الممتلكات العامة تظل حقاً مقدساً للشعب في أي مكان أو زمان. وهذه قاعدة أزلية، لا تتأثر بأية عوامل أو ظروف، لكن القائمون على الجمعية السكنية الخاصة بالإدارة المحلية كسروا القاعدة قبل حوالي شهر، واستحوذوا على موقع مستوصف المدينة السكنية، ودمروا أسواره المبنية منذ العام 2003. وفي 25 ديسمبر الفائت، قدم مجموعة أشخاص يقولون إنهم يتبعون محمد الحرازي أمين عام الجمعية، إلى موقع المستوصف رفقة جنديين من الشرطة العسكرية وشيول، وسارعوا إلى الخلاص من السور: حارس الأرض الأمين، الذي أمّنت به وزارة الصحة الأرض، حتى تعود لتبني فيها ما يحمي حياة الناس.
تربض أراضي جمعية موظفي الإدارة المحلية، شمال شرقي مدينة سعوان السكنية بأمانة العاصمة، وتقع الأرضية التي سلمها مكتب الصحة بالأمانة للمقاول لتسويرها كمستوصف، جنوب غربي الجمعية، وحدة جوار رقم (954)، وفقاً لمحضر التسليم الموقع في 17 يونيو 2003.
تم تسوير الموقع، دون اعتراض أي جهة. وظل الوضع مستقراً حتى مايو الماضي: ارتفعت أسعار الأراضي في المنطقة وزاد الطلب عليها فارتفعت معها شهية مسؤولي الجمعية للاستيلاء على موقع المستوصف، وبدأوا الادعاء بملكية الجمعية لهذه الأرض التي هي أصلاً ضمن أملاك الدولة، وقد سلمتها الهيئة العامة لأراضي وعقارات الدولة إلى مكتب الصحة في 6 فبراير 2008 للاستخدام الرسمي، بمحضر وقّع عليه مدراء عموم الصحة وهيئة الأراضي بالأمانة وأمين العاصمة.
لم يعد هنا أدنى شكّ حول ملكية الأرض، لذا لم يكن أمام المعتدين سوى الهجوم على سور المستوصف بمحاولة منهم لوضع حدّ لآمال اهالي المنطقة وتحدياً للصحة.
الواضح أن مسؤولي الجمعية يشكلون جبهة صدّ باعتبارهم يتقلدون مناصب حكومية عليا، أحدهم من ذوي الاختصاص في مكافحة الفساد. في مايو الماضي، وجّه محمد سنهوب عضو هيئة مكافحة الفساد مسؤول في جمعية موظفي الإدارة المحلية التي اعتدت على الأرض، رسالة إلى رئيس هيئة الأراضي والتخطيط الحضري يتهم من يصفهم بالأطراف الأخرى "بأنهم يريدون نقل موقع المستوصف من موقع خارج الجمعية إلى أرض الجمعية". واعتبر ذلك خروجا عن المخطط وهو ما يعد من جرائم الفساد، مطالباً موافاة هيئة الفساد "بصور من كافة الوثائق ذات الصلة بالموضوع ليتسنى لها النظر في القضية".
تجاهل سنهوب أن مسؤولي الجمعية، وهو أحدهم، يريدون أخذ ممتلكات الدولة بغض النظر عن تخطيط أوغيره. يمتلك سنهوب منطقا غريبا جداً، فهو يصنّف الأمور وفق ما يريدها أن تكون، فبناء مستوصف لمعالجة الناس وتوفير خدمة هي من صميم واجبات الجمعية تجاه المساهمين الذين أخذت منهم نصف ما اشتروه باسم مرافق، يعتبر في لائحته جريمة فساد. هذا إن كانت الأرض تابعة أصلاً للجمعية، أمّا وهي مسجلة ضمن أملاك الدولة، ويريد الاستيلاء عليها حرصاً على مخالفة التخطيط الحضري كما يدعي، فالمنطق يقول إن هذا هو الفساد.
لم يصمت أهالي حي المراون بسعوان حيال الاعتداء الذي استفز كبرياءهم واتجهوا لتقديم شكوى إلى وزير الصحة وبلاغ للنائب العام يطالبونه بالقبض على المعتدين على أملاك الدولة وإحالة القضية إلى النيابة.
واستغرب الأهالي من حماية جنود شرطة عسكرية للمعتدين أثناء هدم سور المستوصف، فضلاً على تواجد موقع للشرطة العسكرية أعلى مكان المستوصف المعتدى عليه. متسائلين: هل وجود الموقع لحماية ممتلكات الدولة أم لحماية الباسطين عليها؟