الحوار كقيمة حضارية هو أرقى ما توصلت اليه الثقافة البشرية لحل مشاكلها لكنه في المقابل يمثل إحدى الانتكاسات التي يمكن ان تستخدم للتأمر على طرف او شخص او شعب، وأسوأ حوار يعرفه العصر الحديث هو مفاوضات الاستسلام من اجل اللاشيء الذي لم يتحقق في فلسطين ومن هنا كانت نظرة الناس التشاؤمية لأي حوار كان نوعه لأنه غالبا ما يودي إلى زيادة ظلم المظلومين ونصر الظالمين بطرق عدة ابتداء بالفيتو وانتهاء بذبح الثيران وهذا تقريبا ما يجعل شريحة كبيرة من اليمنيين لا تعي معنى الحوار اليمني القادم او تتشائم كثيرا عندما تذكر لها الحوار.. وبصفتي مواطن من تعز لا يهمني من حواركم إلا ان يثمر ثمارا تمنع عني الحوار الكثير مع اصحاب وايتات الماء الذين يملكون في نظري عصب حياتي في مدينتي الحالمة ويهمني ايضا ان تصبح مدينتي نظيفة مرصوفة الشوارع ومنارة بالكهرباء الدائمة ومنبرا للعلم والابداع. وشهاداتي الجامعية أريد منها ان تكون ذات قيمة ليس لجلب استعطاف اصحاب الكفتيريات والمطاعم ليوفروا لي فرصه عمل تحفظ لي جزء من كرامتي.. ما يهمني في تعز ان لا اصبح قدوة سيئة في التعليم لأبنائي الذين يرونني عاطل عن العمل بشهادة دكتوراه او متسول مهذب بدرجة بكالوريوس او ماجستير.. يهمني من حواركم الوطني كمواطن من عدن ان ارى انكم تقدرون الدور الريادي لمدينتي الذي أريده ان يغمرني بعبق نسائمها وكرم عطائها، أريد أن أعبر عن رأيي دون ان تخطفني رصاصة طائشة أو عصابة ناهبة، أريد عملي الذي فقدته في السابق واريد ان تقدر كفاءتي.. لا أريد ان يأتي الآخرون من أماكن بعيدة إلى مدينتي ليملكوا ارضا ويبنون بيتا او قصرا وانا أنام في الشارع او في بيت يكاد يكون قبرا لي.. بصفتي مواطن من قاع جهران، أريد من حواركم ان يؤدي الى ايقاف حواري الدائم مع نفسي في نهاية كل موسم حصاد للطماطم والبطاطس حين ارى جهدي وعرقي يفسد امام عيني عندما تتلف محاصيلي بسبب أنني لا اجد الثلاجات والمخازن التي احفظ بها محصولي.. صدقوني لا يهمني الراعي او الرعوي ولكن يهمني ان يتوفر لي الديزل وقيمته، ولا يهمني من سيحصد اكثر الاصوات في اي انتخابات قادمة لكن يهمني ان توفروا لي حصّادة وحرّاثة وثلاجة لمحاصيلي.. وفي تهامة احلامي بسيطة جدا، فقط اريد ان لايكون طفاح هو المتحكم في حياتي.. أريد لابني ان يتعلم ويكمل دراسته في قريتي كما يتعلم ابن الشيخ في صنعاء او الحديدة اريد ان لا اعمل كسخرة في مزارع الموز والمانجو وغيرها الموجودة على ارضي.. صدقوني لا يهمني بورجي الا بقدر ما يسببه من الم في حياتي.. كمواطن من مأرب او الجوف او شبوة اريد من حواركم ان يثمر دولة قوية تحقق العدالة والمساواة وتغنيني عن نصب برميل كل ما شعرت بالظلم وحاولت تحقيق العدالة على طريقتي، يهمني ألا تأخذوا الثروات من تحت اقدامي وتتركوني بلا ماء ولا كهرباء ولا مدرسة ولا طريق ولا وظيفة تكفيني من ايقاف اصالتي وشهامتي ونبلي وتمنعني من ايقاف سيارات إخواني أبناء اليمن عندما يجتازون ارضي.. اريد كمواطن من ارحب او صعدة ان تبنون لي بيتي التي دمرتها دبابة ثمنها من قوت اطفالي.. وكمواطن من عمران يهمني ان تؤمّنوا لي حياتي وصحتي بسبب مصانع الاسمنت التي تنهش ارضي لتبني منازل غيري.. وكمواطن من ريمة اريد ان لا تكون رحلتي من صنعاء الى ريمة كرحلات الإنسان الحجري على الحمار والجمل او على الاقدام، اريد طريق مرصوفا الى الجنان المعلقة في ارضي أريد ان استبدل العربية بحانوت والشال الذي اربط به ظهري بالجنبية التي تظهر أصالتي.. كمواطن من لحج أريد من حواركم ان يوفر لي العمل في مزارعها وبساتينها ولي منها نصيب لا كعامل لا يكفي اجري حتى ثمن معولي.. اريد كصحفي ان لا يكسر قلمي وكمحامي ان ارى الحق يعود لمن يطلبه مني وكطبيب ان لا اسمع انات امراضي وتعجز عن مساعدتهم يدي ويمنعها روتين أنظمتكم التعيسة في وظيفتي وفي مستشفيات حكومتي.. يا متحاورون يجب تعلموا ان صديقي حسن الذي يعمل في وضع مجهول في بلاد الحرمين لا يهمه حسن نصر الله ولا يهمه حتى حسن البنا، فأنا أسمعه يدعو دائما اللهم ارزقني ما يكفيني في بلدي.. وصديقي يحيى الذي يعمل كمجهول أيضا والذي يظل يحدثني عن مغامرات دخوله الى بلدان الجوار فاستمع إليه وكأنني ارى مشهد من افلام هوليود وبعد معاناته تلك يعمل كراعي غنم.. صديقي يحي هذا لا يهمه يحيى صالح إلا بقدر ما يخشى من رصاص الاسلحة التي معه فقط.. صدقوني لايهمني كمواطن من حواركم إلا ان لا يطول كما تطول محاورتي لرجال الشرطة في صالات مطارات وموانئ العالم عندما يعرفون بأنني يمني تعيس منفي بلا نفي من بلدي.. لا يهمني ان تخرجوا من حواركم بالاتفاق على عمل مجلس عزاء للحسين الذي مات قبل الف واربعمائة سنة.. او لعمل أربعينية لقطب او تمثال لعبد الناصر أو مزارا لفتاح.. او لقبا لمن يريد الالقاب.. ما يهمني من حواركم فقط هو ان يكون لابني او لأبي أو لزوجي الشهيد مكانة عظيمة بينكم وان يكون جرح جريح الثورة وسام على صدره وصدري أستحق بسببه الاحترام و التعظيم والتبجيل في دوائركم الحكومية وان تكون دماء اليمنيين التي روت عطش ارض اليمن الحرة اغلى من وضع شخصيات ربما عفى عليها الزمن وأصبحت عبئا على الوطن والتاريخ. يهمني ان اخذ حقي بلا وساطة وان يتحقق العدل بكل أشكاله في حياتي.. ياهؤلاء عندما تذهبون الى طاولات الحوار ابدؤوا كل يوم من ايامكم الحوارية بالجلوس على طاولات بائع خمير (عجين مقلي بالزيت) في شارع هائل او في بيت بوس او عند بائع كدم في باب اليمن او في الحصبة كي تعلموا انكم لا تتحاورون على تحديد لمن سيئول كرسي السلطة او ما هو شكلها بقدر ما أنكم تتحاورون على حياة ومستقبل هؤلاء الطيبين..