اختتم مساء اليوم الثلاثاء وفد إعلامي يمني زيارتة للمملكة العربية السعودية "لبحث الموضوعات المتعلقة بآفاق تنمية وتوسيع التعاون الإعلامي بين البلدين الشقيقين". في حين رجح مراقبون أن تكون هذه المباحثات على صلة بالحرب العسكرية والإعلامية التي يخوضها البلدان ضد المتمردين الحوثيين. الخبر الذي بثته وكالة الأنباء اليمنية سبأ، كان طابعه رسمي بحت. حيث تطرق إلى أن الجانبين - بقيادة وزيري إعلام البلدين - ناقشا الحرص على تعزيز العلاقات الإعلامية الثنائية، وتوسيع سبل التعاون الإعلامي، وتبادل الخبرات والزيارات، بما يخدم العلاقات الأخوية الثنائية، بين البلدين، والشعبين الجارين، وكذا مناقشة آليات تنفيذ عدد من البرامج التنفيذية للتعاون الإعلامي للأعوام 2010-2012م التي تشمل كافة جوانب التعاون الإعلامي لا سيما التعاون بين وكالتي الأنباء ومؤسسات والإذاعة والتلفزيون والمؤسسات الصحفية في البلدين الشقيقين.
غير أن التوقيت الحالي، ومستوى الحضور الرسمي اليمني، يحمل الخبر معان أخرى. قد يكون أبرزها: فتح باب التكهنات، حول إمكانية النظر إلى اللقاء بإعتباره محاولة لتدارس ومراجعة الأداء الإعلامي المرافق للحرب التي يخوضها البلدان، على الحدود، مع المتمردين الحوثيين. ومن ثم التوصل – ربما – إلى إتفاق مشترك، بخصوص تنسيق المواقف الإعلامية بين الجانبين.
إن توقيت ذلك اللقاء، في خضم تلك المعارك الدائرة، التي يخوضها النظامين، ضد المتمردين الحوثيين، على حدود البلدين، وكذا إحتواء الوفد اليمني، على رؤساء المؤسسات الإعلامية الرسمية اليمنية، مثل: نصر طه مصطفى – رئيس مجلس إدارة وكالة الأنباء اليمنية سبأ، والعميد علي حسن الشاطر – رئيس دائرة التوجيه المعنوي، رئيس تحرير صحيفة الجيش (26 سبتمبر)، وعلي ناجي الرعوي – رئيس مجلس إدارة مؤسسة الثورة، وسمير اليوسفي – رئيس مجلس إدارة مؤسسة الجمهورية، ورئيس قطاع التلفزيون قناة اليمن الفضائية حسين باسليم، ورئيس قطاع التلفزيون قناة يمانية الفضائية الدكتور خالد عبد الكريم ومدير عام مؤسسة باكثير عبد العزيز جابر.. ومن الجانب السعودي، إلى جانب وزير الإعلام، كان هناك، وكلاء الوزارة، وعدد من المسؤولين في المؤسسات الإعلامية، على رأسهم رؤساء تحرير الصحف السعودية.. لهو أمر يشكك – بالنسبة للمتابعين السياسيين، والإعلاميين - من أن يكون اللقاء، روتينياً وعادياً.
ومع أنه لا يمكن إستبعاد، الفرضية الأولى بكون اللقاء طبيعياً، وروتينياً بحتاً، كما أوردته وكالة الأتباء اليمنية، إلا أن ما يجعل من الفرضية الأخرى، متاحة – إلى حد ما، على الأقل – هو تلك الكيفية التي أدار فيها الجانب اليمني الحرب إعلامياً، طوال الفترة الماضية. من كونه أتسم بضعف في الأداء، بما يمكن القول أنه فشل – غالباً - أثناء تعامله مع الكثير من القضايا، وخصوصاً ما يتعلق بالمصداقية، أو ما يمكن وصفه بالحرب الإعلامية النفسية، وذلك مقارنة بالكيفية التي خاض فيها الطرف الآخر (المتمردون الحوثيون) حربهم الأعلامية، مع النظام، من حيث أنه أثبت قدرات وإمكانيات لم تكن متوقعة.
ذلك، أمر. أما الأمر الآخر، ربما، ما تلاها لاحقاً بالنسبة للجانب السعودي، بعد دخول القوات السعودية ساحة المعركة بقوة من حيث الأداء الحربي الميداني، ولكن مع بعض الإخفاقات الإعلامية التي يبدو أنها تشابهت في بعضها مع الأداء الإعلامي اليمني – وإن إلى حد ما - خصوصاً فيما يتعلق بتقديم معلومات غير دقيقة.
ويمكن الإستدلال ببعض الأخبار، لإثبات ذلك. منها على سبيل المثال: تكرار بعض الأخبار – سواء تلك الصادرة من جهات رسمية يمنية، أو المسربة من مطابخ النظام - تفيد بقرب إنتهاء المعارك، أو تطهير بعض المناطق التي يسيطر عليها المتمردون. يكتشف بعد ساعات أو أيام قليلة، عدم دقتها، حيث يتم ضخ أخبار متعارضة معها تفيد أن المعارك ما تزال دائرة في تلك المناطق.
وبالمثل، بدأ الإعلام السعودي – منذ اليوم الأول - بالحديث عن تطهير جبل دخان من المتمردين، ومن ثم وبعد أيام قليلة فقط، نشرت أخبار أخرى تؤكد أن المعارك ما زالت تدور بشدة في الجبل ذاته.
وعلى المنوال ذاته، كانت الأخبار المسربة عن طريق مصادر عسكرية يمنية، تفيد أن القائد الميداني للمتمردين قتل في قصف جوي، وأخرى عن مقتل الرجل الثاني في حركة التمرد عبد الله الرزامي، وقبلها وسيط الحوثيين، صالح هبرة.. غير أن جميع تلك الأخبار كانت تثبت عدم دقتها بعد أيام من نشرها..
ومثلها صرح مسئولون عسكريون عن إعتقال، أو مقتل بعض القيادات الميدانية للمتمردين ممن توجد أسمائهم ضمن قائمة ال 55 قيادي المطلوبين للإعتقال لمحاكمتهم. وبعد أيام لوحظ أن السلطات ما زالت مستمرة في توزيع القائمة ذاتها دون حذف من تم إعتقالهم، أو قتلهم، من القائمة، أو حتى الإشارة إلى اسماء من تم القبض عليهم أو قتلهم منهم..!
وبنفس الإتجاه، ذهب الإعلام السعودي يتحدث عن إعتقال، شخص اسمه: عبد الله عبد الملك الحوثي (بما يعني أنه نجل عبد الملك الحوثي، الذي ليس لديه هذا الإبن)، وكذا الحديث عن مقتل الناطق الرسمي للمتمردين محمد عبد السلام، الذي ظهر صوته بعد ساعات في قناة المنار..!
ربما كان ذلك الأداء الإعلامي، يفهم لدى الإستراتيجيين الإعلاميين لدى الدولتين، على أنه ينضوي في إطار الحرب الإعلامية والدعائية النفسية، المطلوبة من منظور إدارة الحروب المشابهة على ذلك الأساس.
غير أن ما يثير الريبة، أكثر وربما يرجح كفة الحديث عن اللقاء بكونه لقاءاً غير عادياً، هو محاولة تجاهل الإعلام اليمني الرسمي – بشكل لافت – لما يدور على الحدود، بعد دخول المملكة الشقيقة كمتغير جديد في المعركة مع الحوثيين..!
فالجانب اليمني، فضل التعامل إعلامياً مع الأمر، بالتجاهل الواضح. فهو – ربما ضمن تنسيق مسبق – يرفض نشر اية أخبار عما يدور في تلك الجبهة الحدودية، من معارك بين المتمردين والقوات السعودية. بينما يستمر في مواصلة نشر أخبار المعارك التي يخوضها الجيش اليمني في بقية الجبهات الأخرى.
ربما يأتي ذلك، من باب التعامل الإحترازي مع الأمر من حيث حساسيته، كونه يطال السيادة اليمنية. حيث قد يعني نشر الأخبار عن معارك الحدود بين المملكة الشقيقة والمتمردين الحوثيين، إما الإقرار بالفعل، أو وضوح التهرب من إقراره. الأمر الذي قد يثير ردة فعل داخلية، من قبل الفعاليات السياسية التي تطالب بإيقاف الحرب، وتجد من قبول اليمن بالتدخل السعودي أمراً معيباً، ومخلاً بالسيادة اليمنية. وإما من وجهة النظر القانونية التي تتطلب موافقة مجلس النواب على مبررات ذلك التدخل، وهو الأمر الذي يسبقه تقديم طلب رئاسي بالموافقة وفق مبررات واضحة..!
وإذا ما أفترضنا أن الأمر يسير على ذلك النحو، فإن الأمر سيتطلب توضيحاً، من القيادة اليمنية للشقيقة السعودية، لتوضيح حساسية موقفها إزاء تلك المعارك، من الناحية الأعلامية، وهو ما قد تتفهمه المملكة، أو تكون قد تفهمته مسبقاً دون الحاجة إلى مثل هذا الوفد الإعلامي الرفيع، للقيام بذلك الدور.
على أن مواجهة الإعلام المعادي سواء الداخلي للحوثيين، أو الخارجي عبر وسائل إعلام الدولة الإيرانية، ربما يتطلب تنسيقاً مشتركاً يفترض تدارسه من قبل رؤؤس الإعلام بين الجانبين.
أما القول أن اليمن يمكنها أن تقدم نصائح إعلامية للمملكة، فهو أمر من النادر التفكير به، إلا إن كان الأشقاء في السعودية غير مطلعين على إخفاقات الإعلام اليمني في مواجهة الكارثة..!! وذلك امر لا يمكن الجزم به، كون التحذيرات المصرية للقيادة اليمنية من إدائها الإعلامي الكارثي، من الضرورة أن يكون قد بلغ النظام السعودي في وقته.
حيث يقال أن مدير جهاز المخابرات العامة المصرية، الوزير عمر سليمان، حين زار اليمن، في مايو الماضي، مع وزير الخارجية المصري ابو الغيط، قدم نصيحة للرئيس اليمني، مفادها: أن إستمرار الإعلام اليمني بالتعامل مع الحرب في صعدة، بتلك الطريقة، من شأنه أن يدخل اليمن إلى محكمة العدل الدولية..
خلاصة الأمر: إن لقاء الأثنين والثلاثاء الماضيين، بين القيادات الأعلامية الرسمية اليمنية، ونظرائهم في المملكة، من شأنه أن يحوي الكثير من التفسيرات الأخرى التي يمكن أن تبرز في مثل هذه الظروف..
على أنه لا يمكن الجزم تماماً بطبيعة ما أسفر عنه اللقاء، إلا من خلال ما ستسفر عنه الأيام القادمة على الأرض.. فيما لو لوحظ تغيراً لأداء أحد الطرفين عما كانت عليه خلال الأيام الماضية.