في مقال للكاتب والمفكر الإسلامي محمد الشنقيطي المنشور في 13 يوليو 2011 على موقع الجزيرة نت والمعنون ب«خواتيم الثورة اليمنية» يقول الكاتب: تبدو خواتيم الثورة اليمنية متجهة إلى أحد مسارات ثلاثة: أولها: تصعيد جريء في صنعاء يخرج الثورة من روتينها الحالي، ويفرض على الأحزاب الانخراط في فعل الثورة وصناعة البديل، ويكون هذا التصعيد في شكل زحف هادر على القصر الرئاسي وأهم مفاصل الدولة في صنعاء، ولا يتوقف إلا بعد انهيار سلطة علي صالح وأقاربه، وقد يكون هذا المسار أفضل البدائل وأقلها ثمنا، رغم أنه لن يتم من غير دماء وشهداء. هذا ما قاله الكاتب في يوليو من العام الماضي وقبل توقيع المبادرة، وهنا سؤال يطرح نفسه، هل مازال الثوار بحاجة لهذا المسار؟ وإن كانت الإجابة بنعم، ما هي الأسباب التي تجعلهم يلجئون لهذا المسار وبالذات في ذكرى جمعة الكرامة؟ والآن مضى عام على جمعة الكرامة والتي تحول بعدها مسار الثورة اليمنية كلياً فقد انضم بعدها قادة عسكريين وقبليين ودبلوماسيين ومثقفين وشرائح مختلفة من عامة الناس و أصبح علي صالح بعدها يبحث عن مخرج له لأنه أصبح وحيداً لا يقف معه سوى أصحاب المصالح الفاسدين والجهلة من العوام. أُنجز خلال هذا العام انتخابات رئاسية أفرزت عن رئيس هادي جديد، وحكومة وفاق وطني مناصفة مع بقايا نظام سابق كان الجميع ينادي برحيله الكامل، وقانون حصانة لعلي صالح وأبناءه وأمناء سره، وشباب ثورة لا زالوا في الساحات. وقبيل ذكرى جمعة الكرامة بأيام وبعد أن أصبح علي صالح رئيساً مخلوعاً، يصف هذا المخلوع الثورة اليمنية بأنها «ثورة بلاطجة وتخلف» ويتهدد ويتوعد ويتبجح ولا يستحي أنه طالب بقانون حصانة يحميه من الجرم الذي اقترفه في جمعة الكرامة وما تلتها من جرائم أخرى خلال هذه الثورة، بل وما سبقها من جرائم شتى خلال الثلاثة عقود الماضية. ثمة حقيقة لا يستطيع أحد أن ينكرها مفادها أن علي صالح لازال يدير مقاليد الأمور ولو من الباطن من خلال أبنه وأبناء أخيه ورموز حزبه الفاسد وأنصاره الذين لا يزالون يخوضون رهان خاسر بمساندتهم له، ولازال مستمراً بقتلنا بموجب قانون حصانة فرضته علينا دول ديكتاتورية وأخرى تؤمن بالحقوق والحريات لها ولأفراد شعبها ولا تؤمن به لغيرها. وأحمد علي يقوم بالمستحيل من أجل تحقيق حلمه المستحيل بأن يكون رئيساً لليمن، ويحي محمد صالح لازال يظن نفسه سفير النوايا الحسنة ويؤسس منظمات ومؤسسات منها منظمة (ارحلوا عن حاراتنا) والتي تقوم بإنزال تهنئة على صفحة كاملة لرئيس الجديد على صحيفة الثورة (ثورة البلطجة). نعم مازالت صحيفة «ثورة البلطجة» تُحاصر من قبل بلاطجة وصحفيين مستأجرين باعوا ضمائرهم وأقلامهم بأبخس ثمن، وما يزال وزير الداخلية غير قادر على إرسال مجموعة من أفراد شرطة النجدة لحماية الصحيفة لأنه لليوم لازال أفراد النجدة يدينون بالولاء للقوسي وليس لليمن. وانطلاقاً من ذلك وفي العدد الصادر يوم السبت بتاريخ 10 مارس من تلك الصحيفة وفي مقال لمعاذ الخميسي بعنوان (الصحافة "مهنية" أبلغ رد!؟) يصف الخميسي على صالح ب«فخامة الرئيس السابق». حتى اليوم لازالت أبراج الكهرباء تقصف والناس تخاف عندما تنقطع الكهرباء أنها ربما لن تعود ليس لسبب غير أن هناك من يحقد على شعب تعب من حكم مستبد فاسد وتطلع للتغيير بكل فئاته سواء كانوا معارضين أو مؤيدين وخرجوا يوم الواحد والعشرين من فبراير الماضي يريدون أن يستبدلوا رئيساً فاسد بآخر يتمنون أن يكون هو رجل المرحلة بكل ما تعني الكلمة. حتى اليوم لازالت مديرة مدرسة بتعز تستأجر بلاطجة ليعتدوا على طالبات خرجن يطالبن بإقالتها، ووزير التربية والتعليم لم يستطع أو قل لم يصدر قراراً بإقالتها من منصبها، ليس لأن طالباتها لا يردنها بل لأنها استقدمت بلاطجة قاموا بالاعتداء عليهن في واضح النهار. إلى اليوم ولا تزال قنوات التلفاز الحكومية الممولة من قوت الشعب تمجد السفاح بشار الأسد وتغض الطرف عن جرائمة، ووزير الأعلام لايحرك ساكناً بل لايزال يستعين بمستشارين قانونيين يتبعون الوزير السابق ويدينون بالولاء له. في الأسبوع الماضي فُجع اليمنيين بمقتل أكثر من 150 من أبناء الجيش والأمن في مجزرة حقيرة في دوفوس بأبين، ليس لهم ذنب سوى أنهم وضعوا تحت ما كان يريد علي صالح أن يثبته للعالم عامة ولأمريكا خاصة بأنه بعد رحيله ستسيطر القاعدة على اليمن، وحقيقة الأمر أنها كانت مؤامرة دنيئة أودت بحياة هؤلاء الجنود والجميع يعرف، و أمريكا أيضا تعرف، من المدّبر الرئيسي لهذه المجزرة المروعة، ومع ذلك تغاضت أمريكا! حتى هذه اللحظة لم يتخذ الرئيس هادي القرارات الأقوى التي ينتظرها ناخبوه وشعبه منه ويقوم بخطوات سريعة في البدء بهيكلة الجيش والأمن قبل تدشين الحوار الوطني للمصالحة لكي يكون حواراً بناءً يفضي إلى مصلحة اليمن واليمنيين جميعاً. لذلك كله وبعد مرور عام من جمعة الكرامة التي غيرت مسار الثورة واليمنيين، هل مازالت الثورة بحاجة لمسار الفعل الثوري الذي تحدث عنه محمد الشنقيطي في مقاله؟ هل لابد من العودة للمسيرات، وليس البقاء فقط في الساحات؟ هل هناك حاجة اليوم إلى تجمع كل فئات الشعب، كل من شارك في الساحات، كل من حضر الجُمَع والصلوات، كل أمهات الشهداء والأبناء والزوجات، كل من بحّ صوته وهو ينادي بالرحيل وغنى وأنشد للوطن وللساحات. مسيرات حاشدة تهز الأرض من تحت أقدام علي صالح تقول له لم يعد لك بقاء، إما أن ترحل أو تسكت في دارك لأننا سئمناك وأصبح نهيق صوتك يزعجنا ويزعج شهدائنا فهم يريدون أن ينعموا بالسلام، مسيرات تقول لعلي صالح أن قانون الحصانة لن يعفيك وستُحاكم وستستمر دماء الشهداء تلاحقك وتلاحق أعوانك القتلة حتى آخر يوم من حياتك وحياتهم، مسيرات سلمية يحملون فيها الورود ويهتفون برحيلك من اليمن وليس فقط من القصر الرئاسي بل مسيرات تنادي بمحاكمتك وتطالب بإرجاع الأموال المنهوبة وتجميد الأرصدة المسروقة، وليعلم علي صالح من خلالها أن الفعل الثوري لازال له بالمرصاد وأن شباب الساحات لم يملوا ولم يكلّوا وأنهم لازالوا يتمنون أن يهبوا الوطن أرواحهم قبل أجسادهم وبأن عزيمتهم وتصميمهم كالجبال الشامخات وأنهم مؤمنون بعدالة قضيتهم لأنها قضية وطن كامل وليست مجرد قضية ساحات. وكما قال الكاتب محمد الشنقيطي في خاتمه مقاله: «ويبقى على الثوار اليمنيين أن يدركوا لعبة الأمم، ويحسموا الأمر بأيديهم قبل خمود وهج الثورة، فلكل ثورة نفس يطول ويقصر، لكنه لا يدوم، وفي كل الأحوال فإن خروج اليمن من مأزقه، والوفاء لدماء الشهداء يستلزمان عدم الرضاء بثورة موءودة جديدة في اليمن».