دربي مدينة سيئون ينتهي بالتعادل في بطولة كأس حضرموت الثامنة    تضامن حضرموت يحلق بجاره الشعب إلى نهائي البطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت بفوزه على سيئون    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    رعاية حوثية للغش في الامتحانات الثانوية لتجهيل المجتمع ومحاربة التعليم    مجلس وزارة الشؤون الإجتماعية والعمل يناقش عدداً من القضايا المدرجة في جدول أعماله    "مسام" ينتزع 797 لغماً خلال الأسبوع الرابع من شهر أبريل زرعتها المليشيات الحوثية    الصين تبدأ بافتتاح كليات لتعليم اللغة الصينية في اليمن    تشيلسي يسعى لتحقيق رقم مميز امام توتنهام    استشهاد أسيرين من غزة بسجون الاحتلال نتيجة التعذيب أحدهما الطبيب عدنان البرش    صواريخ الحوثي تُبحِر نحو المجهول: ماذا تخفي طموحات زعيم الحوثيين؟...صحفي يجيب    المنخفض الجوي في اليمن يلحق الضرر ب5 آلاف أسرة نازحة جراء المنخفض الجوي باليمن    انهيار حوثي جديد: 5 من كبار الضباط يسقطون في ميدان المعركة    نائب رئيس نادي الطليعة يوضح الملصق الدعائي بباص النادي تم باتفاق مع الادارة    شاب سعودي يقتل أخته لعدم رضاه عن قيادتها السيارة    كان طفلا يرعى الغنم فانفجر به لغم حوثي.. شاهد البطل الذي رفع العلم وصور الرئيس العليمي بيديه المبتورتين يروي قصته    الهلال يلتقي النصر بنهائي كأس ملك السعودية    تعز.. حملة أمنية تزيل 43 من المباني والاستحداثات المخالفة للقانون    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    توضيح من أمن عدن بشأن مطاردة ناشط موالٍ للانتقالي    أهالي اللحوم الشرقية يناشدون مدير كهرباء المنطقة الثانية    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    قيادي حوثي يخاطب الشرعية: لو كنتم ورقة رابحة لكان ذلك مجدياً في 9 سنوات    الخميني والتصوف    نجل القاضي قطران: والدي يتعرض لضغوط للاعتراف بالتخطيط لانقلاب وحالته الصحية تتدهور ونقل الى المستشفى قبل ايام    انهيار كارثي.. الريال اليمني يتراجع إلى أدنى مستوى منذ أشهر (أسعار الصرف)    إنريكي: ليس لدينا ما نخسره في باريس    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    بن الوزير يدعم تولي أحد قادة التمرد الإخواني في منصب أمني كبير    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    خطوة قوية للبنك المركزي في عدن.. بتعاون مع دولة عربية شقيقة    سفاح يثير الرعب في عدن: جرائم مروعة ودعوات للقبض عليه    يمكنك ترك هاتفك ومحفظتك على الطاولة.. شقيقة كريستيانو رونالدو تصف مدى الأمن والأمان في السعودية    مخاوف الحوثيين من حرب دولية تدفعهم للقبول باتفاق هدنة مع الحكومة وواشنطن تريد هزيمتهم عسكرياً    الحوثيون يعلنون استعدادهم لدعم إيران في حرب إقليمية: تصعيد التوتر في المنطقة بعد هجمات على السفن    مبلغ مالي كبير وحجة إلى بيت الله الحرام وسلاح شخصي.. ثاني تكريم للشاب البطل الذي أذهل الجميع باستقبال الرئيس العليمي في مارب    غارسيا يتحدث عن مستقبله    مكتب التربية بالمهرة يعلن تعليق الدراسة غدا الخميس بسبب الحالة الجوية    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    هربت من اليمن وفحصت في فرنسا.. بيع قطعة أثرية يمنية نادرة في الخارج وسط تجاهل حكومي    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دمشقُ يا دمشقُ.. كلّنا في الهمّ شرقُ!
نشر في المصدر يوم 02 - 12 - 2010

حضرت الفرق الخليجية إلى عدن وانطلقت صفارة البدء. عند هذه المرحلة من الدورة الرياضية يكون السيد الرئيس قد حقق، على الأقل، ثلاثة أرباع انتصاره الشخصي. بعد أسبوع من الآن سيسلّم الكأس للفريق الفائز. ولا يبدو جليّاً أن هزيمة المنتخب اليمني ستعني له الشيء الكبير، فهو قد حصل على انتصاره الشخصي وعلى الشعب أن بحث عن انتصاره. إعادة قراءة نص مكالمة الرئيس مع رئيس اتحاد الكرة اليمني، عقب الهزيمتين الكرويتين وقبل أن يلحقهما بثالثة، تصيب المرء بالحيرة. ليس في الأمر، بالنسبة للرئيس، ما يدعو للغضب أو المساءلة حتى ولو على سبيل إدخال شيء من الأمل الخفي إلى قلب الشارع الرياضي اليمني بأن أمراً ما قد يتغير في المستقبل. كل ما حدث أن الرئيس أكّد على أن هذه الدورة هي دورة "سياسية" أكثر منها رياضية، وبالطبع: فقد انتصر فيها القائد السياسي وخرج النونو الرياضي.

إذا توالت الحظوظ الحسنة للسيد الرئيس – وحظوظه دائماً حسنة مقارنة بحظوظنا نحن أبناء اليمن - فإن الفريق الفائز من المحتمل أن يكون هو المنتخب السعودي. إنّ هذا هو ما يتمنّاه الرئيس، حيثُ ستكون مناسبة غير كلاسيكية لترميم صدوع علاقاته بجيرانه وليرُد بطريق عملية على حديث علي ناصر محمد لصحيفة اليقين عن "السياسة المنفعلة" التي يتبناها الرئيس صالح لدرجة أنها أورثت اليمن علاقات متوترة مع جيرانه جعلتهم يتعاملون معه فقط بحسبانه "أمر واقع" وليس مفضّلاً كما جاء في حديث ناصر. لموقع عدن برِس، أهم مواقع المعارضة الجنوبية في الخارج، رأي آخر في هذا الصدد. إنّ فوز السعودية لن يكون بالخبر السار لدى الرئيس صالح، فهو سبق وأعرب عن أمنيته العميقة بفوز المنتخب العراقي، ووعد بمؤازرة جماهيرية كثيفة لصالح منتخب العراق، يؤكّد عدن برس. لم ينس عدن برِس أن يشير، كعادته، إلى مصادرِ معلوماته القريبة من النظام. وفي كل مرّة ينشر هذا الموقع خبراً غريباً فإنه يصف مصدره بشديد القرب من النظام لدرجة أن القارئ يسمح لنفسه أن يتخيل نائب الرئيس كأحد المصادر التي يقصدها الموقع بتلميحاته.

وبمناسبة الحديث عن المنتخب العِراقي فهو المنتخب الوحيد الذي قدّم شكوى رسمية بسبب ما اعتبره سوء تنظيم فيما يخص انتقالات الفريق من المطار إلى الفندق، وغيره. لم يشتكِ منتخب الإمارات بالرغم من أن مطار دُبي الدولي يُعتبر أحد أهم مطارات العالم قاطبة، لكن حدث أن جاءت الشكوى من المنتخب العِراقي. ويكفي أن نقول "العِراقي" ليتخيّل المرء مقدار الفوضى وضراوة الموت حيثُ لا يمكن أن نعثُر على خلفية أخرى في الوقت الرّاهِن أكثر وضوحاً من هذه الخلفية. مثلاً: لا يمكن أن نتخيل أن المنتخب العراقي انتقل إلى مطار بغداد عبر عربات تيليفريك، بينما كان تنظيم القاعدة وكتائب ثورة العشرين ومجاهدو خلق وبقية ال17 تنظيماً عراقياً مسلّحاً، الذين يقتلون العراقيين ويهددون الأميركان، يصفقون للمنتخب على جانبي الطريق إلى " خليجي 20". لا أقصد الإساءة إلى المنتخب العراقي، بالمرّة، فقط أذكّرهم بأن الإساءة للمضيف على هذا النحو ليست عملاً ينبغي أن يصدر عن طليعة يُتوقّع منها أن تكون سلالة تمثيلية لبلد السبع حضارات.

وإذا ما استدعينا أحمد مطر، الشاعر العراقي المهاجر، فإن موقف المنتخب العِراقي المتعالي يمكن أن يُفهَم ضمن أسطورة "الشعب المجيد، المتفوّق على كل أجناس الأرض". تلك الفكرة التي لعنها مطر في واحدة من أشهر قصائده: أيها الشعب المجيد؛كلمةٌ يبتاعك الداني بها دوماً، ويشريك البعيد. علكةٌ يمضغها الطاغي المولّي، ويوالي مضغها الطاغي الجديد. ولطالما سوقت الديكتاتوريات النازية في نسختها العربيّة مثل هذه المقولات التافهة كتعويض خارجي مقصود ومعادل نفسي psychological buffer للتخفيف من حدة إحساس هذه الشعوب بالكبت والقمع والإذلال والاستلاب. وفي لحظة النور اكتشفت تلك الشعوب أنها لا تساوي شيئاً بالمعيار الحضاري وأنها لم تكن سوى ضحية خداع رسمي. فهاهي أصبحت رهينة بين أصابع بلدان بعيدة لا تهتم كثيراً للحديث عن أجدادها العظماء بل لحساب أطنان الرز والقمح الذي يزرعونه، ولأعداد شرائح السيليكون وأشباه الموصّلات. جنوب شرق آسيا كمثال. فخارج قدرة بلداننا العظيمة، ذات التاريخ المجيد، على الاستهلاك فهي تقريباً شعوب عديمة النفع بالنسبة للعالم على المدى المتوسط والطويل. لأن الحقيقة الاقتصادية تقول إن ثمة نفعاً زمنيّاً آنيّاً لهذه الشعوب الهشة، فهي تستهلك منتجات الشركات الكُبرى، وهذا الاستهلاك بدوره سيتحول إلى أرقام مالية في العائدات الضريبية للدول الكُبرى، وفي النهاية: تحسين وضعية الموازنات العامة والإنفاق العام لدى تلك الدول. من المناسب هُنا أن نشير إلى ما كتبه هيكل في "سنوات الغليان" عن التشابه الكبير بين الخطاب البعثي المروّج لفكرة الشعب المجيد، الذي لا مثال له، والخطاب الفاشي الموسوليني. وفي الحالين من الممكن أن تحصل على منتج شعبي صعب المِراس يعيش مسكوناً بصورة ذاتية منتفخة ومتعالية تضمر اعتقاداً عميقاً بتميّزها العابر للأزمان. يمكنك أن تلاحظ صراخه وشكواه لمجرّد أنك فقط لم تؤد له التحية كما يجب. وكما يجب تعني: كما يتوقعه منك، رغم أنك في أحايين كثيرة قد لا تشاركه اعتقاده بعظمته الفائقة.

كتب الإعلامي السعودي تركي الدخيل مقالة حديثة عن موقف الشعوب الخليجية من موضوع إقامة خليجي 20 في عدن "الساخرون من اليمن". وبحسب الدخيل فإن النكات التي تناقلها الشباب الخليجي عن الشعب اليمني تختلف جذريّاً عن تلك التي يتداولونها عن الشعب المصري، على سبيل المثال. إذ بدت هذه النّكات مغرقة في السخرية فهي تنال الشكل الخارجي للمواطن اليمني: الوجه والفم وخلافه. إنه أمرٌ يعكس موقفاً متعاليّاً مليئاً بالتحقير والعنصرية. وصلتنا عيّنة من هذه النّكات خاصة تلك القادمة من بلاد الحرمين الشريفين و"عمق أمة الإسلام". لقد رأينا عن قُرب الموقف الشعبوي العنصري والاستعلائي المريض من قبَل أشقائنا العرب والمسلمين في المملكة السعودية، الذين درسوا على أيدي الوهابيين على مدى قرنين من الزمن "كيف تكون مسلماً صحيحاً". لكن، فيما يبدو، فإن الوهابية السعودية لا ترى احتقار الشعوب أمراً يتنافى مع صريح الإسلام كما هو الحال مع إسدال الدشداشة إلى ما دون الكعبين وتخفيف شعر اللحية. لكن تركي الدخيل لم ينس أن يصرخ – ربما مثلما أفعل أنا الآن- في وجه مواطنيه: اليمنيون هُم نحنُ بلا نفط. لكنه فضّل أن ينسب هذه المقولة التي يتوافق معها إلى زميله محمود صباغ. وذكّرهم، بأسلوب حضاري مكاشف، بنواقصهم الجوهرية التي لم تخفها "الطفرات". وفي ختام مقاله سخر من العرب الأثرياء بالقول إنهم أصبحوا مثل الطائر الذي أضاع مشيته، وإنهم يعيشون متاهة حضارية: بين الأصالة والمعاصرة، بلا موقف ذهني ولا مشروع وجودي.

صحيح إني لا أتفق معه في شرح فكرته حول أن اليمنيين هم خليجيون دون نفط، لكن وجاهتها تنبع من بداهة مبدئية: كل الشعوب العربية ليست سوى مستهلكة، وحسب. يجري الاختلاف في نوع الاستهلاك ودرجته: يشتري المدرّس اليمني موبايل صيني، بينما يشتري الطالب الجامعي السعودي بلاك بيري كندي. وفي الحالين: ليس لدى الطالب السعودي أو المدرّس اليمني فكرة كافية عن ماهية عمل هذا الموبايل، ولم يسبق أن شاركا بفكرة علمية عميقة حول تطوير هذا المنتج. فكرة تصلح للبناء عليها محلّياً، كما حدث في كوريا الجنوبية مع موبايل سامسونغ، على سبيل المثال. لنعطِ الفكرة حقها من الصراحة: الناتج المحلّي الرّبعي، كل 3 أشهر، للسعودية يبلغ ثلاثة مليارات دولار. وهو ناتج زهيد للغاية يساوي، تماماً، عائدات إندونيسيا من ضرائب شركة "فيليب موريس" فقط، أشهر روّاد صناعة السجائر. لاحظوا أن عائدات فيليب موريس من السجائر ( 66 بليون دولار) سنويّاً تساوي ستة أضعاف الاقتصاد السعودي غير النفطي. دعونا نضع مثالاً إضافيّاً: ما تحصل عليه سنغافورة من صناعة السّفن، سنويّاً، يتجاوز ثلاثة أضعاف ما تحصل عليه قطر من عائدات الغاز المُسال. تُسمى دول منطقة الخليج العربي بدول استخراج النفط Oil extracting countries وليس الدول المنتجة للنفط Oil producing countries كما تسوّق هذه الدول لنفسها في محاولة حثيثة، وفاشلة، للالتصاق بفكرة الإنتاج والتصنيع. إذا وضعنا هذه الحقائق بجوار بعضها سنكتشف مدى غباء تلك السخرية التي أصابت أبناء اليمن عبر الحدود، ولأدركنا بعمق يبعث على الطمأنينة كم أن العرب متشابهون ومثيرون للبكاء والنحيب. وأن "كرة القات" التي تثير زوبعة ضحك في النكات الخليجية تشبه إلى حد بعيد تلك الزوبعة التي يثيرها منظر العقال في أوروبا وشرق آسيا. كما إنهما متشابهان: المواطن اليمني الذي يتفاخر بأنه حرٌّ في الذهاب إلى صندوق الانتخابات، بالرغم من أن مشواره هذا هو في الأخير مشوار عديم الجدوى، وفي الغالب لن ينتج سوى مزيد من الإحساس بالقهر والظلم. والموطن الخليجي الذي يتفاخر بقدرته على السفر إلى أي بلد في العالم، رغم أنه في مشواره ذلك لن ينتج شيئاً ذا بال وفي الغالب: سيعود بلا جدوى سوى مزيد من الاستهلاك. إنها قصة العبدين: العبد السعيد والعبد التعيس، سنشير إليها لاحقاً.

هذا التعالي الشعبوي الجبان في حق الشعب اليمني غير مرحّب به على الإطلاق. وبرغم أني لستُ من أنصار الانتساب إلى التاريخ إلا أني في لحظة ما سأفهم استدعاء التاريخ من قبل الشعب المجني عليه، وهو هُنا اليمن، إذا أراد أن يقول للجاني: توقفْ، أيها القادم من اللا تاريخ أنا ابن كل التاريخ. لحسن حظك تدفَّق النفط من تحت قدميك، ولسوء حظي حكمني العسكر. خط لك النفطُ تاريخاً في الصحراء، وخنق العسكر تاريخي في الجبال والوديان وشواطئ المحيطات! وعلى كل حال فإن هذه المعادلة غير دائمة. بالإمكان أن تتغير وبسرعة غير متصوّرة. فقط يكفي أن يحصل الشعب اليمني على حكومة "وطنية" ذات مشروع قصير، متوسط، وطويل المدى، واضح التصورات والمراحل يوظف في مساقه كل كفاءات الشعب اليمني. حكومة يقول قائدها لنفسه كل صباح: أها، الحمد لله، اقتربنا خطوة جديدة من هدفنا الكبير. هيّا إلى الخطوة التالية. أرجو أن تقارِنوا هذه اللحظة الزمنية المتصوّرة بما يحدث الآن في بلدِنا، وتعرّفوا بوضوح على إجابة سؤال: لماذا يسخرون منّا؟

بعد مقتل صدام حُسِين تقاتل الشعب المجيد ولا يزال يمارسُ المجد حتى الساعة بطريقته الخاصة. وهي الطريقة ذاتها التي مارس بها الشعب الجزائري، بلد المليون شهيد، تميّزه الحضاري ليثبت للعالم كم أننا نحنُ العرب نشبه بعضنا وتقريباً فنحنُ في حالنا الراهِنة لا نصلح سوى " للأكل والبِعال". لقد أنجز هذا الشعب الجزائري العظيم 100 ألف قتيل بسبب عملية انتخابية. دعونا نمتلك الصراحة الكافية لمواجهة أنفسنا، ولنتخيل هذه الصورة المخزية: يطلق الحراك الجنوبي خمسة آلاف شاب إلى الشارع للتنديد بالشمَال المتخلّف. وفي حفلة التنديد هذه فهم لا يفرّقون بين السلطة والشعب، بين العسكري والمدني، بين الكاهن والقديس، فالجميع متخلفون وهمجيّون. إنهم فقط متخلّفون لأنهم قادمون من الجبل، دون مراجعة ذاتية صريحة: هل نحنُ، شباب الحرَاك، مختلفون عن أولئك الذين نلعنهم بدرجةٍ يمكن قياسها: علميّاً وأخلاقيّاً وثقافيّاً وإبداعيّاً؟ لكي تكتمل صورة الفوضى التي نحنُ عليها، شامُنا وعراقنا ويمننا ونجدنا، دعونا نتخيل: من حاصل 5 آلاف متظاهر ينددون بتخلف الشمال يوجد أقل من مائة شخص يحملون درجة البكالوريوس. عندما سقتُ هذه العِبارة أمام امرأة مثقفة، شديدة الإيمان بالحراك الجنوبي، انفعلت بصدق وسردت لي كل تلك الأسباب غير الحقيقية التي أدت إلى بروز هذا المشهد المختل، وعلى رأس تلك الأسباب تأتي بريطانيا!

اليوم يسخر منّا إخواننا في الخليج، وهذا أمر غير مقبول لكنه يحدث. وغير المقبول فيه ليس السخرية ذاتها بل ما تضمره من معانٍ استعلائية وتحقير متعمّد تجاه فئة من البشر ساقها تاريخها إلى فخ "حُكم العسكر". هذا الكلام ليس بغير دليل، فقط علينا أن نتذكّر أن اليمن هي واحدة من آخر عشر دول في العالم يحكمها العسكر، وهي بالمناسبة البحتة كلها دول شديدة التخلف. ليس في الأمر إهانة للعسكر، فقط تذكير شديد التهذيب بحقيقة أن الطالب الشاب لا يذهب إلى كلية الشرطة لكي يتخرّج منها وزيراً، ولا رئيساً للجمهورية، ولا رئيساً للبرلمان. فأن تكون رئيساً للجمهورية، أو رئيساً لجامعة، هما جملتان لن يسمعهما الطالب طيلة فترة دراسته في الكلية العسكرية. وعليه فالعسكري الذي يعمل في السياسة والإدارة والرياضة والتشريع هو رجل يمارس أموراً لا علاقة لها بخبراته ومعارفه، وهنا تكمن الكارثة في موضوعة "حكم العسكر". لستُ ضد العسكر، أنا فقط مع أن يؤدي كل مهني دورَه الذي يجيده: مثلاً، يصبح المُشير رئيساً للأركان، وليس رئيساً للدولة، وأن يكون العميد قائداً لشرطة العاصمة، مثلاً، وليس رئيساً لمجلس النواب.

بالعودة إلى سخرية المواطن الخليجي من المواطن اليمني. لو تذكرنا مباراة مصر والجزائر في التصفيات المؤهلة لكأس العالم. قبل وبعد المباراة الفاصلة في السودان تبادل الشعبان والنخب في البلدين كل أشكال السب والتجريح. في الوقت نفسه رفع كل شعب من وتيرة الحديث عن خصائصه الحضارية، بطريقة غير حضارية في سياق تاريخي غير حضاري بالمرّة. وبحسب مقالة لسعد الدين إبراهيم، المفكر المصري المعروف، في صحيفة الخبر الجزائرية فقد وصل الجزائريون عشية مباراة الفريقين في السودان إلى الحديث عن "بلد المليون والنصف شهيد" بزيادة نصف مليون شهيد عن الوقائع التاريخية. بينما وصل المصريون إلى الحديث عن حضارة " الثمانية آلاف عام" بزيادة ثلاثة آلاف عام عن حقيقة حضارة مصر التي دشنتها الأسرة الفرعونية الأولى 2800 سنة قبل الميلاد. وبرز المثقفون الأشد عصبية في الدولتين. وهكذا كانت المانشيتات في مصر تصرخ: طز في العرب، نحن فراعنة، في وقت كانت فيه عبارات "طز في العرب" تعومُ في سماء الجزائر! لقد تبادل الأعراب شتيمة العرب لأنهم ليسو عرباً رغم أن طريقتهم في الاختلاف كانت تقول: إنهم أعاريب "مية بالمية". أسرد هذه القصة لأؤكّد الفكرة السابقة في المقال: لسنا سوى عرب أقحاح لا نصلح، في الوقت الراهن، سوى للحلاب والصرّ. لا يزال عنترة العبسي يقولها بالنيابة عنّا: العبد لا يصلح للكر والفر. وإذا استعرنا تعريفاً اقتصادياً للمواطن العربي، معتمدين على فكرة ذكية في واحدة من أهم أطروحات الإنجليزي الحائز على نوبل أمارتيا صن، فإنه يمكن تقسيم المواطن العربي إلى نوعين: عبد سعيد، وعبد تعيس. وفي الحالين: فهو مجرّد عبد لا أكثر. فالعبد السعيد، الخليجي على سبيل المثال، هو شخص تقول له قيادته: سنفكر بالنيابة عنك، وما عليك سوى أن تجني ثمرة ما سنقدمه لك من خير وافر. وبالنسبة لطريقة إدارتنا لشؤون الدولة، وسياساتنا على الصعيد الخارجي وفيما يخص كل ما يجري في المستويات المتوسطة والعليا في البلد، فإياك أن تنبس ببنت شفة. أما بالنسبة للعبد التعيس، اليمني على سبيل المثال، فإن قيادته ستقول له: قل أشياء كثيرة، لكن كن متأكّداً أن ما ستقوله هو أمرٌ يخصّك أنت، كما أن اختيارك لطريقة قولك قد تجلب عليك ضرراً حقيقيّاً. لا تقلق، نحنُ نفكر بالنيابة عنك وما عليك سوى أن لا تجني شيئاً. دعونا نتفق مع أمارتيا صن، الذي لم يكن يقصد اليمن ولا السعودية، ونغني أغنية الراحل أحمد شوقي: دمشقُ يا دمشقُ... كلّنا في الهمِ شرقُ!

المصدر أونلاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.