يخيم الرعب في أوساط سكان منطقة الحصبة شمال العاصمة صنعاء مع بدء مواجهة جديدة في حرب «الألغام» التي خلفتها الحرب السابقة بين أنصار الشيخ صادق الأحمر والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح، التي اندلعت منتصف العام الماضي. عصر الأحد الماضي هزت حادثة انفجار لغم بطفل سكان منطقة الحصبة، التي بدت كأنها بداية حرب تدق طبولها، دون مواجهات مسلحة بين طرفين، وضحاياها مواطنون عاديون قريبون من أماكن الموت. سكان مذعورون يفكرون في ترك منازلهم، وأطفال منعوا من اللعب في الشوارع، ورعب يراود موظفين يأتون من خارج المنطقة لتأدية وظائفهم في وزارات ومجمعات حكومية في الحصبة. طفل في العاشرة من عمره يرقد حالياً في مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا بصنعاء بساق مبتورة، وأخرى تثبتها أسياخ من الحديد، فيما نصف جسده السفلي أصبح مهشماً بفعل لغم انفجر فيه عصر الأحد الماضي داخل أسوار وزارة التجارة والصناعة. الطفل أسامة خالد محفل من أبناء محافظة ريمة، يسكن بالقرب من مبنى وزارة الداخلية التي تقع في الحصبة، خرج عصر يوم الأحد من منزله برفقة أصدقائه، فوجد نفسه بعد ساعتين في غرفة العمليات وقد نال منه لغم زرع من جهة غير معروفة، لكن الدلائل تشير إلى أن قوات الحرس الجمهوري هي من زرعتها حول الوزارات التي تقع بالحصبة، لمنع مسلحي الأحمر من اقتحامها. والد أسامة الجندي خالد محفل وجه الاتهام مباشرة إلى قوات الحرس الجمهوري بوضع الألغام، قائلاً «نوعية هذه الألغام لا تملكها إلا الدولة، وأنا كنت أحد المشاركين في حرب صعدة حيث تم زرع ألغام مثلها في حرب الحوثيين، والقبائل لا تملك مثلها أبداً». لم يتمالك نفسه فأجهش بالبكاء والحزن لرؤية ابنه وهو في العناية المركزة، فيقول «هذا قدر من الله لكن ما ذنب هذا الطفل أن يكون ضحية لهذه الألغام، لماذا يتم زرع الألغام في مناطق مأهولة بالسكان وداخل العاصمة صنعاء، هؤلاء لا يملكون ذرة إنسانية». كان أسامة حينها بالقرب من أبيه يبكي وهو يرى ساقه اليسرى قد بترت، والألم يسري في جسده، في الوقت الذي تحدثت مصادر طبية ل«المصدر أونلاين» عن دخول شظايا من اللغم عبر دبره إلى بطنه ما تسبب في تمزق بعض الأمعاء، وخلع الحوض، فضلاً عن بتر ساقه وتشوهات جسيمة في منتصف جسده السفلي. أسامه كان يمسك بيد أبيه وهو يقول باكياً «ليش قطعوا رجلي، اشتي العب مع أولاد الحارة، واخرج معهم، ليش مابلا أنا اللي قطعوا رجلي». يقول محفل ل«المصدر أونلاين» إن ابنه أسامة خرج برفقة أخيه الأصغر بعد عصر الأحد من المنزل ليذهب للعب مع أصدقائه، وقبل المغرب كان بالقرب وزارة الصناعة والتجارة، عندما رأى خزان ماء، ذهب ليشرب منه، وحين وصل هنالك انفجر اللغم به ولم يصب أحد من أصدقائه. ويضيف «وقع الانفجار داخل أسوار الوزارة حيث لا تزال محطمة بسبب الحرب الأخيرة، لكن المخزي أن الجنود الذي كانوا بالداخل لم يسارعوا لإسعافه، لكن منحه الله القوة وزحف إلى خارج الوزارة وجسده مقطع، فقام سائق دراجة نارية بأخذه إلى أمام منزل الشيخ صادق الأحمر ووضعه هنالك وغادر». وأوضح أن حراسة الشيخ الأحمر سارعوا بأخذه على متن سيارة تاكسي إلى مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا، حيث أجريت له عملية إسعاف عاجلة عقب وصوله. الألغام زرعت حديثاً يتهم عادل يحيى محفل عم الطفل أسامه من وصفهم ب«بقايا نظام صالح» بزرع الألغام حديثاً حول الوزارات، قائلاً إن معظم الوزارات زرعت فيها الألغام تحسباً لانفجار الوضع مجدداً بين أنصار الشيخ صادق الأحمر وقوات الحرس. وأضاف «جاء يوم أمس (الاثنين) ضابط من البحث الجنائي إلى المستشفى، وأخبرني أثناء حديثي معه أن سبب عدم قيام حراسة الوزارة بإسعاف ابن أخي هو خشيتهم من وجود ألغام كثيرة زرعت في داخل الحوش بالقرب من سور الوزارة». وكانت منظمة أمان حذرت من قيام من وصفتها ببقايا النظام بتلغيم الوزارات والمنشآت الحكومية في الحصبة. وقالت المنظمة إنها تلقت معلومات مؤكدة تفيد بتلغيم عدد من المنشآت الحكومية في الحصبة، مطالبة بسرعة نزعها حتى لا تتكرر مأساة الطفل التي وقعت في وزارة الصناعة والتجارة. وعبرت المنظمة عن أسفها الشديد لما حدث، وقالت إن حادثة الطفل كانت مأساوية فعلا، مطالبة الرئيس هادي وحكومة الوفاق بمنع دخول المواطنين إلى المنشئات الحكومية في الحصبة حتى يتم تصفيتها من الألغام. وحاولت «المصدر أونلاين» التواصل مع وزير الداخلية، لكنه لا يرد.
الانفجار يثير الرعب وسط السكان تسبب انفجار اللغم في بث الرعب بين سكان منطقة الحصبة، الذين يفكر بعضهم في مغادرة منازلهم، خشية أن يقع في كمين لغم مزروع في مكان ما. أحمد الحميدي مستأجر منزل بالقرب من وزارة الإدارة المحلية قال ل«المصدر أونلاين» انه قرر عقب سماعه الخبر مغادرة منزله على الفور، لأن لديه 6 أطفال ولا يريد أن يخسرهم. ويضيف «استبشرنا خيراً بإنهاء المظاهر المسلحة، لكن الألغام لا ترحم أحداً، ولن تهتم بنا الدولة وقد نقع ضحايا تلك الألغام كما حدث لهذا الطفل». جاره ناصر السليمان يقول انه قرر منع أبنائه من الخروج للعب في الحي الذي يسكنه، لكنه لن يغادر منزله الذي يملكه، مطالباً في الوقت ذاته الرئيس هادي والحكومة واللجنة العسكرية بسرعة تشكيل لجنة تقوم بنزع الألغام تفادياً لوقوع خسائر أخرى. وفي الحي الذي يسكنه الطفل أسامه المبتورة قدمه بفعل اللغم، يخيم الحزن على السكان، فيما يبدو الحي خالياً من الأطفال تخوفاً من أن يقع طفل آخر ضحية للألغام. ويأمل سكان حي الحصبة أن تسارع لجنة الشؤون العسكرية المكلفة بإزالة المظاهر العسكرية، بسرعة النزول إلى الوزارات والمجمعات الحكومية والبدء بالبحث عن الألغام المزروعة، والتخلص من مخلفات حرب الحصبة وإعادة الأمن إليهم.