية نادرة    عسل شبوة يغزو معارض الصين التجارية في شنغهاي    تمرد إخواني في مأرب يضع مجلس القيادة أمام امتحان مصيري    الواقع الثقافي اليمني في ظل حالة "اللاسلم واللاحرب"    "فيديو" جسم مجهول قبالة سواحل اليمن يتحدى صاروخ أمريكي ويحدث صدمة في الكونغرس    قرار جديد في تعز لضبط رسوم المدارس الأهلية وإعفاء أبناء الشهداء والجرحى من الدفع    ارشادات صحية حول اسباب جلطات الشتاء؟    انتقالي الطلح يقدم كمية من الكتب المدرسية لإدارة مكتب التربية والتعليم بالمديرية    مواطنون يعثرون على جثة مواطن قتيلا في إب بظروف غامضة    اليونيسيف: إسرائيل تمنع وصول اللقاحات وحليب الأطفال الى غزة    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    عدن في قلب وذكريات الملكة إليزابيث الثانية: زيارة خلدتها الذاكرة البريطانية والعربية    5 عناصر تعزّز المناعة في الشتاء!    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جُرِح اثنان، رجل وقطة!
نشر في المصدر يوم 09 - 02 - 2012


(1)
وتستمر اللامعيارية وفوضى المواقف: يرفضون انتخاب منصور للرئاسة لأنه فرع عن المبادرة الخليجية، وهم يرفضونها إجمالاً. يلعنون روسيا والصين. يصوتون في موقع قناة الجزيرة: روسيا عدوة للشعب السوري.
كانوا يتوقعون أن تصوت روسيا والصين في مجلس الأمن لصالح قرار يدعم المبادرة العربية، على منوال المبادرة الخليجية «النموذج اليمني». وهي مبادرة أقل بكثير من طموحات الثورة السورية وتضحياتها، كما ينظر شباب الثورة في اليمن إلى المبادرة الخليجية. لكن الثورة السورية أحوج ما تكون إليها الآن لتكون قد قطعت الشوط الأصعب من «إصحاحها الكبير» على أمل أن تنجح بقية مراحلها بأقل قدر من العنف والضجيج وفي سنين طويلة. والثورة هي بالضبط عمل على الزمن، وليست كلاسيكو أو دربي ينتهي بخروج المهزوم، مع الاحتفاظ بحق الانتقام في ماتش إياب!
سيقال: نحن نرفض المبادرة الخليجية، فنحن غير الشعب السوري. وقد كان صالح يقول إنه غير النظام السوري. وعندما تنفجر الحرب المسلحة بين طرفين اثنين، الثورة والنظام، ستتخلق الحقيقة التالية: بعد إطلاق أول رصاصة يبلور الطرفان، بسرعة البرق، تفسيرات وتبريرات شرعية، شخصية وجماعية، تؤيد مواقفهما وما سيقدمان عليه. وهذا ما يجعل الحرب دائماً شرسة وكما لو كانت أبدية. وبعد سقوط أول قطرة دم، بعد إعلان الحرب، تجر النقطة إلى أخرى .. إلى أن يسقط الجميع في الشلال. ليس صحيحاً أن الحرب تنتهي على ثنائية: الخاسر والرابح. بل: الخاسر والأكثر خسارة.
استخدمت صحيفة وول ستريت جورنال، مؤخراً، جملة «صالح يريد أن يسقط اليمن». وهو تعبير دقيق بالفعل، سبق أن أشارت إليه الإندبندت البريطانية: لم يعد بمقدور صالح أن يحكم اليمن لكنه قادر على إثارة الفوضى فيه. أي: إسقاط اليمن ردّاً على إسقاط النظام.
أسقطت الثورة نظام صالح. لكنها أصبحت معتلة من الداخل، مأزومة، كأي عملية كبرى يصيبها الانهاك والتعب وتعتريها التناقضات مع الزمن. بما يعني أن بقاءها في منطقة الثورة وحولها أجهزة الدولة مشلولة تماما سيجعل الثورة «الشجرة الملعونة في القرآن» ذلك عندما تتأخر الثورة في اقتراح وسائل إجرائية لتحسين حياة الناس بصورة عاجلة. فالناس لا تهتم كثيراً للتنظير البيزنطي حول الصحيح سياسياً والمستحيل أخلاقياً.. إلخ. ولا يوجد شعب كامل مستعداً للمقامرة إلى الأبد ويوم.
يمكنني تصور أن أكثر ما يتهدد الثورة الآن هو أن لا تنجح الانتخابات الرئاسية بواحدة من وسيلتين:
- أن لا يكون الإقبال حاشداً، وبأغلبية مريحة تقضي على فكرة «الشرعية الشعبية والجماهيرية» لصالح وإلى الأبد. فنظامه ينظر إلى الانتخابات بحسبانها استفتاء على رحيل صالح وليس اختياراً لمنصور.
- أن يفجر الفلول مصاعب ضخمة تجعل الانتخابات إما نشاطاً مستحيلاً، أو إن نتائجها غير شاملة.
صالح يعمل على إنجاح الفكرة الثانية. آخرون، من داخل الثورة، يعملون على إنجاح الأمر الأول. يقول بعض المتحمسين من شباب الثورة: لا يهمني موقف صالح، يهمني موقفي الثوري الصحيح.
حسناً، لكنكَ في الأساس خرجت ضد صالح. أي أنك معني بمراقبته وقراءة تطلعاته وتبديد ما تبقى من أحلامه، ما لم تكن قد تقاعدت مبكراً عن الثورة وتحوّلت إلى «سياسي مقنّع» يعمل ضد «السياسي الواضح».
في المحصلة يلتقيان النقيضان في سفح رامةٍ، حيث يمكن معاينة بنان العامرية الحمراء.. «هي فوضى»، إذ لا يوجد توصيف آخر لمثل هذا التلاقي سوى أنه فوضى.
وفي الغالب سيتجه غالبية اليمنيين لكي يطردوا صالح وليس لاختيار منصور. كما أن العملية برمتها ليست دعوة للديموقراطية، بل لعملية وطنية فوق ديموقراطية. إنه أشبه بتفكيك عبوة ناسفة في سوق شعبية.
لكن: هل كان من الممكن أن يحدث للثورة اليمنية ما حدث للثورة في سوريا؟
لعله من المناسب أن ننشط الذاكرة مبكراً: ما حدث في جمعة الكرامة. على الأقل انتظر الأسد حتى يفرغ السوريون من الصلاة، أما صالح فلم ينتظر. وإذا كانت الخالدية دكّت بالهاون فإن أرحب قصفت بالطيران، ونهم بالكاتيوشا، وتعز حلقت فوقها ميغ 29. وإذا كان الأسد قد قال لوفد عربي قبل أسابيع: حانت ساعة الحسم، فإن صالح قال لمعاونيه: سأسيطر على تعز بطقم عسكري واحد.
قرر صالح أن يستمر في الحرب «من طاقة إلى طاقة» وكان مستعداً لهذه الحرب، ومعه طابور من القتلة وبنادق للإيجار ليس لجنونها وعتهها حدود. حشد صالح شبيحته وترسانته. جهز اخرائط، وزع الأسلحة، استورد الصفقات وتوضأ بالدم. كان كل شيءٍ موضوعاً على الطاولة. وانتظر المنفذون صفارة صالح. صالح الذي افتتح الثورة بعشرات القتلى في عدن، ثم انتقل إلى صنعاء. أما صواريخ سكود فقد نقلها المسخ إلى ذمار ريثما يتمكن من إطلاقها على شارع الزبيري، بتوفير المدى الهندسي المناسب للمقذوفة.
ويحَكم، أتظنون أن صالحَ مرسلٌ من ربّه؟ إنا بالذي آمنتم به كافرون ..
توقف صالح عن مبادرة خططه لمرتين:
مرة عندما أعلن المواطن اليمني علي محسن الأحمر تأييده للثورة، وسحب معه طابوراً طويلاً من القادة العسكريين الشجعان. هنا بدأ المجتمع الدولي في إعادة تقييم مواقفه. فخطورة حرب عسكرية داخلية، على هامش الثورة، أصبحت أمراً لا يجوز تجاهله.
ومرة عندما تأكد العالم أن صالح قد انتهى، قبل أن يتأكد هو من هذه الحقيقة.
هناك من يتعامل مع نظام صالح كأنه «أهلي صنعاء» وينظر للثورة كأنها «صقر تعز» ويصر على مباراة فاصلة مرة أخرى لتتويج الثورة بالنصر. ونحن نهمس فيهم: لم يعد لها من حاجة، لقد فزنا بفارق النقاط، وكل ما يفعله صالح الآن هو إجراءات شكلانية فقط لتحسين مظهر هزيمته. دعوه يبتكر طريقا للهرب ويعتقد أنه خرج رافعاً رأسه. لا أرى مشكلة في ذلك، إذا ما أخذنا في اعتبارنا طبيعة التكوين النفسي العربي. لو كان صالح أوروبياً لما ثرنا عليه من الأساس. لكن الأوربيين يقولون: لا توجد طريقة مشرّفة للهرب. وكان مانديلا يقول: ولا توجد طريقٌ ناعمة للحرية.
فيما يخص موضوع الحصانة، فهذا موضوع مركّب، سنتفق عليه ونختلف حوله. لكن من غير المعقول أن أمنع خروج صالح من السلطة لأني لا أريد أن منحه الحصانة. مثل المهاجم التعيس الذي حرم فريقه النصر في آخر دقيقتين. لقد انفرد بحارس المرمى ورفض تسديد الكرة في الشباك. وعندما احتج عليه رفاقه والألتراس المشجع لناديه: لماذا لم تقضِ على الفريق الخصم عندما أتيحت لك الفرصة؟ قال بثقة: لأنهم لعبوا طوال المباراة بطريقة خشنة منذ البداية وتسببوا في إصابة زميلي المهاجم في وقت مبكر. لقد كان الحكم متحيّزاً لهم وأردتُ أن أحرم الحكم من متعة إطلاق «صافرة الهدف» حتى لو كان لصالحنا.
يرفض الحوثيون المبادرة الخليجية كجزء من رفضهم مبادرة عربية ضد سوريا. هذا الموقف، من قبلهم، يأتي متساوقاً مع الموقف الإيراني الخارجي والموقف الطائفي إجمالاً. يريدون إفشال نموذج المبادرة العربية في اليمن لتخفيف الضغط على النظام السوري، الذي قتل عشرات الآف، وأنهى حياة عشرات الآلاف الأسر. موقف الحوثيين يمكن فهمه. فهم يدينون في الغالب للطائفة وليس للدولة. ويمكن فهم موقفهم هذا ضمن موضوع غياب الدولة الديموقراطية العربية إجمالاً، وحضور الدولة الطائفية التي تعاملت معهم لفترات طويلة من الزمن – أعني مع الشيعة بشكل عام- كمواطنين على الحافة. لكن هذه الحقيقة لا تعطيهم الحق في مساندة القتلة إلا إذا كانوا غير راغبين في إنهاء زمن الحرب الطائفية الباردة والدخول في الدولة الديموقراطية الحديثة، دولة العدالة والكفاءة والجدارة.
(2)
«عندما ينظر كبار قادتنا العسكريين إلى الأعلى فإنهم يبصرونني وبجواري رئيس الوزراء. أما عندما أنظر أنا ونتينياهو إلى الأعلى فلا نرى أحداً، سوى السماء». هكذا تحدث أيهود باراك قبل أيام. أضاف: إن بلدتنا صغيرة، ويستطيع النظام الإيراني أن يزيلها من الوجود في حال امتلاكه للسلاح النووي. وهذا ما لن نسمح بحدوثه.
وزير الدفاع الأميركي علق للواشنطن بوست: يبدو أن إسرائيل مصممة على نسف مفاعلات إيران النووية في أبريل أو أو مايو، أو حتى يونيو.
الصحف الغربية تبدي تخوفها من تعرض «الميتروبول الاقتصادي» لكارثة. وتعني به: دبي، أبوظبي، الدوحة. إسقاط النظام الإيراني مطلب «جماهيري» عربي. فشل الشعب الإيراني، الذي تظاهر بالملايين، في تغييره وتعرض لحالة من القمع والإرهاب المذهلة وسقطت ثورته. الإمام الفقيه هو صورة مقلوبة من بن علي وبن مبارك وبن عفاش. يقوم على نفس الأسس السياسية والأمنية والتكوين النفسي. لكن حرباً كونية لإسقاطه لا يمكن أن يتنبأ بعواقبها أحد.
أميركا، في تصوري، سحبت قواتها من العراق لكي تعيد نشرها في كل المنطقة، هرباً من مفاجآات إيران في العراق في حال اشتعال الحرب. فرنسان وإنغلترا تحشدان لمواجهة إيران، بجوار أميركا وإسرائيل. النظام الإيراني ليس لديه معلومات كافية عن المدى المفزع للتكنلوجيا العسكرية الذي ترغب أميركا وإنغلترا في تجريبه.
شخصياً، أتمنى أن يختفي النظام الإيراني من على ظهر الأرض بأقل التكاليف. فعندما انفجرت الانتفاضة الفلسطينية الأولى في 87م اصدر شارون قراراً للجيش الإسرائيلي بكسر ذراع أي فلسطيني يهاجم الجيش الإسرائيلي. أما بشار الأسد، وبتفكير وسلاح وزيت ومدد بشري إيراني، فقد كان قراره: قطع عنق أي طالب جامعة «يهتف» ضد النظام بالسكين، أو فصله من المنتصف بوسائل الجزارة ومناشير ذبح البهائم.
لذلك ستسقط إيران تحت لعنة خصمها التاريخي عمر بن الخطاب «أما بعد: فاحذر المعصية حذرك من العدو. فإننا ما انتصرنا عليهم إلا بطاعتنا لله ومعصيتهم له. فإن تساوينا نحن وإياهم في المعصية غلبونا بالعدة والعتاد».
(3)
النظام السوري يستخدم الجيش بنفس طريقة الطليان في ليبيا، والفرنسيين في الجزائر. أما الشعب السوري فيخوض ثورته على طريقة عمر المختار وهواري بو مدين. في المحصلة النهائية: تنهار جيوش الغزاة، المحليين والكولينياليين، ويبقى التاريخ وتستمر الأمم.
حتى جنكيز خان سقط من على فرسه وانكسر عنقه ومات. ونادر قيلي، الفارسي الذي غزا حتى أقاصي جبال الشرق، مات قتيلاً وتائهاً. هذه ليست حتمية تاريخية وحسب. هي أيضاً تدابير إلهية. لا يمكننا أن نقترح للسوريين ما الذي ينبغي عليهم فعله. فهم، ربما، لديهم رؤية أكثر وضوحاً للوقائع. نستطيع، نحن البشر الجبناء، أن نغلق سفارات سوريا في بلداننا، ونعتقل ممثلي نظام الأسد. هذا ليس قتلاً للرسل، وليس عملا بلا أخلاق. إنه تأكيد على احترامنا للعرف الدبلوماسي، وقيمه الأخلاقية، الذي يرفض منح القتلة، وأجهزتهم، مأوى.
يوماً قريباً ستنتصر سوريا، وستسعيد نبوءات كاتبها السوري الراحل «عبد السلام العجيلي» في سرديته الحزينة: (باسمة بين الدموع).
(4)
قبل أيام في صحيفة «دوسلدورف إكسبرس» صورة لمنزل يحترق. فوقها بالفونت الكبير:
جرح اثنان في الحريق: رجل وقطة.
يقول الإسلام أن امرأة مؤمنة دخلت النار بقطة. وأن بغياً دخلت الجنة بكلب. لكن كثيراً من المؤمنين يعتقدون أن الله سيفتح لهم أبواب الجنة لأنهم أزهقوا الدم البشري. فعندما يخرج المؤمنون إلى الشوارع وهم يتوعدون المخطئين بالعذاب المقيم، يحدثُ أن يصاب أولئك المساكين بالفزع. وفي النص «من أفزع آمناً كان حقاً على الله أن يفزعه يوم الفزع الأكبر».
لم يجد العرب الوقت الكافي لفهم الإسلام، لأن غالبيتهم أسلموا في الجبهات والخنادق. وقد كان طبيعياً أن يسقط الإسلام في كل المنطقة العربية بعد وفاة الرسول: ما عدى مكة والمدينة وبقعة صغيرة في الطائف.
في سنن أبي دواود، الجزء أن الله عز وجل عاتب نبيّاً في قرية من النمل. وفي كتاب «الحب بين العبد والرب» كان طيرٌ يحوم حول رأس النبي، فقال عليه السلام: من فجع هذه بولدها؟
وفي سنن أبي دواود أيضاً: وليرِح ذبيحته.
يوماً ما كان الرسول بين أصحابه، فحدثهم – كما في صحيح مسلم- عن يوم القيامة. كان على غداء، فأمسك الذراع ونهس نهسة ثم قال «أنا سيد الخلق يوم القيامة، أتدرون لماذا»؟.. إلى أن يقول: ثم يقال يا محمد ارفع رأسك، سل تعطه، اشفع تشفّع. فأقول: أمتي يا رب أمتي. لكن رسول الله يعود في حديث آخر، عند مسلم أيضاً، فيقول: فيقال لقد بدلوا بعدك وغيروا. فأقول سحقاً سحقاً.
حتى عندما أسلم العرب، فقد أسلموا كعرب.
كان الماركسيون العرب يحتفون بردّة «عمرو بن معدي يكرب الزبيدي» ويقولون: إنه ثار ضد كومبرادورية قريش، ضد الطبقية الاجتماعية التي فرضتها قريش.
لكن أبا ثور ارتدّ كعربي وليس كماركسي. وكان واضحاً في موقفه القبَلي: ولمَ لا تكون الإمارة فينا.
لكن في دوسلدورف جرح اثنان في الحريق:
رجل وقطة. أو : قطة ورجل.
من الملاحظ في حديث مسلم أنه لم يُقل لرسول الله «لقد بدل فئة من أمتك هذا الدين» بل قيل له: لقد بدلوا وغيروا.
أي جميعاً، وفي كل العصور.

.. وكان إيلاسي دوليري، المستشرق الإيرلندي المرموق، يقول في كتاب صدر سنة 1961م حول مكانة الفكر العربي في التاريخ، إن العرب لم ينتجوا فيلسوفاً واحداً باستثناء الكندي الحضرمي اليمني.
وإن كل فلاسفتهم من أصول غير عربية.
لكنهم كانوا حكاماً يحاربون. في التاريخ ندرس إن التتار ألقوا بكتب بغداد إلى النهر لكن أحداً لا يتبرع بتسمية كتاب واحد.
غير أننا نحفظ أسماء كل المعارك، والوقائع.
وبالرغم من أن حروب النبي، وغزواته، كلها لم تترك سوى 281 قتيلاً من الكفار والمسلمين معاً إلا أننا ندرس السيرة النبوية باعتبارها حرباً كونية.
جرح اثنان في الحريق:
قطة ورجل. أو: رجل وقطة.
وعندما كانت الحشود تقف على قبر خالد بن الوليد، ساعة دفنه، انفجر المئات بالبكاء عندما لمحوا خيله الشهير يقتحم الصفوف ويجلس في المقدمة يشتم رائحة صديقه. ولم تكن هذه أسطورة، هكذا سردها الجنرال أ. أكرم، الباكستاني المتخصص في السيرة العسكرية لخالد ابن الوليد، في كتاب صدر سنة 2000م عن دار الرسالة.
فقد كان خالد يحارب، لكنه أيضاً حتى وهو في الحرب كان صديقاً لخيله كما صديقاً لأعدائه.
نحن المتوحشين الأعراب عندما نعجز عن كل شيء نبحث عن الطريق إلى «الحور العين» عبر إراقة البشري، وإخافة الآمنين.
..أما النبي الأعظم فقد غير اسم يافع في المدينة كان اسمه «شهاب». النبي لا يريد هذا الخوف. والدين الذي جاء به إنما هو قصة رحمة وطمأنينة.
حتى الكافر لا بد أن يجد طمأنيته الكاملة في حقل هذا الدين وفي جغرافيته. لأنه دين مهمته نشر الأمن والسلام والهارمونية للمخلوقات جميعاً: الكافر والمؤمن والقطة والشجرة والنبع. وحتى لآجُرة على تبة بعيدة.
في يوم ما قال الرسول لأصحابه، بذكاء نبوي كاشف: من يرِد الله به خيراً يفقهه في الدين.
والفقه يعني الوعي العميق. وهو «استخلاص الأحكام من أدلتها التفصيلية». وهو مشتق لغة من «الفقء» أي الشق والكشف والفتح والاختراق. أي أنه الفق في الدين هو الخير الوافر، هو أمر أكثر خطورة وتعقيداً من حفظ حفنة من النصوص، أو أداء مسوّدة من الفرائض.
ولأننا غالبية المجتمع المسلم، على وجه الأرض، ليسو في خير.. فإن ذلك، فيما يبدو، لأنهم لم يفقهوا هذا الدين. بالرغم من أنهم يزعمون في كل الأوقات أنهم حراسه المخلصون. وفي الواقع يبدو من الصعب عليّ تخيل أولئك البشر الذين يحرسون أموراً لا يفقهونها.
لكن الحقيقة باقية: فقبل أيام ، في دوسلدورف، شب حريق هائل في مبنى كبير. وجرح فيه رجل وقطة.
لا يوجد لدي تعريف آخر، راهناً، للدولة الحديثة أياً كانت إيديولوجيتها ونظمها سوى أنها تلك الدولة التي تأبه للجريحين معاً: الرجل والقطة.
يا إلهي..

المصدر أونلاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.