إلى ما قبل أسبوع تقريباً، لم أكنْ أدري أن معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنه) كان إصلاحياً، أو عضواً في جماعة الإخوان المسلمين، إلى أن أخبرني سائق الباص المحترم. كعادتنا هنا في اليمن، نفتتح الحديث عن أي موضوع في الحياة، ثم ما يلبث أن يتحول الموضوع تماماً إلى عراك سياسي طرفاه علي محسن وأولاد الأحمر والمشترك، في مقابل آل صالح والحراك والحوثيين والبقية الباقية من أحزاب التحالف الوطني.
سائق الباص إياه قال لي إن معظم الإصلاحيين "خربانين" وسرق و..و الخ. فقلت له: كم تعرف من أعضاء حزب الإصلاح؟ قال كللللللللللهم من عند معاوية إلى الزنداني وأولاد الأحمر وهلمّ جرا.
صعقت بجد؛ معاوية إصلاحي وأنا مش داري!!
لم يكنْ هدفي من النقاش معه الدفاع عن حزب الإصلاح، بقدر ما هو دفاع عن الذين يذهبون ضحايا لنظرية التعميم. فبقدر ما يعمم هو "الخراب" على معظم الإصلاحيين، بمن فيهم معاوية، فليس بإمكاني أن أصنع منهم ملائكة بلا أخطاء فهم بشر مثلهم مثل غيرهم، يصيبون ويخطئون وفيهم "خربانين" أيضاً، وهذه سنّة في أي جماعة أو فئة أو أمة.
تذكرت حينها سائق تاكسي آخر في صنعاء حينما قلت له "أنا من مارب" في رد على سؤاله: من أين أنت يا خبير؟
قال: "مش معقول"، وهو ينظر إليّ بغرابة، مضيفاً "أصحاب مارب كلهم "مُقَعّشين" وما "يلبسوش جينز"!!
لاحظوا كلمة "كلهم" هذه، والتي نستخدمها في أغلب أحاديثنا، وأحكامنا على الناس.
قلتُ له: سكان مارب يفوقون ربع مليون نسمة، فكم تعرف مقعّشاً منهم؟ هبْ أنك تعرف ألف شخص أو حتى الفين، أليس إجحافاً أن تحكم على الناس هكذا؟
ثقافة التعميم سيئة، وتضع المتفاوتات في مرتبة واحدة من غير برهان, ويسميه بعضهم "القفز إلى الخاتمة"، واستخدام مجموعة صناديق جاهزة ليسهل عملية إلقاء الحكم من دون استثناء.
و"النظرية العمومية" لا تدعْ مجالاً للاستثناء، ولا تجلب مزيداً من الجهد والعناء، فبإمكانك أن تقول إن الغرب كله يكره الإسلام، أو أن كل الشعوب الأفريقية متخلّفة، أو إن الحوثيين كلهم يسبون الصحابة، وهكذا دواليك، وهو ليس من مسلك الحكماء ولا العقلاء، ويعود إلى قلة الخبرة، والتعصب للرأي.