العدو الصهيوني يواصل خروقاته لإتفاق غزة: استمرار الحصار ومنع إدخال الوقود والمستلزمات الطبية    عدن.. هيئة النقل البري تغيّر مسار رحلات باصات النقل الجماعي    الدوري الاسباني: برشلونة يعود من ملعب سلتا فيغو بانتصار كبير ويقلص الفارق مع ريال مدريد    الدوري الايطالي: الانتر يضرب لاتسيو في ميلانو ويتصدر الترتيب برفقة روما    الشيخ علي محسن عاصم ل "26 سبتمبر": لن نفرط في دماء الشهداء وسنلاحق المجرمين    انها ليست قيادة سرية شابة وانما "حزب الله" جديد    فوز (ممداني) صفعة ل(ترامب) ول(الكيان الصهيوني)    تضحياتٌ الشهداء أثمرت عزًّا ونصرًا    الأستاذ علي الكردي رئيس منتدى عدن ل"26سبتمبر": نطالب فخامة الرئيس بإنصاف المظلومين    مرض الفشل الكلوي (27)    فتح منفذ حرض .. قرار إنساني لا يحتمل التأجيل    الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر اليمني ل 26 سبتمبر : الأزمة الإنسانية في اليمن تتطلب تدخلات عاجلة وفاعلة    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    تيجان المجد    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    الدولة المخطوفة: 17 يومًا من الغياب القسري لعارف قطران ونجله وصمتي الحاضر ينتظر رشدهم    سقوط ريال مدريد امام فاليكانو في الليغا    الأهلي يتوج بلقب بطل كأس السوبر المصري على حساب الزمالك    نجاة برلماني من محاولة اغتيال في تعز    الرئيس الزُبيدي يُعزي قائد العمليات المشتركة الإماراتي بوفاة والدته    قراءة تحليلية لنص "مفارقات" ل"أحمد سيف حاشد"    مانشستر سيتي يسحق ليفربول بثلاثية نظيفة في قمة الدوري الإنجليزي    محافظ العاصمة عدن يكرم الشاعرة والفنانة التشكيلية نادية المفلحي    الأرصاد يحذر من احتمالية تشكل الصقيع على المرتفعات.. ودرجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى الصفر المئوي    وزير الصحة: نعمل على تحديث أدوات الوزارة المالية والإدارية ورفع كفاءة الإنفاق    في بطولة البرنامج السعودي : طائرة الاتفاق بالحوطة تتغلب على البرق بتريم في تصفيات حضرموت الوادي والصحراء    جناح سقطرى.. لؤلؤة التراث تتألق في سماء مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي    تدشين قسم الأرشيف الإلكتروني بمصلحة الأحوال المدنية بعدن في نقلة نوعية نحو التحول الرقمي    شبوة تحتضن إجتماعات الاتحاد اليمني العام للكرة الطائرة لأول مرة    صنعاء.. البنك المركزي يوجّه بإعادة التعامل مع منشأة صرافة    رئيس بنك نيويورك "يحذر": تفاقم فقر الأمريكيين قد يقود البلاد إلى ركود اقتصادي    وزير الصناعة يشيد بجهود صندوق تنمية المهارات في مجال بناء القدرات وتنمية الموارد البشرية    اليمن تشارك في اجتماع الجمعية العمومية الرابع عشر للاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي بالرياض 2025م.    الكثيري يؤكد دعم المجلس الانتقالي لمنتدى الطالب المهري بحضرموت    بن ماضي يكرر جريمة الأشطل بهدم الجسر الصيني أول جسور حضرموت (صور)    رئيس الحكومة يشكو محافظ المهرة لمجلس القيادة.. تجاوزات جمركية تهدد وحدة النظام المالي للدولة "وثيقة"    خفر السواحل تعلن ضبط سفينتين قادمتين من جيبوتي وتصادر معدات اتصالات حديثه    ارتفاع أسعار المستهلكين في الصين يخالف التوقعات في أكتوبر    علموا أولادكم أن مصر لم تكن يوم ارض عابرة، بل كانت ساحة يمر منها تاريخ الوحي.    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    محافظ المهرة.. تمرد وفساد يهددان جدية الحكومة ويستوجب الإقالة والمحاسبة    هل أنت إخواني؟.. اختبر نفسك    سرقة أكثر من 25 مليون دولار من صندوق الترويج السياحي منذ 2017    عين الوطن الساهرة (1)    أوقفوا الاستنزاف للمال العام على حساب شعب يجوع    أبناء الحجرية في عدن.. إحسان الجنوب الذي قوبل بالغدر والنكران    جرحى عسكريون ينصبون خيمة اعتصام في مأرب    قراءة تحليلية لنص "رجل يقبل حبيبته" ل"أحمد سيف حاشد"    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    في ذكرى رحيل هاشم علي .. من "زهرة الحنُّون" إلى مقام الألفة    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عصماء.. ابنة السابعة تنتحر حرقاً احتجاجاً على سجن أبيها المتهم في قضية تفجير دار الرئاسة
نشر في المصدر يوم 23 - 12 - 2012


من يصدق؟
عصماء، الطفلة البريئة، التي لم ترى من النور سوى سبع سنوات (لم تكن قد اكتملت بعد)، قررت في لحظة عجز وقهر أن تغلق عينيها إلى الأبد.
عصماء، تلك الوردة التي لم تتفتح بعد، قررت أن تذبل وتذوي سريعاً.
بعد ساعات من شروق شمس الثلاثاء 12من شهر مارس الماضي، باغتت والدتها، حين أوهمتها أنها ستذهب كالعادة إلى مدرسة تحفيظ القرآن المجاورة. دخلت المطبخ خلسة، أخذت أعواد الثقاب وأخفتها جيداً، حملت مصحفها وودعت أمها.
لم تمر سوى لحظات قليلة، حتى سمع الجيران صراخاً مهولاً لطفلة تتألم بقوة، سريعاً ما قادهم مصدره إلى خلف منزل عصماء، وهناك وجدوا طفلة تتلوى على الأرض، وياللفاجعة لقد كان جسد عصماء وهي تحاول أن تتخلص من الألم الذي طالما بحثت عنه لخلاصها، دون أن تعلم بحجمه ومقداره. أسرع المنقذون لإطفاء النار بينما ذهب البعض لإبلاغ أمها وأخيها في المنزل، لكن للأسف الشديد كانت النار الخبيثة التي لا تفرق بين طفل وشاب قد سارعت بالتهام الكثير من جسدها الغض..
لم تمت عصماء سريعاً، بل أسعفت إلى المستشفى بجسد محترق بشكل شبه كلي، إذ لم تترك النار منه سوى نصف وجهها العلوي وشعرها، وهناك دخلت في غيبوبة.
يقول خالها: عندما كانت تصحو من غيبوبتها، تقول للدكتور «يا دكتور اتقي الله تشتي تموتني وأنا عادنا اشتي اشوف أبي واحضنه بعدما يخرج من السجن»، إلا أنها سريعاً ما تعود إلى غيبوبتها التي لم تدم طويلاً قبل وفاتها، فآخر كلماتها قبل موتها كما يروي الطبيب هو تكرار كلمة «أبي بريء خرجوه من السجن».
لقد فارقت عصماء آلامها نهائياً إلى عالم الخلد، في 17 من الشهر نفسه، في اليوم المحدد لزيارة والدها في السجن.
كانت صغيرة لكنها كانت ذكية جداً، هكذا يصفها خالها، بصوت متهدج. “ولطالما كانت تهدد بالإنتحار إذا لم يخرجوا والدها من السجن، لكننا لم نحمل تهديدها على محمل الجد”. يضيف الخال بغصة متسمرة في حلقه.
المحامي يطلق الشرارة الأولى
قبل يومين أوثلاثة ايام تقريباً، نشر المحامي المعروف عبدالرحمن برمان صورة على صفحته بالفيس بوك لصبيّة لا يتجاوز عمرها 7 سنوات، قال إنها انتحرت حرقاً، قبل أن تموت بعد عذاب استمر لأيام وهي تعاني من آلام حروقها.
قال برمان أن عصماء انتحرت حرقاً بسبب اعتقال والدها عبده صالح الشريف، الجندي في الحرس الرئاسي الخاص، بتهمة المشاركة في حادثة تفجير دار الرئاسة، 3 يونيو 2011.
قصة انتحار طفلة لم تتجاوز عامها السابع، لسبب مثل هذا، أثارت آلامنا وعواطفنا، فقررنا النزول للبحث والاستقصاء عن تفاصيل الحقيقة، فكانت هذه المأساة التي نضعها بين أيديدكم ..
لماذا الآن؟
«عصماء الشريف» وردة في مقتبل العمر، لم يكن يتصور أحد أن يتحول هذا اليوم الذي خرجت فيه من المنزل صباح ذات يوم كعادتها عند ذهابها إلى مدرسة تحفيظ قرآن كريم، أن يتحول إلى كارثة بعد إقدامها على إحراق نفسها تعبيراً عن رفضها لاستمرار سجن والدها المتهم بمشاركته في تفجير دار الرئاسة الذي استهدف الرئيس السابق علي صالح في يونيو 2011م بصنعاء.
صحيح أن حادثة الانتحار هذه وقعت قبل أكثر من نصف عام تقريباً، إلا أنها لم تطفُ على السطح إلا مؤخراً. وطوال الفترة السابقة، التي أعقبت انتحارها وحتى ما قبل أيام، لم يكن والد عصماء يعلم حقيقة أن صغيرته، التي يبادلها حبا كبيراً، قد انتحرت بسببه. كان فقط قد أبلغ أنها توفت بسبب حريق التهمها حين كانت تلعب بالنار مع أولاد الجيران. ليس أكثر من ذلك. وذلك هو ما قررت الأسرة أن تقوله عن أسباب الوفاة مخفية عنه الحقيقة المؤلمة. بيد أن الحقيقة كان لا بد لها أن تتكشف ذات يوم، وهذا ما حدث بالفعل. والأسبوع الماضي فقط انتشرت القصة على صفحات الفيس بوك، عبر المحامي برمان، الذي نشر أيضاً صور عصماء وهي في غرفة الإنعاش قبل أن تغادر الحياة.


الاعتقال
عبده صالح الشريف من أبناء مديرية الطويلة بمحافظة المحويت ويسكن في منطقة شملان مع أسرته هو والد الطفلة «عصماء» ولديه 3 أولاد ذكور، ورابعتهم عصماء التي انتحرت، فهو يعمل جندياً في الحرس الخاص التابع للرئاسة، وقد منحه الرئيس السابق صالح شهادة ووسام تقديراً لمشاركته في حرب 94م.

يقول صالح الجبرني وهو صهر الشريف (أخو زوجته) أثناء حديثه ل«المصدر أونلاين» أنه في ال7 من شعبان العام قبل الماضي اتصل على جوال أخيه ليخبره أنه سيتأخر، وبعد أيام اتصل به شخص قال أنه صديق عبده، أخبرهم أنه سيتأخر ما يقارب 10 أيام وأن لا يقلقوا عليه، وطلب منه أن ينتبه لأولاده.

لم يعد الشريف إلى منزله بعد مرور حوالي شهر من آخر اتصال له، فقد كان هاتفه مغلق، فيما دب القلق بين أفراد الأسرة، الذين بدورهم ذهبوا إلى المستشفيات وأقسام الشرطة للبحث عنه خشية أن يكون قد حدث له مكروه، حتى انتهى بهم المطاف للوصول إلى أحد زملائه الذي أعطاهم مرتبه الشهري وأخبرهم أنه موجود، لكنه مشغول جداً ولا يستطيع التواصل بهم!!.

بعد مرور خمسة أشهر من الانتظار والترقب لسماع الجديد عنه، وبعد أن فقد والده النظر وأصبح كفيفاً لا يرى شيئاً حزناً وألماً لاختفاء نجله، وكذلك هو الحال بوالدة الشريف التي أصيبت بجلطة أقعدتها الفراش، عاد الأمل إليهم مجدداً عندما اتصل بهم بعد عيد الأضحى من نفس العام، ليخبرهم أنه بخير لكن ظروف عمله لم تسمح له أن يعود إليهم أو أن يتواصل بهم.

شعرت عائلة الشريف حسبما يروي صهره الجبرني بأن هناك مشكلة ما تحيط بابنهم، وكان الدليل من كلماته أثناء حديثهم معه، حيث بدت عليها علامات الخوف والتوتر، وهو ما أشعرهم أنه معتقل في سجون خاصة بالرئاسة أو بالأمن القومي، وتأكد ذلك بعد حوالي شهرين من البحث والسؤال عنه، أنه بالفعل مسجون بتهمة المشاركة في التفجير الذي وقع في مسجد دار الرئاسة في ال3 من يونيو عام 2011م والذي أصيب فيه الرئيس السابق علي عبدالله صالح وعدد من الوزراء فيما قتل آخرون.

عقب احتجاجات واسعة قام بها أهالي المعتقلين على ذمة جامع دار الرئاسة، أصدر النائب العام علي الأعوش قراراً بنقل جميع المتهمين من السجون السرية والأمن القومي إلى الأمن السياسي والبدء في التحقيق معهم عبر النيابة العامة، وكان الشريف يومها من الذين نقلوا مع بقية السجناء.

وكلت أسرة الشريف المحامي عبدالرحمن برمان لحضور جلسات النيابة، الذي قال ل«المصدر أونلاين» إن الشريف اعتقل في شهر 7 من العام 2011م وظل قرابة 8 أشهر مختفياً غير معروف مكانه.

وأشار برمان إلى أن الجندي الشريف تعرض لتعذيب وصفه ب«الوحشي» في التحقيقات السرية خلال فترة اختفائه، مضيفاً «ظل 46 يوم يصلي دون السماح له بالطهارة من قاذورات الحمام كونه كان مقيداً من اليدين والرجلين ويزحف على بطنه عند الذهاب للحمام».

وفيما يتعلق بقضية اتهامه نفى برمان وجود أي تهمة ضده قائلاً «لا يوجد أي دليل يدينه في ملف القضية بل لا يوجد تهمة أصلا»، لافتاً إلى أن التحقيق تحول من حادثة دار الرئاسة إلى قضايا أخرى.

وأضاف «التحقيق يدور حول قضية أخرى، وهي تسريب معلومات لشباب الثورة في ساحة التغيير، عن تحركات البلاطجة لمهاجمة الساحة كونه كان يعمل في تأمين منصة السبعين وكذا في الاتصالات الخاصة بالرئاسة».

عصماء: «والدي بريء ومسجون ظلماً»
لم تقتنع عصماء ابنة ال7 أن والدها قد ارتكب جريمة كما يدعون، وكانت تردد دائماً بقولها «أبي بريء .. أبي ما يفعلش حاجة غلط»، إلا أن كلماتها لم يقتنع بها سوى أفراد أسرتها الذين قالوا أنها لم تتحدث إلا من واقع الحياة التي عرفوا من خلالها والدها عبده الشريف، وعدم اندماجه مع أي أشخاص سيئين.

بعدما وكلت الأسرة المحامي برمان لمتابعة قضية ابنهم المعتقل، تمكن من إخراج إذن لزيارة أولاده له إلى سجن الأمن السياسي كل يوم أحد، حيث كانت هي المرة الأولى التي يرى الشريف زوجته وأولاده بعد اختفائه 8 أشهر.

رغم أن إدارة السجن سمحت للأسرة بزيارته مرة أسبوعياً، إلا أن السجانين كانوا أحياناً يمنعونهم من زيارته، فيما مرات عديدة كانت المقابلة تتم من خلف شباك يفصل بينهم وبينه عدة أمتار.

كانت عصماء حين ترى والدها أثناء زيارتها له بالسجن، تذهب إلى الجنود وتقول لهم «اتركوا أبي، هو بريء، عمره ما يتعرض لأحد ولا يسوي مشاكل، أبي يصلي كل الصلوات ويعلمنا الدين، ويقول لنا لا نسوي مشاكل، أبي بريء»، لكن كلماتها كانت لا تجدي نفعاً حيث لا أحد يسمعها سوى جنود ليس بيدهم القرار، وربما يصبحون ذات يوم هم الآخرين خلف القضبان، كما هو حال زميلهم الجندي الشريف.

«عصماء» تنتحر وتغادر الحياة
يقول صالح الجبرني خال عصماء أنها كانت أكثر الأبناء حباً لأبيها وبكاءً عليه، رغم أن هناك شقيق لها يبلغ من العمر 12 عاماً، حتى أنها هددت أكثر من مره بالانتحار إن لم يفرج عن أبيها.

ويضيف «رغم صغر سنها إلا أنها كانت ذكية، وكانت تقول أنها تعقدت من الحياة بسبب عدم وجود أبيها، وقالت لي أكثر من مره أنها ستنتحر إن لم يفرج عنه، وكنت وقتها أحاول أن أنصحها بعدم القيام بذلك، وأشجعها على الصبر وأقول لها أن والدك سيخرج قريباً».

لم يخطر في باله أنها تتكلم بصدق وبعزيمة منها، حتى أنه مازحها ذات يوم قائلاً لها «وين عتنتحري، لو كنتي بالبلاد كنتي حصلتي جبل ترجمي بنفسك منه، لكن هانا مابش جبال».

في أحد أيام الزيارة المخصص لهم في شهر 3 لزيارة السجين الشريف، لم يسمح الجنود لعصماء وأخوتها من لقاء أبيها واحتضانه، بل كان الشيء الوحيد أن تحدثوا معه من خلف الشباك الذي يفصلهم عدة أمتار.

عادت عصماء إلى المنزل وكانت تبكي، وبدأت تهدد كعادتها بالانتحار، وهي تقول «كان نفسي أحضن أبي وأبوسه، قدانا مشتاقة له، ليش ما يروح والله لا أروح انتحر»، ما دفع خالها لتهدئتها ويعدها أنها ستزرو والدها الأسبوع الثاني وتحتضنه.

بعد 3 أيام من تلك الزيارة، خططت عصماء جيداً للانتحار، مساء الثلاثاء 12-3-2012م، ذهبت إلى المطبخ وأخذت علبة الكبريت وأخفتها بين ملابسها، وفي صباح اليوم التالي الأربعاء خرجت من المنزل باكراً السابعة صباحاً، حيث كانت يومياً تذهب إلى مدرسة لتحفيظ القرآن قريبة من منزلهم الذي يقع في منطقة شملان بالعاصمة صنعاء، فيما لم يكن قد درست الابتدائية بعد، لأنه لم يسمح لها بالدراسة لصغر سنها.

أمسكت بمصحفها وغادرت المنزل، لكنها خدعت والدتها التي كانت تظن أنها قد توجهت بالفعل إلى مدرسة تحفيظ القرآن، بينما هي في الحقيقة عادت إلى خلف المنزل لتنفذ ما خططت له.

كومة من الورق والقراطيس جمعتها، أشعلت الكبريت، بدأت تحرق ما كانت قد جمعته، ثم أمسكت فستانها الذي كانت ترتديه ووضعته في النار التي بدأت بالتهامه فبدأ يشتعل بجسدها، وهي تصرخ مستنجدة، كيف لا وهي الطفلة التي أرادت الانتحار لكنها لم تكن تعرف آلام الاحتراق.

تداعى الجيران محاولين إنقاذها، ونادوا والدتها التي بدورها استدعت شقيقها صالح الذي فز من نومه مسرعاً إلى مكان الحريق وأنقذها، لكن بجسد محترق.

4 أيام من العلاج في مركز للحروق في المستشفى الجمهوري الحكومي، كلفت الأسرة مبالغ طائلة، حيث تقدر بأكثر من 200 ألف ريال، اضطرت الأسرة يومها لبيع بعض أثاث المنزل مقابل علاج عصماء.

لم يتبق من جسد عصماء سوى نصف وجهها العلوي وشعرها الذي لم يحترق، أما بقية جسدها فقد التهمته النيران، وهو ما زاد من ألمها، وبداية النهاية لسبع سنوات من عمرها.

بحسب خالها يقول أنه عندما كانت تصحو من غيبوبتها، تقول للدكتور «يا دكتور اتقي الله تشتي تموتني وانا عادنا اشتي أشوف أبي واحضنه بعدما يخرج من السجن»، إلا أنها سريعاً ما تعود إلى غيبوبتها التي لم تدم طويلاً قبل وفاتها، فآخر كلماتها قبل موتها كما يروي الطبيب هو تكرار كلمة «أبي بريء خرجوه من السجن».

نفذت عصماء تهديدها، احتجاجاً على استمرار سجن والدها الذي تقول أنه بريء ولا يمكن أن يقوم بأي جريمة أو مشكلة تضر أحد، لكن أحداً إلى الآن لم يسمع احتجاجها، فقد غادرت الحياة منتحرة، بينما لم يفد ذلك والدها، الذي لا يزال يقبع في السجن.

الأسرة تخفي الحقيقة عن والدها 6 أشهر
ماتت عصماء في شهر 3 من عام 2012، وكان يوم الأحد 17-3-2012م اليوم المحدد لزيارة الأسرة للشريف في سجن الأمن السياسي.

قررت والدة عصماء مع شقيقها صالح إخفاء الحقيقة عن والدها، وإخباره أنها ماتت بعدما سقطت في النار عندما كانت تلعب مع أطفال الحي أثناء احراقهم أوراق وقراطيس، فذهبوا بجثتها إلى أمام بوابة السجن، وطلبوا أن يسمحوا له بأن يخرج يلقي عليها النظرة الأخيرة ويودعها لكن طلبهم رفض من قبل إدارة السجن، فما كان منهم إلا أن قابلوه وأخبروه بموتها.

دفنت عصماء، ومرت 6 أشهر على إخفاء الحقيقة، حيث يقول صالح الجبرني ل«المصدر أونلاين»، «أخفينا الحقيقة عنه خوفاً من أن يحدث له شيء في السجن فقد كان يحبها كثيراً، كما أننا لم نخبر المحامي ولم نخبر حتى أغلب أفراد الأسرة بذلك، لكي لا يتم إيصال القصة إلى عبده، وهذا ما جعل الحقيقة تتضح الآن وتنتشر بعد شهور طويلة».

مطلع الشهر الحالي ديسمبر ، سمحت إدارة السجن لزوجة الشريف بالخلوة «قضاء عدة ساعات في غرفة مغلقة»، وهو ما أتاح له معرفة حقيقة وفاة ابنته، حينما أقسم على زوجته بأن تقول الحقيقة كونه شعر أنها ماتت بطريقة أخرى، فأخبرت الزوجة حقيقة ما قامت به عصماء، فانفجر باكياً وهو يقول «انتحرت بسببي، أنا السبب أنا السبب، ليش ما تكلموني وتخفوا عليا هذه الفترة بكلها».

بعد اسبوع طلب الشريف المحامي برمان، وأخبره بما حدث حيث لم يكن يعلم بالحقيقة، فاتصل بخال الطفلة، الذي بدوره أخبره بالقصة الحقيقة عن ما حدث لعصماء، فقام وقتها برمان بنشر صورها على الفيس بوك، وعقبها انتقلت المصدر إلى منزل الأسرة لإبراز القصة كاملة.

بعد رحيل عصماء عن الحياة، بدأت الأسرة تخشى من تهديدات شقيقها الأصغر عرفات 4 سنوات، الذي تحدث أكثر من مره أنه سينتحر كما عملت أخته في حال لم يفرج عن أبيه، ما دفع الأم المغلوبة على أمرها أن تطلب من شقيقها أن يذهب ويلتقط صوراً لأبنائها الثلاثة، خوفاً من أن يباغتها أحدهم وينتحر كما فعلت شقيقتهم.

يقول صالح «أختي أصبحت في حالة نفسية مزرية، لم تعد تعرف ماذا تعمل، زوجها في السجن، ومرتبه ال40 ألف لم يعد يكفي لإيجار ومصاريف زيارته والأولاد، إضافة إلى ذلك انتحار ابنتها، وتهديدات عرفات بالقيام بنفس ما قامت به عصماء»، ويضيف «حتى أنها طلبت مني تصوير أبنائها الثلاثة لتكون ذكرى لو أن أحدهم قام بنفس الحادثة».

ويضيف «أصبحت زوجة عبده الشريف يائسة من الحياة، لم تعد تعرف من سيتبقى لها من أبنائها إن استمر والدهم في السجن».

فقد الشريف وأسرته ابنتهم الوحيدة، ومرت الأشهر على وفاتها، ولم يغير انتحارها شيء، فما زال والدها في السجن مع سجناء آخرين اعتقلوا على ذمة حادث تفجير دار الرئاسة دون تهم واضحة، بينما ازداد الوضع المادي للأسرة سوءاً، فيما يستمر القلق عند زوجة الشريف خشية أن يقدم أحد أطفالها الثلاثة على الانتحار كما فعلت شقيقتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.