أنت تعرف جيدا سيادة الرئيس أن وصولك إلى سدة الحكم كان نتاج ثورة شعبية عارمة، ارتوت من دماء خيرة أبناء الوطن، وقدم فيها اليمنيون أعظم التضحيات، وتحمل خلالها أبشع أصناف العقاب الجماعي والتجويع والترويع والإرهاب. وأن هذا الشعب العظيم الثائر الذي تشبع بحب الوطن وقدم من أجله الغالي والنفيس هو من خرج بالملايين ليمنحك شرعية قيادة البلد رغم كل الصعاب والمخاطر التي واجهها في سبيل مشاركته التي ترتب عليها طي صفحة حكم العائلة ومن ثم منحك الشرعية الشعبية الكاملة، وهو إذ شارك بذلك الاستحقاق التاريخي كان يدرك جيدا أنه يحملك مسؤولية تاريخية أيضا، ويضع على عاتقك مهمة جسيمة توجب عليك العمل بكل تفاني وإخلاص وجهد، بما يلبي مطالب الشعب الثائر ويحقق أهداف ثورته العظيمة دون تهاون أو إغفال أو تجاوز لأي هدف من أهدافها، كون تلك الأهداف التي تفجرت الثورة من أجل تحقيقها مكتملة دون نقصان، تسعى لإنقاذ الوطن من حالة التدهور والبؤس التي أوصله إليها الطاغية المخلوع خلال عهد حكمه الاستبدادي البغيض، واستعادة كرامة وعزة المواطن اليمني الذي تفنن الطاغية المخلوع في تشويهها من خلال سياسات التجويع والإفقار والتجهيل وزرع الفتن وإثارة الصراعات بين أبناء الوطن الواحد، كي يصفو له الجو فيتمكن من تثبيت دعائم دكتاتورية حكمه البغيض. وبالتالي ياسيادة الرئيس فإن من الأهمية بمكان أن تعرف بأن تلك الأهداف بالنسبة للشعب هي مقدسة قدسية ثورتهم العظيمة بل قدسية دماء وأرواح شهدائهم الأطهار، ولعمري أن عدم إنجازها، لا بل أن أي تهاون عن تحقيقها دون أية نقصان، لهو خيانة لا يوازيها في الجرم خيانة؛ خيانة للوطن والشعب والثورة التي حملتكم أمانة العمل وفق مايقتضي إنجاز أهدافها. علينا أن نتذكر بأن الشعب لم يعد يقبل بأنصاف الحلول أو يتعاطى مع من يبيعه الأوهام أو يكون سببا في إعادة خطواته إلى الخلف... قلتها يا سيادة الرئيس في معرض أدائك لليمين الدستورية، وأحسب أنك لن تتراجع عن هذه القناعة أو حتى تغفلها لوهلة، خصوصا أن هناك الملايين من أبناء الوطن تسندك وتؤازرك وتقف إلى جانبك طالما أنت قائم على ما أوكل إليك بشجاعة وأمانة وتفاني الفرد المخلص لشعبه ووطنه. إننا إذ نتابع باهتمام بالغ التطورات الأخيرة على المشهد السياسي، ونراقب بعناية أداء حكومة دولتكم وماقدمته وما لم تقدمه أو حتى تتجرأ على طرق بابه إلى هذه اللحظة، والذي نحسب أنه قصور يجب تداركه أو الدفع برئيس الوزراء ووزراء الحكومة للإفصاح عن الأسباب التي تحول دون أداء مهامهم على أكمل وجه، ونحن إذ نتابع ذلك بإهتمام بالغ نرى جليا حجم التحدي الكبير الذي يقف أمام المضي في تحقيق المشروع الوطني، ويشكل خطرا كبيرا على استمراره، وذلك نتيجة التدخلات المستمرة للطاغية المخلوع في مهام حكومة التوافق الوطني، واملاءاته المتواصلة على بعض الوزراء الذين لا يزالون -وللأسف- يدينون له بالتبعية والولاء أكثر من ولائهم للوطن والشعب. وهو إذ يصر على الاستمرار بتدخلاته الهوجاء وتصرفاته الصبيانية التي تشكل تهديدا حقيقيا ومقلقا على المشروع الوطني الذي يهدف إلى بناء الدولة المدنية الحديثة، دولة الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة والعيش المشترك، والتي كانت هي الأخرى الهدف الأسمى الذي قامت الثورة وبذلت التضحيات الجسيمة في سبيل تحقيقه، يستمد الجرأة على ذلك الإصرار من القوة العسكرية التي لا زال يسيطر عليها أنجاله، ويستخدمونها -كما لم يعد يخفى على أي عاقل- في إثارة القلاقل ودعم وإذكاء أعمال التخريب والعنف والإرهاب التي تنفذها أطراف وجماعات عديدة لا يهمها خطورة وحساسية المرحلة ولا مستقبل الوطن كما لا يهم الطاغية وأنجاله أيضا. وهذا ما يحتم عليكم اتخاذ مواقف جريئة وحازمة وشجاعة لوقف تدخلات الطاغية المخلوع الذي لا زال يتصرف بعقلية «الشيخ طفاح» المالك للبلاد والعباد، وإبعاده عن العمل السياسي الذي يتخذ منه غطاء لتمرير وتنفيذ مخططاته الحاقدة، وتخليص الوحدات العسكرية من سيطرته وأنجاله ونفوذهم عليها، والبدء بإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية على أسس وطنية كضرورة ملحة لضمان نجاح مشروع الحوار والمصالحة والمضي في إنجاز الدولة المدنية الديمقراطية. وإن كان الطاغية المخلوع يستمد قوته من الوحدات العسكرية التي لا زال يسيطر عليها أنجاله، فلتعلم يا سيادة الرئيس أنك تستمد قوتك من قوة الإرادة الشعبية التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقف أمامها أي قوة عسكرية في الكون، مهما كانت غطرسة وعنجهية وصبيانية من يقودها ويتحكم بها. ومن المؤكد أنها لن تتوقف تلك التدخلات الهوجاء مالم تتخذوا موقف يسجله لكم التاريخ وينحته الشعب في أنصع صفحات المواقف الوطنية الشجاعة والمشرفة، ويدفع الجمهور للالتفاف حولكم ومساندتكم لمواجهة غطرسة وعنجهية وصبيانية المخلوع وأنجاله مهما كانت التضحيات. فمن عبث بمقدرات وخيرات الشعب وهو يحمل على عاتقه أمانة ومسؤولية قيادته، فنهب ثرواته وأدخله في أتون صراعات وحروب كبدته خسائر بشرية واقتصادية فادحة، وجعلته يقبع تحت نير الفقر والجوع والجهل، ويتكفف دول الجوار والأصدقاء راجيا معونات ومساعدات تنقذه من خطر الانهيار؛ لن يتوانى أو يتردد لوهلة في إذكاء نار الصراع والاقتتال وزرع الفتن بين أبناء الشعب وقد أصبح في نظرهم مجرد قاتل ومجرم حرب متهم بارتكاب مجازر توجب القبض عليه ومحاكمته والقصاص منه جزاء بما اقترفت يداه. ولتعلموا يا سيادة الرئيس أن عين الشعب صاحية ترقبكم وترصدكم ولن تنام ما زال هناك قلب ينبض بالثورة والحرية في هذا الوطن، وأن دماء الشهداء وأنات الجرحى تستصرخ هممنا وإرادتنا وعزائمنا وتصرخ في آذاننا صبح مساء، مما يمنحنا القوة والقدرة على استمرارنا بالثورة حاملون رؤوسنا على أكفنا حتى نرى حلمهم واقعا معاشا أو أن نلحق بركبهم عن آخرنا، ومواجهة أي انحراف أو تقصير أو استخفاف بحقوق ومطالب الشعب الثائر وبكل قوة وعزيمة. وهذا ما يضعكم أما خيارين لا ثالث لهما، أن تسندوا ضهوركم إلى إرادة الشعب الذي لن يتخلى عنكم وتستمدوا قوتكم منه فتتبنوا مطالبه وتعملوا على تحقيق أهداف ثورته التي تشكل بمجملها قواعد المشروع الوطني، أو أن تديروا ظهوركم له وتتنكروا لثورته السلمية وهذا ما نستبعده ولا نرجوه كونه خطيئة لا يقدم على ارتكابها حليم. وأخيرا أختم بهذه الكلمات التي قالها عن صدق الكاتب الرائع الدكتور مروان الغفوري، وهي لسان حالي كما هي لسان حال كل من يتعشم فيكم خيرا ويأمل بمواقفكم مستقبلا مشرقا للوطن (لا يمكن أن أتخيل وجود ميكروغرام واحد من الشرف في قلب وعقل أي شخص يتخلى عن هادي في هذه اللحظة، في حال ما إذا كان قد قرر بالفعل لانحياز للمشروع الوطني).