في آخر زيارة لي لوصاب السافل في عيد الأضحى المبارك الماضي، لم تكن قدماي تعرفان الكلل ولا التعب رغم صعودها الجبال ومرورها بالطرقات الوعرة.. فروعة المكان وسحر الطبيعة بالإضافة إلى طيبة أهل المنطقة أنستنا كل التعب والإرهاق. لطالما تغنى الكثير بجمال هذه المنطقة وبساطة وأصالة سكانها وشموخ جبالها وروعة مدرجاتها الخضراء.. فدوماً ما تسحر وصاب السافل أنظار زائريها وتسلب عقول وقلوب كل من يتجه إليها.
لذا.. لم تقف يداي عن تصوير وتوثيق الكثير من مناظر المنطقة بجميع تفاصيلها.. كل شيء في المكان يستحق أن تقف له وتلتقط له صورة تذكارية.. الجبال، البيوت، القلاع، الأودية، المزارع، والمدرجات الساحرة.. الوجوه هي الأخرى، وجوه الأطفال، الشيوخ، الشباب تجبرك أن تقف أمام تفاصيلها التي تختصر لك مدى بساطة الإنسان «الوصابي»، وفطرته السامية.
كانت زيارتي الأخيرة لوصاب السافل، التابعة إدارياً لمحافظة ذمار، مختلفة تماماً عن سابقاتها، فقد كنت أزورها منذ أن كنت طفلاً مع والدي رحمه الله.. حينها لم أكن أتنبه للتراث الغني والصورة الجمالية التي تمتاز بها المنطقة بحكم صغر سني..
في هذه الزيارة، كانت عيناي تحدقان بإعجاب لكل مناظر المنطقة، عدسة الكاميرا كانت هي الأخرى لا تقف عن توثيقها لجمال وشموخ هذا المكان الذي لم يلاقي حقه من الاهتمام والرعاية.
حكايات كثيرة تحكيها وصاب السافل.. تحكي وصاب كفاح سكانها وتحديهم للصعب رغم الفقر والظروف المعيشية القاسية.. تحكي أصالة الناس رغم تقلبات الزمن.. تحكي وصاب إصرار أطفالها على التعلم رغم قلة المدارس، وتحكي وصاب أيضاً صبر المزارع رغم مشقة العمل، وكفاح النساء في إنجاب جيل يتحدى الصعاب ويواجه كل التحديات.
هي وصاب السافل.. تمنحك مزيداً من الأمل، وتضفي عليك جواً من الحب، وتغمرك بألوان السعادة، وتحيطك بكل الصفاء والمودة.
وبالرغم من اغتراب العديد من أبناء وصاب خارج اليمن، إلا أن حنينهم لمنطقتهم وحبهم لها لا ينضب. يقول إبراهيم محمد راشد، أحد أبناء وصاب المقيمين في مدينة جدة في السعودية، ومؤسس صفحة «ملتقى أبناء وصاب» في الفيس بوك، بأن ظروف العمل والحياة أبعدته عن وصاب السافل.
ويقول راشد بأن المنطقة «لم تنل حقها من الاهتمام»، داعياً الدولة إلى الالتفات لهذه المنطقة التي ظُلمت كثيراً، حد قوله.
بدوره يؤكد الشاب عارف الوصابي، والذي قام بزيارة وصاب لأول مرة في عيد الأضحى الماضي، بأنه لم يتخيل أن تكون منطقته بهذا الجمال.
ويقول: «تمنيت أن أمكث لوقت أطول في وصاب، لكن للأسف ظروف دراستي لا تسمح لي بذلك». ويضيف: «المكان هنا يشعرك بالطمأنينة ويمنحك الكثير من السعادة».
الحديث بإسهاب عن وصاب السافل والغوص في عمق المنطقة وتاريخها المليء بالحكايات والذكريات بحاجة للعديد من الوقت والبحث، ولعل الصور التي التقطتها تصف لنا قليلاً من تاريخ هذه المنطقة المكسوة بالجمال الرباني والمملوءة بحكايا وتفاصيل لا تنتهي.