طيلة الخمسين سنة الماضية، وأعني منذ ثورة سبتمبر 62م، ونحن نمارس التدليس والمغالطة: "إن لدينا جيش، وإننا قد صرنا أوفياء لواحد من الأهداف الثورية الذي يؤكد على "بناء جيش وطني قوي... الخ". خمسون سنة، لم تتوقف عروضنا العسكرية، مع كل مناسبة أو ذكرى جديدة، كما لم نتوقف عن التبجح بمختلف العروض على الأرض وفوق رؤوسنا!
أيضاً، ظللنا نخطب ونزعق ونفاخر، ونشيد ونثمّن ونحيي أدوار البطولة لجيش منظور في عداده وعتاده، لكنه – مع الأسف – هش، ومجزأ، وعائلي، وبلا عقيدة وطنية، تحرس وجوده العتيد، وتجعل من وجوده قيمة لمعنى السيادة، سيادة الوطن والشعب.
خمسون سنة، نجحنا في إغراق المدن بالمعسكرات، فضلاً عن الصحاري والوهاد، والجبال، والسهول، لنكتشف أخيراً كم هي الحاجة إلى جيش يليق في إحدى أهم مهامه على الإطلاق أن نمنحه صفة (حرس الحدود)، حدودنا المنتهكة في كل مرة على التراب أو في عرض البحر! ثم هل نتذكر كم دام ولعنا بأنهار الدماء؟!
كنا على الدوام نفترض استعدادنا في مناسبة أو غير مناسبة لجعلها تسيل في معارك وحروب لا معنى لها سوى المعنى الذي يتقنه تجارها ومحتطبوها، من الجنرالات وتجار الأسلحة، ومشايخ، وغيرهم.
اليوم وبعد هذه الخمسين ثورة، نحاول أن يكون لنا جيش، نحاول أن تكون له عقيدة، وانتماء خالصان للوطن..
نحاول بناء جيش نظيف من ولاءات للحاكم الفرد، وللقبيلة، وللحزب، وخالياً من وباء المناطقية والفئوية. لا بأس، أن يحدث الانتباه على هذا الوهم الكبير متأخراً، ولنقل أن رغبتنا وإرادتنا الآن ينبغي أن تتحقق في وجود جيش. واللهم فاشهد..