هل يهزم ابن زايد بن سلمان ويتسبب بقسمة تركة الرجل المريض؟    قوات دولية في غزة لماذا.. وهل ستستمد شرعيتها من مجلس الأمن ؟!    هل جاء اعتراف إسرائيل بدويلة "ارض الصومال" اول تطبيق رسمي لمخطط التفتيت للدول العربية؟    إيمان الهوية وهوية الإيمان    تكريم البروفيسور محمد الشرجبي في ختام المؤتمر العالمي الرابع عشر لجراحة التجميل بموسكو    مرض الفشل الكلوي (34)    الطبيب الخزان يشكو ما تعرض له في مبنى قضائي بصنعاء للنائب العام    حين يكون الإيمان هوية يكون اليمن نموذجا    الهوية والوعي في مواجهة الاستكبار    الدكتور هادي دلول أستاذ العلاقات الدولية والمستشار في الفيزياء النووية في طهران:نبارك اتفاق إطلاق الأسرى في اليمن وتنفيذه متوقف على مصداقية الطرف الآخر والتزامه    وسط غياب الدفاع المدني وإهمال السائقين.. احتراق شاحنة نقل على طريق مأرب    فلسطين الوطن البشارة    حضرموت.. قنابل ضوئية على محيط مطار سيئون واتهامات متبادلة بشأن اشتباكات الشحر وحدتها تتصاعد    العليمي يشن الحروب على الجنوب لحماية سرقاته لنفط شبوة وحضرموت    المكلا حضرموت ينفرد بصدارة المجموعة الثالثة بدوري الدرجة الثانية لكرة القدم    قوات النجدة بأمانة العاصمة تستعيد 3 دراجات نارية مسروقة    وكيل وزارة الخارجية يشيد بدورالصليب الأحمر في ملف الأسرى    العرادة يدشن حزمة مشاريع خدمية وتنموية لتعزيز البنية التحتية في مأرب    الشؤون الخارجية بالانتقالي تبحث التعاون مع المفوضية السامية وتؤكد احترام المجلس لحقوق الإنسان    اغتيال جار الله عمر.. اللحظة التي دخل فيها ملف الإرهاب في اليمن دائرة التوظيف السياسي    جوائز غلوب سوكر: باريس والبرتغال ويامال الأفضل    تشييع جثمان الشهيد المقدم توفيق العسيقي في التعزية    الأرصاد: سحب منخفضة كثيفة على سقطرى والسواحل والمرتفعات المحاذية    منذ أكثر من شهر.. مليشيا الحوثي تمنع دخول عشرات الشاحنات المحملة بمادة الأخشاب    عاجل: أهم نقاط البيان.. سيئون تجدد العهد لاستعادة دولة الجنوب وتفوض الانتقالي خيارًا نهائيًا بلا تراجع أو مساومة    ميلان يقسو على فيرونا بثلاثية ويعتلي صدارة "الكالتشيو" مؤقتاً    مجلس الأمن الدولي يعقد جلسة طارئة غدا لبحث الاعتراف الإسرائيلي ب"أرض الصومال"    ورشة حول الصحة والسلامة المهنية بصنعاء    أمين العاصمة يتفقد أعمال صيانة شارع سبأ بمشاركة مجتمعية    خفر السواحل تحذر من السباحة قبالة سواحل عدن وأبين وشبوة    المحرّمي يطّلع على سير العمل في المؤسسة العامة للاتصالات وخططها المستقبلية    الصين: تأسيس أكثر من مليون شركة جديدة في 11 شهرا    هل بات قادة اوروبا يخشون "سلام ترامب" في أوكرانيا؟!    بعد 15 شهرا من الاختطاف.. محكمة حوثية تأمر بالإفراج عن الصحفي المياحي    نيجيريا تسقط تونس في مباراة مثيرة وتبلغ ثمن نهائي كأس أمم إفريقيا    هروب    الاعتراف الإسرائيلي بالصومال خطر يهدد الجنوب العربي وخليج عدن    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    رشاد العليمي يسهل لنجله عبدالحافظ سرقة نفط حضرموت    محمد صلاح يواصل تحطيم الأرقام القياسية في «كأس أمم إفريقيا»    في صنعاء.. هل ابتلعنا "الثقب الأسود" جميعًا؟    الصحفي المهتم بقضايا الناس وانشطة الصحافة الثقافية عبدالعزيز الويز    قراءة تحليلية لنص «صدمة استقبلتها بقهقهة» ل"أحمد سيف حاشد"    دوري روشن السعودي: اتحاد جدة يهزم الشباب بثنائية نظيفة    اكتشاف آثار حضارة متطورة في باكستان    ضربة بداية منافسات بطولة كأس العالم للشطرنج السريع والخاطف قطر 2025    القوات المسلحة الجنوبية تضبط مصفاة غير قانونية لنهب النفط داخل مزرعة متنفذ شمالي في الخشعة    اتحاد حضرموت بحافظ على صدارة المجموعة الثانية بدوري الدرجة الثانية    مأرب تحتفي بتخريج 1301 حافظًا وحافظة في مهرجان العطاء القرآني    القيادة التنفيذية العُليا تناقش الجهود المبذولة لتأمين الخدمات للمواطنين ومراقبة أسعار الصرف    ما علاقة ضوء الشمس بداء السكري.. نصيحة للمصابين    العطاس: نخب اليمن واللطميات المبالغ فيها بشأن حضرموت"    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جُرِح اثنان، رجل وقطة!
نشر في المصدر يوم 09 - 02 - 2012


(1)
وتستمر اللامعيارية وفوضى المواقف: يرفضون انتخاب منصور للرئاسة لأنه فرع عن المبادرة الخليجية، وهم يرفضونها إجمالاً. يلعنون روسيا والصين. يصوتون في موقع قناة الجزيرة: روسيا عدوة للشعب السوري.
كانوا يتوقعون أن تصوت روسيا والصين في مجلس الأمن لصالح قرار يدعم المبادرة العربية، على منوال المبادرة الخليجية «النموذج اليمني». وهي مبادرة أقل بكثير من طموحات الثورة السورية وتضحياتها، كما ينظر شباب الثورة في اليمن إلى المبادرة الخليجية. لكن الثورة السورية أحوج ما تكون إليها الآن لتكون قد قطعت الشوط الأصعب من «إصحاحها الكبير» على أمل أن تنجح بقية مراحلها بأقل قدر من العنف والضجيج وفي سنين طويلة. والثورة هي بالضبط عمل على الزمن، وليست كلاسيكو أو دربي ينتهي بخروج المهزوم، مع الاحتفاظ بحق الانتقام في ماتش إياب!
سيقال: نحن نرفض المبادرة الخليجية، فنحن غير الشعب السوري. وقد كان صالح يقول إنه غير النظام السوري. وعندما تنفجر الحرب المسلحة بين طرفين اثنين، الثورة والنظام، ستتخلق الحقيقة التالية: بعد إطلاق أول رصاصة يبلور الطرفان، بسرعة البرق، تفسيرات وتبريرات شرعية، شخصية وجماعية، تؤيد مواقفهما وما سيقدمان عليه. وهذا ما يجعل الحرب دائماً شرسة وكما لو كانت أبدية. وبعد سقوط أول قطرة دم، بعد إعلان الحرب، تجر النقطة إلى أخرى .. إلى أن يسقط الجميع في الشلال. ليس صحيحاً أن الحرب تنتهي على ثنائية: الخاسر والرابح. بل: الخاسر والأكثر خسارة.
استخدمت صحيفة وول ستريت جورنال، مؤخراً، جملة «صالح يريد أن يسقط اليمن». وهو تعبير دقيق بالفعل، سبق أن أشارت إليه الإندبندت البريطانية: لم يعد بمقدور صالح أن يحكم اليمن لكنه قادر على إثارة الفوضى فيه. أي: إسقاط اليمن ردّاً على إسقاط النظام.
أسقطت الثورة نظام صالح. لكنها أصبحت معتلة من الداخل، مأزومة، كأي عملية كبرى يصيبها الانهاك والتعب وتعتريها التناقضات مع الزمن. بما يعني أن بقاءها في منطقة الثورة وحولها أجهزة الدولة مشلولة تماما سيجعل الثورة «الشجرة الملعونة في القرآن» ذلك عندما تتأخر الثورة في اقتراح وسائل إجرائية لتحسين حياة الناس بصورة عاجلة. فالناس لا تهتم كثيراً للتنظير البيزنطي حول الصحيح سياسياً والمستحيل أخلاقياً.. إلخ. ولا يوجد شعب كامل مستعداً للمقامرة إلى الأبد ويوم.
يمكنني تصور أن أكثر ما يتهدد الثورة الآن هو أن لا تنجح الانتخابات الرئاسية بواحدة من وسيلتين:
- أن لا يكون الإقبال حاشداً، وبأغلبية مريحة تقضي على فكرة «الشرعية الشعبية والجماهيرية» لصالح وإلى الأبد. فنظامه ينظر إلى الانتخابات بحسبانها استفتاء على رحيل صالح وليس اختياراً لمنصور.
- أن يفجر الفلول مصاعب ضخمة تجعل الانتخابات إما نشاطاً مستحيلاً، أو إن نتائجها غير شاملة.
صالح يعمل على إنجاح الفكرة الثانية. آخرون، من داخل الثورة، يعملون على إنجاح الأمر الأول. يقول بعض المتحمسين من شباب الثورة: لا يهمني موقف صالح، يهمني موقفي الثوري الصحيح.
حسناً، لكنكَ في الأساس خرجت ضد صالح. أي أنك معني بمراقبته وقراءة تطلعاته وتبديد ما تبقى من أحلامه، ما لم تكن قد تقاعدت مبكراً عن الثورة وتحوّلت إلى «سياسي مقنّع» يعمل ضد «السياسي الواضح».
في المحصلة يلتقيان النقيضان في سفح رامةٍ، حيث يمكن معاينة بنان العامرية الحمراء.. «هي فوضى»، إذ لا يوجد توصيف آخر لمثل هذا التلاقي سوى أنه فوضى.
وفي الغالب سيتجه غالبية اليمنيين لكي يطردوا صالح وليس لاختيار منصور. كما أن العملية برمتها ليست دعوة للديموقراطية، بل لعملية وطنية فوق ديموقراطية. إنه أشبه بتفكيك عبوة ناسفة في سوق شعبية.
لكن: هل كان من الممكن أن يحدث للثورة اليمنية ما حدث للثورة في سوريا؟
لعله من المناسب أن ننشط الذاكرة مبكراً: ما حدث في جمعة الكرامة. على الأقل انتظر الأسد حتى يفرغ السوريون من الصلاة، أما صالح فلم ينتظر. وإذا كانت الخالدية دكّت بالهاون فإن أرحب قصفت بالطيران، ونهم بالكاتيوشا، وتعز حلقت فوقها ميغ 29. وإذا كان الأسد قد قال لوفد عربي قبل أسابيع: حانت ساعة الحسم، فإن صالح قال لمعاونيه: سأسيطر على تعز بطقم عسكري واحد.
قرر صالح أن يستمر في الحرب «من طاقة إلى طاقة» وكان مستعداً لهذه الحرب، ومعه طابور من القتلة وبنادق للإيجار ليس لجنونها وعتهها حدود. حشد صالح شبيحته وترسانته. جهز اخرائط، وزع الأسلحة، استورد الصفقات وتوضأ بالدم. كان كل شيءٍ موضوعاً على الطاولة. وانتظر المنفذون صفارة صالح. صالح الذي افتتح الثورة بعشرات القتلى في عدن، ثم انتقل إلى صنعاء. أما صواريخ سكود فقد نقلها المسخ إلى ذمار ريثما يتمكن من إطلاقها على شارع الزبيري، بتوفير المدى الهندسي المناسب للمقذوفة.
ويحَكم، أتظنون أن صالحَ مرسلٌ من ربّه؟ إنا بالذي آمنتم به كافرون ..
توقف صالح عن مبادرة خططه لمرتين:
مرة عندما أعلن المواطن اليمني علي محسن الأحمر تأييده للثورة، وسحب معه طابوراً طويلاً من القادة العسكريين الشجعان. هنا بدأ المجتمع الدولي في إعادة تقييم مواقفه. فخطورة حرب عسكرية داخلية، على هامش الثورة، أصبحت أمراً لا يجوز تجاهله.
ومرة عندما تأكد العالم أن صالح قد انتهى، قبل أن يتأكد هو من هذه الحقيقة.
هناك من يتعامل مع نظام صالح كأنه «أهلي صنعاء» وينظر للثورة كأنها «صقر تعز» ويصر على مباراة فاصلة مرة أخرى لتتويج الثورة بالنصر. ونحن نهمس فيهم: لم يعد لها من حاجة، لقد فزنا بفارق النقاط، وكل ما يفعله صالح الآن هو إجراءات شكلانية فقط لتحسين مظهر هزيمته. دعوه يبتكر طريقا للهرب ويعتقد أنه خرج رافعاً رأسه. لا أرى مشكلة في ذلك، إذا ما أخذنا في اعتبارنا طبيعة التكوين النفسي العربي. لو كان صالح أوروبياً لما ثرنا عليه من الأساس. لكن الأوربيين يقولون: لا توجد طريقة مشرّفة للهرب. وكان مانديلا يقول: ولا توجد طريقٌ ناعمة للحرية.
فيما يخص موضوع الحصانة، فهذا موضوع مركّب، سنتفق عليه ونختلف حوله. لكن من غير المعقول أن أمنع خروج صالح من السلطة لأني لا أريد أن منحه الحصانة. مثل المهاجم التعيس الذي حرم فريقه النصر في آخر دقيقتين. لقد انفرد بحارس المرمى ورفض تسديد الكرة في الشباك. وعندما احتج عليه رفاقه والألتراس المشجع لناديه: لماذا لم تقضِ على الفريق الخصم عندما أتيحت لك الفرصة؟ قال بثقة: لأنهم لعبوا طوال المباراة بطريقة خشنة منذ البداية وتسببوا في إصابة زميلي المهاجم في وقت مبكر. لقد كان الحكم متحيّزاً لهم وأردتُ أن أحرم الحكم من متعة إطلاق «صافرة الهدف» حتى لو كان لصالحنا.
يرفض الحوثيون المبادرة الخليجية كجزء من رفضهم مبادرة عربية ضد سوريا. هذا الموقف، من قبلهم، يأتي متساوقاً مع الموقف الإيراني الخارجي والموقف الطائفي إجمالاً. يريدون إفشال نموذج المبادرة العربية في اليمن لتخفيف الضغط على النظام السوري، الذي قتل عشرات الآف، وأنهى حياة عشرات الآلاف الأسر. موقف الحوثيين يمكن فهمه. فهم يدينون في الغالب للطائفة وليس للدولة. ويمكن فهم موقفهم هذا ضمن موضوع غياب الدولة الديموقراطية العربية إجمالاً، وحضور الدولة الطائفية التي تعاملت معهم لفترات طويلة من الزمن – أعني مع الشيعة بشكل عام- كمواطنين على الحافة. لكن هذه الحقيقة لا تعطيهم الحق في مساندة القتلة إلا إذا كانوا غير راغبين في إنهاء زمن الحرب الطائفية الباردة والدخول في الدولة الديموقراطية الحديثة، دولة العدالة والكفاءة والجدارة.
(2)
«عندما ينظر كبار قادتنا العسكريين إلى الأعلى فإنهم يبصرونني وبجواري رئيس الوزراء. أما عندما أنظر أنا ونتينياهو إلى الأعلى فلا نرى أحداً، سوى السماء». هكذا تحدث أيهود باراك قبل أيام. أضاف: إن بلدتنا صغيرة، ويستطيع النظام الإيراني أن يزيلها من الوجود في حال امتلاكه للسلاح النووي. وهذا ما لن نسمح بحدوثه.
وزير الدفاع الأميركي علق للواشنطن بوست: يبدو أن إسرائيل مصممة على نسف مفاعلات إيران النووية في أبريل أو أو مايو، أو حتى يونيو.
الصحف الغربية تبدي تخوفها من تعرض «الميتروبول الاقتصادي» لكارثة. وتعني به: دبي، أبوظبي، الدوحة. إسقاط النظام الإيراني مطلب «جماهيري» عربي. فشل الشعب الإيراني، الذي تظاهر بالملايين، في تغييره وتعرض لحالة من القمع والإرهاب المذهلة وسقطت ثورته. الإمام الفقيه هو صورة مقلوبة من بن علي وبن مبارك وبن عفاش. يقوم على نفس الأسس السياسية والأمنية والتكوين النفسي. لكن حرباً كونية لإسقاطه لا يمكن أن يتنبأ بعواقبها أحد.
أميركا، في تصوري، سحبت قواتها من العراق لكي تعيد نشرها في كل المنطقة، هرباً من مفاجآات إيران في العراق في حال اشتعال الحرب. فرنسان وإنغلترا تحشدان لمواجهة إيران، بجوار أميركا وإسرائيل. النظام الإيراني ليس لديه معلومات كافية عن المدى المفزع للتكنلوجيا العسكرية الذي ترغب أميركا وإنغلترا في تجريبه.
شخصياً، أتمنى أن يختفي النظام الإيراني من على ظهر الأرض بأقل التكاليف. فعندما انفجرت الانتفاضة الفلسطينية الأولى في 87م اصدر شارون قراراً للجيش الإسرائيلي بكسر ذراع أي فلسطيني يهاجم الجيش الإسرائيلي. أما بشار الأسد، وبتفكير وسلاح وزيت ومدد بشري إيراني، فقد كان قراره: قطع عنق أي طالب جامعة «يهتف» ضد النظام بالسكين، أو فصله من المنتصف بوسائل الجزارة ومناشير ذبح البهائم.
لذلك ستسقط إيران تحت لعنة خصمها التاريخي عمر بن الخطاب «أما بعد: فاحذر المعصية حذرك من العدو. فإننا ما انتصرنا عليهم إلا بطاعتنا لله ومعصيتهم له. فإن تساوينا نحن وإياهم في المعصية غلبونا بالعدة والعتاد».
(3)
النظام السوري يستخدم الجيش بنفس طريقة الطليان في ليبيا، والفرنسيين في الجزائر. أما الشعب السوري فيخوض ثورته على طريقة عمر المختار وهواري بو مدين. في المحصلة النهائية: تنهار جيوش الغزاة، المحليين والكولينياليين، ويبقى التاريخ وتستمر الأمم.
حتى جنكيز خان سقط من على فرسه وانكسر عنقه ومات. ونادر قيلي، الفارسي الذي غزا حتى أقاصي جبال الشرق، مات قتيلاً وتائهاً. هذه ليست حتمية تاريخية وحسب. هي أيضاً تدابير إلهية. لا يمكننا أن نقترح للسوريين ما الذي ينبغي عليهم فعله. فهم، ربما، لديهم رؤية أكثر وضوحاً للوقائع. نستطيع، نحن البشر الجبناء، أن نغلق سفارات سوريا في بلداننا، ونعتقل ممثلي نظام الأسد. هذا ليس قتلاً للرسل، وليس عملا بلا أخلاق. إنه تأكيد على احترامنا للعرف الدبلوماسي، وقيمه الأخلاقية، الذي يرفض منح القتلة، وأجهزتهم، مأوى.
يوماً قريباً ستنتصر سوريا، وستسعيد نبوءات كاتبها السوري الراحل «عبد السلام العجيلي» في سرديته الحزينة: (باسمة بين الدموع).
(4)
قبل أيام في صحيفة «دوسلدورف إكسبرس» صورة لمنزل يحترق. فوقها بالفونت الكبير:
جرح اثنان في الحريق: رجل وقطة.
يقول الإسلام أن امرأة مؤمنة دخلت النار بقطة. وأن بغياً دخلت الجنة بكلب. لكن كثيراً من المؤمنين يعتقدون أن الله سيفتح لهم أبواب الجنة لأنهم أزهقوا الدم البشري. فعندما يخرج المؤمنون إلى الشوارع وهم يتوعدون المخطئين بالعذاب المقيم، يحدثُ أن يصاب أولئك المساكين بالفزع. وفي النص «من أفزع آمناً كان حقاً على الله أن يفزعه يوم الفزع الأكبر».
لم يجد العرب الوقت الكافي لفهم الإسلام، لأن غالبيتهم أسلموا في الجبهات والخنادق. وقد كان طبيعياً أن يسقط الإسلام في كل المنطقة العربية بعد وفاة الرسول: ما عدى مكة والمدينة وبقعة صغيرة في الطائف.
في سنن أبي دواود، الجزء أن الله عز وجل عاتب نبيّاً في قرية من النمل. وفي كتاب «الحب بين العبد والرب» كان طيرٌ يحوم حول رأس النبي، فقال عليه السلام: من فجع هذه بولدها؟
وفي سنن أبي دواود أيضاً: وليرِح ذبيحته.
يوماً ما كان الرسول بين أصحابه، فحدثهم – كما في صحيح مسلم- عن يوم القيامة. كان على غداء، فأمسك الذراع ونهس نهسة ثم قال «أنا سيد الخلق يوم القيامة، أتدرون لماذا»؟.. إلى أن يقول: ثم يقال يا محمد ارفع رأسك، سل تعطه، اشفع تشفّع. فأقول: أمتي يا رب أمتي. لكن رسول الله يعود في حديث آخر، عند مسلم أيضاً، فيقول: فيقال لقد بدلوا بعدك وغيروا. فأقول سحقاً سحقاً.
حتى عندما أسلم العرب، فقد أسلموا كعرب.
كان الماركسيون العرب يحتفون بردّة «عمرو بن معدي يكرب الزبيدي» ويقولون: إنه ثار ضد كومبرادورية قريش، ضد الطبقية الاجتماعية التي فرضتها قريش.
لكن أبا ثور ارتدّ كعربي وليس كماركسي. وكان واضحاً في موقفه القبَلي: ولمَ لا تكون الإمارة فينا.
لكن في دوسلدورف جرح اثنان في الحريق:
رجل وقطة. أو : قطة ورجل.
من الملاحظ في حديث مسلم أنه لم يُقل لرسول الله «لقد بدل فئة من أمتك هذا الدين» بل قيل له: لقد بدلوا وغيروا.
أي جميعاً، وفي كل العصور.

.. وكان إيلاسي دوليري، المستشرق الإيرلندي المرموق، يقول في كتاب صدر سنة 1961م حول مكانة الفكر العربي في التاريخ، إن العرب لم ينتجوا فيلسوفاً واحداً باستثناء الكندي الحضرمي اليمني.
وإن كل فلاسفتهم من أصول غير عربية.
لكنهم كانوا حكاماً يحاربون. في التاريخ ندرس إن التتار ألقوا بكتب بغداد إلى النهر لكن أحداً لا يتبرع بتسمية كتاب واحد.
غير أننا نحفظ أسماء كل المعارك، والوقائع.
وبالرغم من أن حروب النبي، وغزواته، كلها لم تترك سوى 281 قتيلاً من الكفار والمسلمين معاً إلا أننا ندرس السيرة النبوية باعتبارها حرباً كونية.
جرح اثنان في الحريق:
قطة ورجل. أو: رجل وقطة.
وعندما كانت الحشود تقف على قبر خالد بن الوليد، ساعة دفنه، انفجر المئات بالبكاء عندما لمحوا خيله الشهير يقتحم الصفوف ويجلس في المقدمة يشتم رائحة صديقه. ولم تكن هذه أسطورة، هكذا سردها الجنرال أ. أكرم، الباكستاني المتخصص في السيرة العسكرية لخالد ابن الوليد، في كتاب صدر سنة 2000م عن دار الرسالة.
فقد كان خالد يحارب، لكنه أيضاً حتى وهو في الحرب كان صديقاً لخيله كما صديقاً لأعدائه.
نحن المتوحشين الأعراب عندما نعجز عن كل شيء نبحث عن الطريق إلى «الحور العين» عبر إراقة البشري، وإخافة الآمنين.
..أما النبي الأعظم فقد غير اسم يافع في المدينة كان اسمه «شهاب». النبي لا يريد هذا الخوف. والدين الذي جاء به إنما هو قصة رحمة وطمأنينة.
حتى الكافر لا بد أن يجد طمأنيته الكاملة في حقل هذا الدين وفي جغرافيته. لأنه دين مهمته نشر الأمن والسلام والهارمونية للمخلوقات جميعاً: الكافر والمؤمن والقطة والشجرة والنبع. وحتى لآجُرة على تبة بعيدة.
في يوم ما قال الرسول لأصحابه، بذكاء نبوي كاشف: من يرِد الله به خيراً يفقهه في الدين.
والفقه يعني الوعي العميق. وهو «استخلاص الأحكام من أدلتها التفصيلية». وهو مشتق لغة من «الفقء» أي الشق والكشف والفتح والاختراق. أي أنه الفق في الدين هو الخير الوافر، هو أمر أكثر خطورة وتعقيداً من حفظ حفنة من النصوص، أو أداء مسوّدة من الفرائض.
ولأننا غالبية المجتمع المسلم، على وجه الأرض، ليسو في خير.. فإن ذلك، فيما يبدو، لأنهم لم يفقهوا هذا الدين. بالرغم من أنهم يزعمون في كل الأوقات أنهم حراسه المخلصون. وفي الواقع يبدو من الصعب عليّ تخيل أولئك البشر الذين يحرسون أموراً لا يفقهونها.
لكن الحقيقة باقية: فقبل أيام ، في دوسلدورف، شب حريق هائل في مبنى كبير. وجرح فيه رجل وقطة.
لا يوجد لدي تعريف آخر، راهناً، للدولة الحديثة أياً كانت إيديولوجيتها ونظمها سوى أنها تلك الدولة التي تأبه للجريحين معاً: الرجل والقطة.
يا إلهي..

المصدر أونلاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.