أمطرت قوات الرئيس السوري بشار الاسد بالصواريخ والقنابل الاحياء التي تسيطر عليها المعارضة بمدينة حمص يوم الاربعاء وحولت المباني الى انقاض وقتلت أكثر من 80 شخصا بينهم صحفيان غربيان. ويمثل هذا القصف تكثيفا لهجوم مستمر منذ نحو ثلاثة اسابيع لسحق المقاومة في حمص وهي من النقاط المحورية في الانتفاضة المتأججة في انحاء البلاد ضد حكم الاسد المستمر منذ 11 عاما وأثارت شدة القصف غضبا دوليا.
وتم انتشال أكثر من 60 جثة لمقاتلي المعارضة والمدنيين من منطقة واحدة هي حي بابا عمرو بعد القصف الذي وقع بعد ظهر يوم الاربعاء ورفع عدد الضحايا الذي كان 21 قتيلا في وقت سابق من النهار.
وقال الناشط بحمص أبو أبي لرويترز ان طائرات الهليكوبتر قامت بطلعات استطلاع فوق المنطقة ثم بدأ القصف.
وأظهرت لقطات فيديو وضعها ناشطون من المعارضة على الانترنت المباني المدمرة والشوارع المهجورة وأطباء يعالجون المدنين الجرحى في أحوال بدائية في حي بابا عمرو الهدف الرئيسي لغضب الاسد.
وقال مسؤول لبناني قريب من الحكومة السورية لرويترز في بيروت ان الرئيس الاسد يريد انهاء الوضع في حمص بحلول الاحد للتحضير للاستفتاء على الدستور ثم سيتحول الى ادلب.
وسبب الدمار غضبا شديدا لكن مذبحة يوم الاربعاء أظهرت فقط مدى عجز القوى الغربية في جهودها لوقف اراقة الدماء.
ولمحت الولاياتالمتحدة التي كانت حتى الان ضد التدخل العسكري في سوريا الى انه اذا كان الحل السياسي للازمة مستحيلا فانها قد تفكر في خيارات اخرى.
ويخشى السكان من ان الاسد سيعرض المدينة لنفس المعاملة التي لجأ اليها والده حافظ الاسد ضد مدينة حماة المتمردة قبل 30 عاما عندما قتل عشرة الاف شخص.
والوضع الانساني المتفاقم في حمص وبلدات محاصرة اخرى يتجه للهيمنة على محادثات "أصدقاء سوريا" التي ستعقد في تونس يوم الجمعة والتي تضم الولاياتالمتحدة ودولا اوروبية وعربية وتركيا ودولا اخرى تطالب الاسد بوقف اراقة الدماء والتخلي عن السلطة.
وفي مثال صارخ على القمع قال ناشطون ايضا ان القوات والميليشيا الموالية للاسد التي تعرف بالشبيحة اعدموا 27 شابا يوم الثلاثاء في قرى شمالية.
وأظهرت لقطات فيديو على موقع يوتيوب التقطها نشطاء محليون في ادلب ولم يتسن التأكد منها من مصادر مستقلة جثثا بها جروح ناجمة عن طلقات نارية في الرأس أو الصدر وقتلى مقيدي اليدين في الشوارع.
وفي اطار الجهود لجلب مساعدات اغاثة للمدنيين الذين يتضورون جوعا ويعانون من الهجوم في حمص تجري اللجنة الدولية للصليب الاحمر محادثات مع الحكومة السورية يوم الاربعاء للترتيب لوقفة في القتال.
وقالت روسيا مورد الاسلحة الرئيسي للاسد والتي ينظر اليها على انها تحتفظ ببعض التأثير عليه انها تسعى الى اقامة ممر امن لقوافل المساعدات الى المدنيين المحاصرين في اعمال العنف.
كما وجهت فرنسا نداء الى الاسد لوقف الهجوم للسماح بمرور امن للمساعدات.
ووصف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مقتل صحفيين أحدهما المصور الفرنسي ريمي اوشليك والامريكية ماري كولفن التي تعمل لدى صحيفة صنداي تايمز البريطانية بأنه كان عملية "اغتيال" وان حكم الاسد يتعين ان ينتهي.
وأضاف ساركوزي "كفى. النظام يجب ان يرحل وما من سبب يمنع السوريين من حقهم في ان يعيشوا حياتهم ويختاروا مصيرهم بارادتهم. اذا لم يكن هناك صحفيون فان المجازر كانت ستزداد سوءا."
وقتل الصحفيان الاجنبيان حين سقطت صواريخ أطلقتها القوات الحكومية على المنزل الذي كانا فيه بالمدينة بعد ان تسللا عبر الحدود اللبنانية الى حمص.
وفي اخر رسالة بعثت بها كولفن وصفت البؤس داخل حي بابا عمرو.
وقالت في الاذاعة البريطانية ان النساء والاطفال يحتشدون في الاقبية يتملكهم الخوف وان طفلا في الثانية من العمر مات امامها.
وقالت الشبكة السورية لحقوق الانسان ان القوات الحكومية قتلت 21 مدنيا في حمص اليوم الاربعاء معظمهم في قصف حي بابا عمرو وهو منطقة سنية تعارض الطائفة العلوية التي تحكم سوريا.
وقتل عدة مئات في عمليات القصف اليومية من جانب قوات الحصار التي تستخدم المدفعية والصواريخ ونيران القناصة ودبابات تي-72 السوفيتية الصنع.
ولم تبادر القوات البرية الى دخول مناطق المعارضة لان المقاتلين المتحالفين مع المعارضة مستعدون للانقضاض عليها.
ويقول ناشطون ان الجيش يمنع وصول الامدادات الطبية والكهرباء مقطوعة 15 ساعة يوميا. والمستشفيات والمدارس ومعظم اماكن العمل والمتاجر مغلقة كما ان المكاتب الحكومية مغلقة ايضا.
ومثلما شرح المسؤول اللبناني يريد الاسد اجبار حمص على الاستسلام قبل الاستفتاء الذي يجري يوم الاحد القادم على دستور جديد يقود الى انتخابات متعددة الاحزاب كوسيلة لحل الازمة.
وتحظى خطته بتأييد حلفائه الروس والصينيين لكن القوى الغربية رفضتها باعتبارها "مثيرة للسخرية" في ظل الظروف الحالية ودعت المعارضة السورية الى مقاطعتها.
وناشدت لجنة الصليب الاحمر السلطات السورية والمعارضين يوم الثلاثاء الموافقة على هدنة مدتها ساعتان يوميا للسماح بوصول الامدادات الى المدنيين واجلاء عدد متزايد من الجرحى في مدينة حمص المحاصرة وأماكن أخرى.
وقالت كارلا حداد المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الاحمر انها لا يمكنها القول ما اذا كان سيتم التوصل الى اتفاق ومتى يحدث ذلك.
وقالت لرويترز يوم الاربعاء "الموقف صعب ونشعر بالقلق من انه يتدهور." واضافت "الجميع يركز على حمص لكننا يجب الا نغض الطرف عما يحدث في مناطق اخرى."
وقالت الشبكة السورية التي يقع مقرها في لندن ان عمليات القصف التي يقوم بها الجيش لبلدة خان شيخون شمالي حمص التي تقع على الطريق السريع الذي يربط بين دمشق وحلب في محافظة ادلب أسفرت عن مقتل شخصين يوم الاربعاء.
وقال الكسندر لوكاشيفيتش المتحدث باسم الخارجية الروسية للصحفيين ان موسكو طلبت من الامين العام للامم المتحدة ايفاد مبعوث للاتصال بكل الاطراف في سوريا للاتفاق على المرور الامن للقوافل الانسانية.
وقال المجلس الوطني السوري المعارض انه خلص الى الرأي بأن التدخل العسكري هو الحل الوحيد للازمة.
وقالت بسمة قضماني المسؤولة الكبيرة في المجلس الوطني السوري في مؤتمر صحفي في باريس ان هناك شرين أحدهما التدخل العسكري والثاني حرب اهلية ممتدة.
وفي واشنطن أكد مسؤولون ان ادارة الرئيس باراك اوباما مازالت تسعى الى حل عن طريق التفاوض لكنهم لمحوا ايضا الى انها قد تعيد النظر في موقفها بشأن عدم تسليح المعارضة السورية.
وقال المتحدث باسم البيت الابيض جاي كارني "ما زلنا نرى ان الحل السياسي هو الشيء المطلوب في سوريا."
وأضاف قوله "لا نريد اتخاذ اجراءات تساهم في تعزيز الطابع العسكري للصراع في سوريا لان ذلك قد قد يهوي بالبلاد في مسار محفوف بالمخاطر لكننا لا نستبعد اتخاذ اجراءات اضافية."
ويقول محللون ان الاسد يرى نفسه في معركة من اجل البقاء. ورغم ان البعض يقولون ان التأييد حوله يتداعى وان الجيش اصابه التعب يقول اخرون انه يمكنه ان يستمر عدة اشهر اخرى قبل ان يلحق بالزعيم الليبي معمر القذافي والرئيس المصري حسني مبارك والتونسي زين العابدين بن علي على قائمة الزعماء العرب المخلوعين.
كما توجد مخاوف ايضا من تحول الانتفاضة الى حرب اهلية اساسها ديني تنتشر في انحاء الشرق الاوسط وهي اعتبارات تجعل تسليح المعارضين اقتراحا شائكا.