ذهب البعض إلى انتقاد زيارة أعضاء مجلس الأمن الدولي لليمن الأحد الماضي من أجل دعم التسوية السياسية، واعتبروا الزيارة تدخلا سافرا في شؤون اليمن الداخلية لفرض هيمنة واضحة على التسوية التي خلصت إليها المبادرة الخليجية، وتجاهلوا الدعم الذي يتلقونه هم شخصياً من دول أخرى من أجل أغراض وأهداف لا يمكن أن توصف بالنبيلة أو تصب في مصلحة الشعب. المثير حقا للاستغراب أنهم ينأون بأنفسهم جانبا ولا يرجعون ذلك التدخل السافر (بحسب تعبيرهم) إلى كثرة خلافتهم وتغليب مصالحهم الشخصية على مصالح الناس، فلو تخلى كل فصيل من هذه الجماعات المهووسة بحب السلطة والسيطرة على الحكم عن مصالحه الآنية والأنانية وغلّب المصلحة العامة لما وصل الأمر إلى هذا الحال المزري الذي يجعلنا نستدعي العالم من أجل أن "يحكم بيننا" وجعل اليمن أولاً وليس تلك الولاءات الضيقة التي تتحكم بهم وبأهوائهم.
وتتنوع تلك الفصائل كلا بحسب مصلحته الشخصية التي يبتغيها، فهنالك من لايزال يحنّ إلى الماضي إما لأنه وجد مصالحته قد ذهبت أدراج الرياح بذهاب النظام السابق، لذا فهو لليوم يحاول بشتى الطرق تخريب كل ما يحاول غيره تصليحه وترميمه، أو ذلك الجاهل الذي مازال يرى في المخلوع "فارس العرب". وفي الطرف الآخر يوجد أولئك الذين يحلمون بالعودة إلى كرسي الرئاسة أو حكم البلاد بدون مرجعية ديمقراطية وهم نوعان: فالأول هو من يرى في نفسه الأهلية المطلقة لحكم البلاد والعباد ليس لسبب جوهري، إلا أنه ينتسب إلى سلالة النسب الطاهر، والآخر بالرغم مما يراه من أن المجتمع الدولي يتجه نحو التجمعات والتكتلات والوحدة بشتى أنوعها، نراه يذهب هو نحو طريق آخر من أجل نزعة عنصرية موجودة فيه والحلم بالتحكم بآبار النفط والتي لازالت في علم الغيب.
المجتمع الدولي في الوقت الراهن لم يعد كما كان عليه في السابق، فهو اليوم يربط بعضه بعضاً علاقات دولية ومصالح مشتركة وروابط متعددة ومتنوعة، وكل يبحث عما يزيد من قوته وهيمنته، ومن ضمن أطر هذه العلاقات إطار سيطرة وتحكم الدول الكبرى بالدول الصغرى والتي لا تقاس اليوم بزيادة مساحة الأرض أو بالقوة العسكرية التي تمتلكها فقط وإنما بما تقدمه هذه الدول العظمى أيضاً للمجتمع الدولي من خدمات ومصالح وعلوم مختلفة ومساعدات على شتى أنواعها، بحيث يسمح لها ذلك بفرض نفسها وإيجاد مكانة لها بين الآخرين، وهي بهذه الطريقة تفرض هيمنتها على تلك القوى الضعيفة التي تعيش عالة على المجتمع الدولي، وهكذا تُسلب حرية الشعوب من قبل الدول الكبرى وتتحكم في مصيرها بسبب ضعف تلك الدول التي تعيش عالة على الآخرين وبسبب تأخرها عن مواكبة المجتمع الدولي ومسايرة الركب.
ذُكر مراراً وتكراراً أن الشعب اليمني تزداد معاناته وهو يعاني من الهشاشة، وبأن 42% من اليمنيين لا يملكون المال اللازم لشراء الطعام لأنفسهم، بينما وجد 29% لا يستطيعون توفير مأوى أو منزل وذلك بحسب استطلاع أجرته منظمة "غالوب" في العام 2011، وبحسب صندوق الأطفال للأمم المتحدة والذي حذر من أن اليمن "على حافة مواجهة كارثة إنسانية حقيقة" شبيهة بتلك التي يواجهها الصومال، واليمن احتل المركز الثاني بعد الصومال في سوء التغذية بين الدول العربية والفقر المدقع وليس الفقر العادي.
ولذلك كله أصبح المجتمع الدولي أكثر رأفة لحال اليمن واليمنيين من أولئك الذين يغلبون مصالحهم على مصالح الشعب، ومن أجل الحال المزري الذي وصلنا إليه قام المجتمع الدولي والمتمثل في مجلس الأمن بزيارة تاريخية لليمن في 27 يناير 2013 ليدعمنا فهل نقوم نحن بدعم أنفسنا؟