أسندت عائشة رأسها على طاولة الطبيبة، وأزالت خمارها الأسود الذي كشف عن وجهها الدائري وقسمات الألم بادية عليه. لقد تزوجت من رجل في الثالثة والخمسين عندما كان عمرها ثلاثة عشر ربيعا، وهي الآن في الخامسة عشرة. كانت تريد أن تعود اليها طفولتها،
قبضت على جنبيها بقوة وتأوهت. كانت الساعة هي 3.30 عصرا في مكتب الطبيبة النسائية أروى الربيع، التي نظرت الى عائشة ثم هزت رأسها. كانت تعلم أن ألم عائشة نفسي أكثر من كونه بدنياً.
رددت عائشة تقول، وقد وقفت والدتها تقف الى جانبها: لم أكن أريد الزواج. سألت الطبيبة أم عائشة: لماذا قمت بتزويجها في سن مبكرة جدا؟ لماذا لم تسمحي لها أن تواصل تعليمها؟ أجابت أم عائشة: لم أكن أنا السبب في ذلك، بل والدها إنه هو المسؤول، فقد أراد تزويجها.
ليس هنالك في اليمن حد أدنى لسن الزواج، والفتيات غالبا ما يجبرن على الزواج في سن الثامنة، والعديد منهن يصبحن امهات فور وصولهن سن البلوغ.
وتعد اليمن من الدول التي تسجل فيها أعلى نسبة وفيات للأمهات في العالم، وقد سلطت وفاة أم في الثانية عشرة من عمرها خلال الربيع الماضي أثناء الولادة الضوء على المخاطر الصحية التي تنطوي عليها هذه الحالات.
المكان الوحيد الذي تقصده كثير من النساء الصغيرات في اليمن للترويح عن أنفسهن هو حيث تكون هناك نساء مستعدات للإستماع لهن والتعاطف معهن، مثل الدكتورة أروى التي كانت تشغل منصب نائب وزير الصحة سابقا وتسعى لتغيير مفهوم الزواج المبكر قالت عائشة: أأمل أن تتحسن حياتي بمشيئة الله.
ردت عليها الدكتورة أروى: هذه هي الحياة. راقبت عائشة ووالدتها وهما تغادران، مجرد شبحين داكنين سرعان ما غابا في تيار من النساء الأخريات المتشحات بالسواد. الساعة 4.35 عصرا دخلت رحاب العسكري المكتب وهي تحمل طفلها هيثم الذي يبلغ عمره سنة واحدة، كان يرتدي بيجاما وردية اللون. عائلة رحاب الفقيرة أجبرتها على الزواج من رجل يكبرها بعشرين سنة بعد أن قدمت عائلة العريس لأهلها مهرا جيدا.تستذكر رحاب قائلة: لقد أخبرني أبواي بأني سوف أتزوج اليوم، ولم يتقبلا فكرة اني كنت لا أزال طفلة حينها. أفرحاني بثوب جديد وقارورة عطر كنت طفلة، وفرحت يومها للغاية فقد كانت هنالك ملابس صفراء وحمراء، كما كان هنالك ذهب بين تلك الهدايا.
توقفت رحاب كما لو أنها استعادت ذكرى أخرى من مخيلتها، ثم عادت فقالت: ولكني كنت مبتهجة بالملابس فقط. لم تطق رحاب الحياة مع زوجها أو عائلته، فما كان منها إلا أن هربت منه، الأمر الذي أضطر والدها إلى إعادة المهر للزوج. وعندما بلغت سن الخامسة عشرة تزوجت مجددا من ابن عمها الذي يكبرها بسنوات عشر، وبذلك تعتقد رحاب أنها من بين النساء المحظوظات.وهي تمضي فتقول: في قريتي تتزوج الفتيات في سن ثماني أو تسع أو عشر سنوات، لذلك فإني أفضل حظاً من الأخريات لأني تزوجت في سن الخامسة عشرة.
في سن السادسة عشرة أنجبت طفلها هيثم، وهي الآن في السابعة عشرة وقد حملت مجددا. تقول رحاب للدكتورة أروى: لقد كنت خائفة من حدوث حمل ثانٍ، لأني ما زلت صغيرة جدا، ولكن عائلة زوجي كبيرة وهم يريدون أطفالاً كثيرين من جميع أفراد عائلتهم. هم بلا مال، ولذا فهم يحتاجون لأطفال كثيرين. قالت أروى مجددا وهي تهز رأسها: إنها الحياة
4.55عصرا فتحية أحمد في الثامنة عشرة من العمر، وترتدي عباءة سوداء. فتحية تزوجت منذ عامين وتركت المدرسة مباشرة لكي تتفرغ للإنجاب وتربية الأطفال، ولكنها لم تستطع أن تحمل فأثار هذا غضب أهل زوجها منها ونفد صبرهم. تقول فتحية انهم كانوا يريدون منها أن تنجب طفلا .. كانت في السادسة عشرة حينها، وهي الآن في الثامنة عشرة. تقول فتحية: هم يبدؤون بعد ايام منذ اليوم الأول الذي تتزوج فيه الفتاة لكي يحددوا متى ستنجب طفلها، حتى لو كانت الفتاة في سن ثماني أو عشر أو اثنتي عشرة سنة.وقد هددها زوجها بالطلاق، ولهذا السبب قصدت فتحية الدكتورة أروى لكي تساعدها.
وقد وصفت لها طبيبة عقاقير للخصوبة رغم أنها لم تكن تعاني من مشاكل تعيق الحمل. ولكن في هذا اليوم تلألأت عينا فتحية فقد أصبحت حاملاً. هتفت الدكتورة قائلة : مبروك! مبروك.
5.10 عصرا دخلت ثلاث إناث يمثلن ثلاثة أجيال من النساء، مها شمس الدين وابنتها كريمة البراتي وحفيدتها سارة. تزوجت مها في سن الثانية عشرة، وهي الآن في الثالثة والأربعين، لديها سبع من البنات وخمسة من البنين جميعهم يعيشون في نيويورك ومشيغان في الولاياتالمتحدة. أما ابنتها كريمة فقد تزوجت في سن الحادية عشرة، وهي الآن في الثالثة والثلاثين ولديها ستة أطفال. كانت مها ترتدي عباءة سوداء، وهي لم ترد لابنتها أن تتزوج في تلك السن المبكرة.
تقول مها، وهي الآن مواطنة أميركية: يوم تزوجت كريمة كانت في منتهى الغضب، ولن أنسى أبدا تلك المشاعر.حاولت مها أن تمنع ذلك الزواج، ولكن زوجها وعدها بأن ابنتهم ستتم خطبتها فقط وأنها لن تتزوج إلا بعد سنوات .. كان هذا هو ما قاله لها. تقول: لقد كذبت عليّ العائلة.
أومأت كريمة برأسها مؤيدة لما تقوله أمها وأضافت انها شعرت بعدم الارتياح حينما لمسها زوجها، الذي كان في العشرين من عمره. وبعد شهر من زواجهما غادر عائداً الى الولاياتالمتحدة. تستطرد كريمة فتقول: حينما اتصل بي من أميركا تساءلت، من كان ذلك الرجل؟ لقد استلزم الأمر مني تسع سنوات لأتكيف مع زوجي وأتقبله. تقول كريمة أن زوجها كان يرسل لها الألعاب من الولاياتالمتحدة وهي اليوم تقضي وقتها متنقلة بين البلدين.هل سيزوجون سارة في سن الحادية عشرة؟ ردت كريمة بحزم وهي تلتفت الى سارة: كلا، كلا، بل ستذهب الى الجامعة وتنهي دراستها ومن ثم ستتزوج، لقد وعدني زوجي بذلك .. ان شاء الله.مها رسمت ابتسامة خفيفة لتشجع ابنتها على رأيها. وهل بمقدورها أن تفعل غير هذا؟ مرة أخرى رددت الدكتورة رحاب: إنها الحياة. سودارسان راغفان - ترجمة نادية المختار