تقع مدينة تريم في الجزء الشرقي لمحافظة حضرموت، وسط وادي حضرموت، وبالتحديد إلى الشمال الشرقي من مدينة سيئون بمسافة 34 كيلومتر. تقدر مساحتها الإجمالية ب2894 كيلومتر مربع. سبب تسميتها يعود إلى اسم بانيها (تريم بن حضرموت) - حسب ما يقول مرتضى الزبيدي في كتابه «تاج العروس». أما تاريخ بناء المدينة فيعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد - كما يؤكد كثير من المؤرخين. يبلغ عدد سكانها حوالي 125 ألف نسمة. تأسر ناظريك لأول وهلة عند زيارتك لها، فمبانيها المتراصة تجسّد لك معاني الوحدة، وبساطة وهدوء ساكنيها يضيف لمسة رائعة للمدينة قلّ أن تجدها في مدينة أخرى، ومنابر مساجدها العالية تزيّن سماء المدينة الموسومة بالعلم والعلماء. أما قصورها المبنية من الطين والمصممة بطرق هندسية تجسّد براعة الإنسان الحضرمي وإبداعه في فن البناء والعمران.
لمشاهدة ألبوم صور من تريم اضغط هنا تحيط بها أشجار النخيل الباسقة لتشكّل مع مبانيها الطينيّة حديقة كبيرة يستمتع الزائر بالتجول فيها دون كلل أو ملل، كل هذا يعطي الزوّار والسياح متنفسا ينقلهم إلى عالم آخر من الاستمتاع بمناظر خلابة في عاصمة حضرموت الروحية والتاريخية.
روعة العمارة الطينية يعد الطين المادة الخام للبناء في تريم ووادي حضرموت عموماً، يتفنن البناءون، أو ما يسمونهم في تريم (المعالمة)، في تشكيلها والتفنن في النقش عليها.
حيث تبدأ حكاية البناء بصنع اللبن أو «المدر» من الطين التي تتوفّر وبكثرة عبر تمثال من خانتين في مصانع المدر (المقالب)، وتُترك لمد يومين أو ثلاثة لتضربها أشعة الشمس القويّة ثم يتم بيعها لأرباب مقاولات البناء الذين بدورهم يبنون البيوت منها. ويحضر الطين مرّة أخرى ليحل محل الأسمنت بين كل لبنة وأخرى.
وحتى تكتمل الصورة الإبداعية للحضارة الطينية يقدّم الكثير على كسي واجهة بيته ب«النورة» البيضاء التي تتخللها بعض النقوش والآيات القرآنية التي تدلّ على تدين أهل تريم وارتباطهم الوثيق بحضارتهم الإسلامية.
وتبرز المآذن الطويلة كشاهد آخر على الحضارة الطينية الفريدة كفن تميّزت به المدينة عن غيرها. فمنارة المحضار المشهورة شُيِّدت في أوائل القرن الرابع عشر الهجري، يصل ارتفاعها إلى (175) قدم تقريبا أي ما يعادل 53 مترا تقريبا. وبنيت المئذنة من الطين، وسُقفت طوابقها السبعة بجذوع النخل، بينما تولّى تصميمها وبناءها عوض سليمان عفيف، وباتت أبرز معلم تاريخي في المدينة يتوافد السياح لزيارته وللوقوف على براعة الإنسان «التريمي» غير مصدّقين أن مئذنة بهذا الارتفاع مبنية من الطين.
إلى جانب ذلك تقف القصور التاريخية كتحفة فريدة تزيّن شوارع المُدن الرئيسية. فقصر «عشة» يُبهرك بنقوشه وقصر «الرناد» بضخامته وروعته، حيث صُمم لتصعد سيارات السلاطين المتعاقبين على حكم تريم سابقا إلى سطح القصر - حسب ما يتداوله أهل تريم، أضف إلى ذلك قصر «المنيصورة» وقصر «السلام» وغيرها من القصور التي تزيّن المدينة، والتي أعيد ترميمها خلال فعالية تريم عاصمة الثقافة الإسلامية 2010م.
كما لا تزال هناك بقايا سور المدينة الذي كان يفصل بين السلطنة القعيطية والكثيرية والمبني من الطين أيضا وتتخلله قلاع طويلة كانت تستخدم في مهمات دفاعية وبوابات حدودية ك«سدة يادين»، التي أعيد تشييدها في 2010م.
ويُرجع البعض في استخدام تريم ومدن وادي حضرموت عموما مادة الطين في البناء لمقاومتها الظروف المناخية والحرارة. فتجد البناء الطيني دافئا في فصل الشتاء وباردا في الصيف.
لا تنتهي حكاية العشق عند البناء فقط، فللأبواب والنوافذ شأن آخر مع الزخرفة والنقوش المحفورة على الخشب، وغالباً ما تُطلى باللون الأسود لتشكِّل مع اللون الأبيض تناسقاً لونياً غاية في الفخامة والجمال.
الإنسان في تريم ذاك الشخص الذي يلبس الفوطة (الصارون) المشدودة بحزام من الجلد مع «الشميز»، والمتوشح ب«الحبوة» في جلسته، بسيط في كلامه وملبسه، هادئ الطبع، كثير التفكير، يعمل بصمت، ويعشق الإبداع والإتقان في كل شيء هذا هو الإنسان في تريم - باختصار.
كثير ما أسأل من قابلتهم ممن زار مدينتي «تريم» ما أبرز ما لفت نظرك؟ فيرد عليّ - بدون تفكير- «بساطة الإنسان وهدوؤه». ففي تريم بإمكانك أن تدخل إلى مطعم للوجبات الشعبية مليء بالناس، لكن لن تسمع مع ذلك الأصوات المزعجة، فكلٌ يطلب غرضه بهدوء دون أي إزعاج، وبإمكانك أن تدخل المدرسة التي تضم أكثر من 1000 طالب فلن تسمع ضجيجاً رغم كثرة العدد.
أيضا ما يميّز الإنسان في تريم التدين الواضح الذي تشاهده من خلال امتلاء المساجد بالمصلين وحلقات الذِّكر بين العشاءين، والتي تتجاوز 400 مسجد، وكذلك المراكز التعليمية المنتشرة في المدينة كرباط تريم ومراكز تحفيظ القرآن ودار المصطفى للدراسات الإسلامية وغيرها.
كما يتميّز الإنسان في تريم بإبداعه في مختلف الفنون. ففي البناء المعماري تشهد له القصور الفخمة، وفي الحدادة والنجارة تشهد له الأبواب والنوافذ التي تزين المنازل والتي تعد آية في الجمال. وتشهد الكثير من الابتكارات على رجاحة العقل ال«تريمي» ليس آخرها صناعة مُعاق لدراجة نارية خاصة بالمُعاقين تسهّل لهم الانتقال من مكان لآخر. وأيضا كان لتريم السبق في صناعة المكيّفات الصحراوية.
من أكثر الأشياء التي يفاخر أهل تريم بها المبادرة. فالكثير من المرافق العامة بنيت وأسست بجهود شعبية. فمثلا مستشفى تريم بُني على أيدي المواطنين، وكانت الطريقة هي أن يفرغ كل مواطن يوماً في الأسبوع يكون عمله فيه لبناء المستشفى. وهكذا بتضافر الجهود تم بناء المستشفى، وإلى جانبه الكثير من المشاريع الخدمية كإصلاح السدود ومجاري السيول والطرقات، وكلها كانت بجهود شعبية وبتنظيم من النظام الحاكم في تريم آنذاك.
معوقات في طريق السياحة رغم ما تزخر به المدينة من فن معماري وأثري كبير إلا أنها تشتكي عدم وجود متحف يضم آثار المدينة المتناثرة في عدد من القصور غير المتحف العلمي المتمثل في مكتبة «الأحقاف» للمخطوطات، والتي أُنشئت في عام 1972 وتضم 6200 مخطوطة متنوعة؛ منها «التفسير والحديث والفقه والتراجم والسير والتاريخ والطب».. يعود بعضها إلى القرن الخامس الهجري.
كما تعد مشكلة المجاري الطافحة بمثابة قنبلة موقوتة حسب تعبير رئيس لجنة التخطيط في محلي تريم علي صبيح تشوّه جمال المدينة وتترك انطباعاً سيئاً لدى الزائر، وهذه معضلة تشتكي منها المدينة، إذ تعثر مشروع المجاري لسيئون وتريم منذ أكثر من 10 سنوات، والذي رُصدت له المليارات لتنفيذه لكنه لا يزال مغيبا لدى الجهات المعنية دون معرفة السبب.
إلى ذلك، تُعاني المدينة من عدم وجود مكتب متكامل للسياحة، وإن وجد ففيه مدير فقط، فمن أين ستنتعش السياحة إذا كان هذا وضع مكتبها؟! علاوة على ذلك لا توجد فنادق للنازلين سوى فندق واحد يعود لأحد التجار، وهو ما يجعل الزائر ينزل في سيئون ثم ينطلق منها إلى تريم، وهذا يشكل عبئاً عليه.
أما الطامة الكبرى، فتكمن في الزحف العُمراني الرهيب على المدينة التاريخية، والذي بدأ يتّسع خصوصا في السنوات الأخيرة بعد قيام الكثير من المستثمرين ببناء مجمّعات تجارية وسكنية داخل المدينة، الأمر الذي أدى إلى تشويه المدينة التي تفاخر بتراثها. كما يبدي الكثير من المواطنين والمزارعين استياءهم من قلع أشجار النخيل التي تحيط بالمدينة من كل الجوانب؛ بهدف البناء على الأراضي الزراعية.
مدينة تهددها السيول لا تزال مشكلة متضرري كارثة سيول 2008 في تريم إحدى أبرز المشكلات التي تعانيها المدينة، فهي الأكثر تضررا من الكارثة إلا أنها الوحيدة المحرومة من استكمال المباني المخصصة للمتضررين. فبعد أربع سنوات مرت على الكارثة لا تزال مئات الأسر تعيش في منازل الإيجار أو منازل أقارب لهم، في حين استكمل البناء في أغلب المدن المتضررة من الكارثة.
كما يبدي الكثير من المواطنين تخوّفهم من انتشار شجرة «السيسبان» وبكثافة في مجرى السيول التي تعيق جريان السيل في المجرى الرئيسي لوادي حضرموت، الذي تتجمع فيه سيول الوديان الفرعية باتجاه البحر العربي، وكانت أحد أبرز الأسباب لوقوع كارثة سيول 2008، لكن إلى الآن لم تجد السلطة المحلية في المحافظة حلا لهذه المشكلة.