فاز أول رئيس مدني بانتخابات ديمقراطية في مصر، ويحق للمصريين أن يفخروا، محمد محمد مرسي يدخل القصر الجمهوري كأول رئيس مدني لمصر واول رمز للتيارات الإسلامية تعترف به كل الحركات بعد أن بدأت تتبرأ من الرئيس الصومالي والسوداني كأحد قادة التيار الإسلامي في البلدين، كان جواً ديمقراطياً مذهلاً ومبهراً، وكانت ساحة التحرير تعج بالمؤيدين للرئيس محمد مرسي، وكنت أحبس أنفاسي خوفاً من أن يعلن عن فوز المرشح البديل أحمد شفيق، إلى أن أعلن عن فوز مرسي الذي أبهج الجميع كنصر للثورة العربية في مصر.. ما جرى في مصر كان بديعاً.. لكنه يدعونا جميعاً للملاحظة والتأمل وهو ما سأحاول أن ألخصه على عجالة بالتالي: أولاً: سوء إدارة المجلس العسكري للمرحلة الانتقالية في مصر عزز الانقسام داخل المجتمع المصري وحاول أكثر من مرة أن يعرقل حركة التاريخ وأن يعيدها إلى الوراء بمحاولته عدة مرات إثناء الثوار في مصر عن الحصول على أهدافهم وكأن المجلس أراد أن يختبر أعصاب هذا الشعب سواء بإدارة البلد أو بمحاكمة مبارك أو بالتعاطي السياسي مع قضايا الدستور بالإضافة إلى المواد المكملة، بالإضافة إلى وقفته الكبيرة إلى جانب شفيق بالانتخابات الرئاسية ولا يحسب للمجلس سواء إدارته للانتخابات التشريعية والتزام الحياد فيها.. ثانياً: لا أدري هل يمكنني الحديث عن صفقة تمت بين المجلس العسكري والإخوان أدت إلى نجاح محمد مرسي أم لا ؟ حيث أن حركة الإخوان المسلمين مع الجناح السياسي لها آثرت الصمت عن قضية حل المجلس التشريعي وكأن شيء لم يكن، حيث تم التعاطي مع قضية حل المجلس التشريعي من قبل الإخوان كما لو أنه وجهة نظر وليس حكماً قضائياً، ولم تنزل الملايين للشارع كما نزلوا لحظة انتظار فوز محمد مرسي رئيساً للبلاد وهو ما يدعو إلى التساؤل والتعجب والقلق، كما أن محاكمة أعضاء المجلس العسكري بقضايا لها علاقة بالنظام السابق ولها علاقة بالتعاطي مع المرحلة الانتقالية لن تتم وهي المكملة للصفقة، حيث أنه حسب الدستور المصري بأن من حق رئيس الجمهورية حل المجلس التشريعي وهذا يجعل اختيار الإخوان لمنصب الرئيس ذو أهمية أكبر.. وأترك للقارئ تحليل هذه الصفقة بحصول السلفيين على نسبة 20 بالمائة من أصوات الناخبين وعلاقته بحل المجلس.. ثالثاً: الأكثر مدعاة للغرابة والاستغراب في مصر هو صعود التيار السلفي بتلك الصورة المفاجئة ونجاحه في الانتخابات التشريعية ودخولهم المعترك السياسي بتلك الخطابات من نوع ما قاله الشيخ شعبان درويش وهو يصيح " يعتقدون – أى أفراد تلك النخب (يقصد الليبراليين والإخوان - أنهم هم وهم وحدهم من يمثلنا ومن يتحدث باسمنا. إنهم لايأتون الى هنا إلى شوارعنا, إنهم لا يعيشون فى قرانا حيث نعيش, إنهم لا يتجولون فى حوارينا , لآ يلبسون ما نلبس ولا يأكلون الطعام الذى نأكله ولا يشربون المياه الملوثة التى نشرب ولا يعيشون فى مجارى الصرف الصحى كما نعيش ولم يعانوا تجارب البؤس والشقاء التى يعانى منها الناس هنا." "أيها الاخوة نحن السلفيين , من أسسوا حزب النور جزء من الأغلبية الصامتة فى هذا البلد." بالإضافة إلى قول أحد المشايخ السلفيين ناقداً حركة الإخوان إن أعضاء هذا التيار(الاخوان المسلمين) ينتمون فى غالبيتهم إلى الطبقة الوسطى وعندما يخاطبون الطبقات الفقيرة فإنهم يذكرونها بجهودهم ومبادراتهم الخيرية لمساعدتها لكنهم "قلما يتحدثون الى تلك الطبقات الفقيرة عن كونهم جزءاً منها." ويعلق على ذلك الطبيب علاء البهائي وهو أحد قيادات التيار السلفي بالقول:" إن الأحزاب الأخرى تتحدث – أى الى الطبقات الفقيرة- من عل بينما نحن هناك موجودون فى قاع تلك المجتمعات!". لكن من لاحظ تلك الحملات وتلك التصريحات يدرك أنها كانت حملات متشنجة وغاضبة من النخبة المتنفذة في البلد وأن البرامج السياسية للأخوة السلفيين في مصر كانت غائبة.. خلاصة القول لقد حبس الجميع أنفاسهم تخوفاً من أن تتمخض الثورة المصرية وببطْء عن إعادة لسيناريو سقوط شاه إيران عام 1979: انتفاضة شعبية تنبثق عنها ثيوقراطية محافظة.. لكن ذلك لم يحدث وإن كانت النتائج مبهرة بالنسبة لتيار مستجد في العمل السياسي والديمقراطي. رابعاً: إن الثورات اندلعت أملا في تحقيق مستقبل إقتصادي أفضل، وأولويات المصريين بكل توجهاتهم - كما يحددها استطلاع لمعهد جالوب - هى الحصول على وظيفة، ثم التنمية الاقتصادية، الأمن، الاستقرار، ثم التعليم، ويظهر الاستطلاع أيضا انخفاضا في شعبية الإخوان والسفليين مؤخرا بنسبة 20% لأنهم فهموا خطأ أن النسب العالية التي حصلوا عليها في الانتخابات البرلمانية كانت دعما لأفكارهم الإيديولوجية والدينية، ولكنها لم تكن كذلك، بل كانت تصويتا من أجل نظام حكم أفضل.. كما أن "أى حكومة قادمة لن تراعى هذه الأولويات سيطيحها الشباب كما أطاحوا بمبارك ". خامساً: ما يلفت الإنتباه أكثر بالنسبة للثورة المصرية إنتخابات نيابية ورئاسية قبل عمل الدستور وهو كما وصفه الاستاذ هيكل كأنه " زواج بلا عقد " فالأولى هو صياغة دستور جديد أولاً يشرع عمل المجلس التشريعي ومهامه ويشرع أيضاً عمل رئيس الجمهورية ومهامة وصلاحياته ومدة رئاستة وبعد ذلك تتم الإنتخابات.. وهذا ما ينذر بقادم لا نعرف مآلاته.. مبروك للدكتور محمد مرسي هذا الفوز و مبروك لشعب مصر ما أنجز.