بجوار مبنى وزارة الكهرباء، تلقت أسرته وأقاربه عزاءً متواضعاً وبسيطاً في مقتله. كنت أفترض، فيما كنت ضمن مجموعة داخلين إلى قاعة العزاء، أن أشهد ولو تمثيلاً رسمياً أو حتى رمزياً للجهة العسكرية والأمنية التي يعد الجندي حميد أحمد الشيبري أحد أفرادها أو حتى تمثيلاً يلتقي مع بيان نعي استشهاده في إحدى قرى "نهم"، ودخل مواجهة مسلحة مع عناصر استهدفت ضرب كابلات الكهرباء في المنطقة الأسبوع الماضي، غير أن مراسيم تشييعه -كما قيل لي- عكست ارتياح واعتزاز أسرته وأقاربه، رغم إحساسهم بالفقدان والحزن.
لا أحد يستطيع التكهن بماذا كان يفكِّر الجندي حميد أحمد الشيبري (18) عاماً، وهو في طريقه ضمن "طقم" عسكري يتبع الشرطة العسكرية، وإلى مواجهة محققة مع "مخرِّبي الكهرباء" في إحدى قرى نهم، وقبل أن تخترق ظهره رصاصة الموت، فيما كان يقاوم بشجاعة نادرة متاريس النار التي تحاصره وزملاءه، وفقاً لشهادة تلقتها أسرته من زملائه الناجين.
"شهيد الواجب" عبارة مألوفة، لكنها تليق ببسالة استشهاد الجندي حميد الشيبري، العائل الأكبر والوحيد لأسرة فقيرة تنحدر من قرى "خارف" عمران.
اختنقت أمه بالدموع، واعتذرت عن الحديث عن فقيدها الوحيد، وحين استأذنتها في طلب صورة لابنها، أشارت إلى كومة صغيرة من قصاصات صورة مزقتها جدته، لتتفادى الأم عدم رؤيتها، لأنها تتسبب في بكائها حدّ الإغماء!
تعاطفتُ مع ما فهمته من حديث الأم بتقطعاته، فهي تقول بصيغة نادمة لو أنها منعته من الالتحاق بالجيش، فهو عائلها الوحيد، برفقة ثلاث أخوات، فيما لا يُعرف شيء عن مصير أبيه منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، عدا أن زكريا أبو شوارب شقيق أم الشيبري أكد أن الأب مختل عقلياً، ولا أثر ثابت على كونه حياً أو ميتاً منذ فترة طويلة!!
ويضيف زكريا:"حالة الأب الميؤوسة جعلتنا نقوم بدور التبنِّي لأفراد هذه الأسرة، وعلى رأسها الشهيد -رحمه الله- لقد كُنت سبباً في التحاقه بالجيش قبل عامين، وكان ذلك بدافع أن يصبح مسؤولاً عن أسرته، عوضاً عن الأب المفقود".
لم يكمل حميد دراسته الثانوية، قبل أن يلتحق باللواء الرابع، وتتاح له دورة في الشرطة العسكرية ليصبح أحد أفرادها، لكنه كان ينوي إكمال دراسته.
يقول خاله: "حميد كان طالباً مجتهداً وذكياً ومتفوقاً، ولم يكن طُموح العسكرية في باله. لكن لا أدري لماذا تحمس يومها لفكرتي في التحاقه بالجيش؟!".
"لقد مات شهيداً، وهذا مدعاة للفخر والاعتزاز"، يقول زكريا أبو شوارب، مستدركاً أهمية أن ينال هؤلاء الشهداء الذين يضحون بأرواحهم في سبيل حماية المصالح الوطنية اهتماماً كافياً ولائقاً من قبل الدولة..
ويتفق -من جانبه- حُنين، أبو شوارب أحد أقرباء الشيبري، مع فكرة أن ينال هؤلاء الشهداء حقهم من الرعاية والاهتمام في أسرهم وأهلهم. ف"ليس كثيراً على الدولة أن تمنح الشهيد امتيازاً أو ترقية، أو حتى أن تتكرم بالالتفات إلى وضع أسرته، التي تعيش في منزلٍ بالإيجار وليس لها من عائل سوى ما أبقاه الشهيد لها كراتب شهري بائس!!".