ماليزيا الحاضر ليست كماليزيا الماضي، كما أن يمانيو اليوم في ماليزيا ليسوا كيمانيو الأمس, حينما قدم اليمنيون قبل عدة قرون من الزمن إلى ماليزيا لم يحملوا معهم البضائع التجارية فقط، بل حملوا معهم دينهم وموروثهم الثقافي والحضاري واستطاعوا أن ينشروه في ارجاء البلد الذي كان مجتمعه انذاك مجتمعا بدائيا بسيطا. قدم التجار اليمنيون وهم يحملون في قلوبهم الحب وفي ايديهم العطاء والبذل, تعرفوا على الأسر الحاكمة وتزوجوا منهم حتى تمكنوا من نشر الاسلام في ارجاء البلد, ولم يكن نشرهم للإسلام بسرعة فائقة سوى نتيجة صدقهم في المعاملة والتعاملات التجارية, وأخلاقهم العالية والراقية, وإخلاصهم لدينهم وعملهم ايضاً.
أما اليوم فماليزيا لم تعد كما كانت واليمنيون أيضاً تغيروا او تم تغييرهم, لم يعد المجتمع الماليزي بدائياً كما كان بل اصبح من المجتمعات المتحضرة التي تحث الخطى نحو العالم الاول, بينما اليمن التي كانت آنذاك تعيش أوج حضارتها هاهي الآن تعيش في عصور الظلام.
حينما يقدم اليمنيون اليوم الى ماليزيا طلاباً أو عمال، لم يعد ذلك الترحيب والحفاوة التي كانوا يستقبلون بها, بل مع مرور الايام يتم التضييق عليهم وعلى أعمالهم ودراستهم, ليس ذلك بسبب تغير الماليزيين، فالماليزين ما زالوا يعتبرون اليمن وحضرموت خاصة هي القبلة الروحية والفكرية والثقافية لهم.
إذاً، فالسبب الحقيقي هم اليمنيون أنفسهم, ولنقل بالتحديد هي تلك الحكومات المتلاحقة على اليمن ومؤسساتها الرسمية في الخارج من سفارات وملحقيات التي أعطت صورة قاتمة بل وسوداء عن اليمن, عبر سفراء وقناصل وملحقيين ومسؤولين ومبعوثين غير مؤهلين لأن يكونوا ممثلين لبلد كاليمن, فبدلاً من أن يطوروا العلاقات التاريخية المشتركة بين البلدين يقتلون التاريخ المضيء ويدفنونه في معاملاتهم واهمالهم وتجاهلهم لكل المشاكل التي تحدث لابناء الجالية طلاباً وعمال.
إن المخزون التاريخي الذي تمتلكه اليمن في ماليزيا تستطيع أن تستثمره استثماراً عظيماً على شتى الصعد والجوانب الاقتصادية والثقافية والسياسية اذا ما وجد نظاما سياسيا حقيقيا ومؤسسات خارجية تعمل لصالح اليمن.
إن من أهم الاسباب التي شوهت الصورة النقية لليمن في ماليزيا في هذا الوقت, تتمثل في الآتي, عدم وجود سفارات وملحقيات تقوم بدورها بشكل صحيح, تفاقم مشاكل الطلاب المبتعثين للدراسة في هذا البلد, تفاقم مشاكل العمال وابناء الجالية الموجودين في ارجاء ماليزيا, إهمال او انعدام العلاقات السياسية والدبلوماسية بين البلدين, سنبدأ في الحلقة القادمة في تفصيل كل نقطة على حدة وكل سبب وحيثياته.. إلى الملتقى.