كان مارتن لوثر كينغ الثالث مشاركاً في منتدى الاتصال الحكومي في الشارقة الأسبوع الماضي، وهو حضر ليتحدث عن تجربته كناشط حقوقي على اتصال مباشر بالحكومة، ووفّر جانبا كبيرا من حديثه عن والده الناشط الحقوقي الشهير مارتن لوثر كينغ، وأثناء حديثه كنت أتمنى أن الكثير من اليمنيين كانوا يستمعون له، فهو تحدث عن الأزمات وحلها والثقة بين الأطراف وأسباب العنف وكيف أن الألم والقهر الإنساني هو نفسه في أي مكان في العالم. تحدث الرجل كحكيم، وبدا كما لو أنه يتحدث لليمنيين، ويشير إلى طريق الحل، وهو قال إن حل أي نزاع في العالم بين طرفين يعتمد على "ست خطوات تبدأ بجمع الحقائق ثم المفاوضات وتمر بالنقاش والتصالح ثم الالتزام باحتواء إحباطات الشعوب وتقديم تنازلات من كلا الطرفين". أما العقبة الخطيرة التي قد تعرقل أي إنجاز حقيقي في أي بلد فهي انعدام الثقة، "إذا لم توجد الثقة ولم يكن هناك رغبة في الحل فسنصل إلى حائط مسدود"، وقال وهو يستعيد تجربة والده: " يجب أن يكون هناك تصرف مباشر من قبل الناس إذا لم يجدوا الحل".
ثم تحدث مارتن عن الفعل الناضج للجمهور: "عندما لا يُعامل الناس باحترام في موطنهم فسيكون لديهم تصرف ناضج، كما حصل في الفترة التي عاصرها والدي"، وهو يشير إلى الإضرابات التي لجأ لها السود في أمريكا بعد اعتقال سيدة سوداء اسمها روزا باركس رفضت إفساح الكرسي الذي تجلس عليه داخل الحافلة لرجل أبيض كان واقفاً.
التصرف الناضج هو الاحتجاج بشكل سلمي، والفكرة الرئيسية في المسألة كلها هي في كيفية تحويل غضب الجماهير إلى فعل قوي ومؤثر بطريقة سلمية، ومهمة القادة السياسيين تكمن في توجيه ذلك الاحتجاج للضغط والتأثير حتى يتم الاستجابة له، والملاحظ في قصة مارتن لوثر كينغ الأب أنه تعرض للاعتقال أكثر من 40 مرة، لكن قوته الأساسية كانت في إيمانه بقوة العمل السلمي.
يقول مارتن الابن: "العنف لغة الذين لم تُسمع أصواتهم، وهم غالباً يستخدمون العنف للتعبير عن أصواتهم التي لا تُسمع بالطرق العادية، لذلك كانت مهمة والدي هي تحويل هذا القهر والغضب إلى سلوك احتجاجي مسموع وسلمي في الوقت نفسه".
كنت أستمع إلى حديث الناشط الحقوقي الشهير يوم الاثنين في الأسبوع الماضي، في الوقت الذي كانت الأحداث في عدن وحضرموت لا تزال ساخنة، وعندما تسمع ما يقال والأحداث لا تزال على البال ترغب في المقارنة، وتود لو أنك تنقل ما تسمع في نفس اللحظة إلى الرجال الغاضبين في الشارع وقياداتهم وإلى رجال السلطة والأحزاب في الوقت نفسه.
الكثير من الذي يحدث تعبير عن غضب مشروع، لكنه تعبير قاس وعنيف، ولا يؤدي إلى نتيجة سوى المزيد من الخسائر والتعب، وفي المناطق الجنوبية بالذات لا تشعر أن هناك الكثير من الذين يؤمنون بما كان يقوله ابن مارتن لوثر كينغ الذي يبدو لي الآن وأنا أسمعه مقنعاً وحكيماً، ولديه تجربه عظيمة يمكن أن تدعم كل ما يقوله.
كنت أريد القول إننا يا سيد مارتن مقبلون على حوار وطني، وهناك من يعتقد من أبناء المناطق الجنوبية أن الحوار مضيعة للوقت مع "أصحاب السلطة الغاشمة في صنعاء"، ولا فائدة منه، ومن يشارك فيه فهو خائن، وبدا كما لو أن الرجل قد سمع ما كنت أفكر فيه، فقال: "لا بد من التواصل، رغم أن البعض قد يعتبر هذا خيانة، لكن مارتن لوثر كينغ استطاع تحقيق التواصل إضافة إلى التظاهر، وهناك خط فاصل بينهما، إذ في كل ثورة هناك أشخاص سيتظاهرون وآخرون سيقومون بالتواصل، الحوار جيد، ولا يمكن أن تتقدم خطوة دون حوار وتفاوض لحل المشكلات".
وعندما خطر في بالي رئيس الجمهورية كان مارتن يقول: "الألم هو نفسه في أي مكان في العالم، والقهر الإنساني لا يرتبط بمكان معين، المهم هو معالجته والبحث عما يوحدنا لإحداث تغيير في العالم، لا سيما مع القائد الجيد الذي لا يهم إن كان دينياً أم مدنياً، والقول المأثور هو أن السياسي الجيد هو من يحضر للانتخابات المقبلة، أما الرئيس فهو من يحضر لتأسيس جيل جديد".