القراءات المتأنية والعقلانية للوضع الحالي تحتم موقف وطني موحد من اجل القضاء على بؤر التوتر في منطقة الجزيرة العربية ، فالرؤية أصبحت شبه واضحة في وجود مخطط لخلق بؤر توتر جديدة في منطقتنا لتحقيق مصالح معينة لدول او جهات تقف وراء تلك المخططات بصورة مباشرة أو غير مباشرة. فمهما اختلفنا يجب أن نعي أن الاختلاف رحمة للمجتمعات من اجل الإصلاح والتغيير ، ولكن يجب ان لا تجرنا الاختلافات إلى جعل الوطن مسرحاً لصراعات أطراف أخرى على حساب مصالحنا الوطنية وتنميتها . فاستقراء الأحداث الأخيرة التي حدثت في صعدة تعطينا دلالات على وجود خطر يحدق بالمنطقة برمتها ، وليس من مصلحة اليمن بل والمنطقة التساهل على مثل هذه التطورات وتصعيداتها ، ويتوجب على الجميع رص الصفوف والوقوف موقفا واحدا لمواجهة التحديات التي باتت تهدد أمن المنطقة .
قد تكون السلطة الحالية في اليمن ارتكبت خطأ في الماضي في التعامل مع هذه الحركة ، وأخطأت في التعاطي مع الأزمة في بدايتها منذ خمس تقريبا ، بل وفشلت في حسم القضية بسرعة ، فالتأخير يكلف الوطن الكثير من التضحيات ، ولكن كل هذا ليس مبررا للهروب من موقف المواجهة الموحدة لأي مخططات تعصف بأمن اليمن أو المنطقة ، ثم إن هذه الحركة ادعت سابقاً بأن مطالبها حقوقية ، فهل تغيرت هذه المطالب ليصل الأمر إلى العبث بأمن واستقرار اليمن وجرها إلى صراعات إقليمية وجعل الوطن مسرحاً لها؟ .
إن الصراع بين السلطة وهذه الحركة صراعاً داخلياً أما تجاوزها لحدود الصراع الداخلي يحمل في طياته دلالات أخرى ، ربما يكون أهمها تنفيذ أجندة لجهات خارجية من اجل إقحام المنطقة في صراع إقليمي طويل المدى قد يكون أرض خصبة لتدخلات دول ذات نفوذ عالمي إذا ما تم حسمها بصورة سريعة .
لا ينكر احد عمق الصراع بين السلطة والمعارضة في اليمن ، ولا يمكن تجاهل كثير من القضايا والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي فاضت بعد أن بلغ السيل الزبى!
ولكن أصبح الموقف الآن يحتاج إلى قراءات أكثر دقة وتأني، لأن القضية أصبحت متعلقة بمستقبل الوطن ، ومستقبل أبناءنا وأجيالنا القادمة .
أعتقد أن على السلطة الآن فتح صدرها برحابه للجهات الوطنية المعارضة في الداخل والخارج والجلوس معهم على طاولة الحوار في سبيل الخروج بمشروع إنقاذ وطني متفق عليه من الجميع ، فليس معيباً أن تعترف السلطة بوجود أخطاء ، بل بالعكس الاعتراف بهذا يعكس مدى شعورها بالمسئولية تجاه الوطن وأزماته ، بل يقوي موقفها أمام الرأي العام ، وعلى المعارضة الوطنية تفهم الوضع خصوصاً في هذه المرحلة التي أصبحت الأمور فيها على المحك ، حيث بلغت الأزمات ذروتها بصرف النظر عن أسبابها.
اليمن لا يواجه فقط حركة تمرد في أقصى شماله ، بل يواجه غليان في جنوبه ووسطه ، ويواجه إشكاليات الفقر والجوع والبطالة واستشراء الفساد في جسم وعظم الدولة ، كل هذه الإشكاليات بحاجة إلى حلول يشارك فيها كل أبناء الوطن ، وعلى السلطة كذلك إشراك كافة الأطياف في الحياة السياسية وتوسيع مساحة الهامش الديمقراطي الذي يحفظ للإنسان حريته التي ضُيقت ، وكرامته التي أُهينت ، وحقوقه التي سلبت ، أصبح اليمن اليوم بحاجة إلى إرادة حقيقية من أبناءه تقدم فيه مصلحة اليمن وأمنه واستقراره فوق كل المصالح اياً كانت ..