بالتزامن مع مؤتمر الحوار الوطني الشامل في صنعاء يلاحظ بالعين المجردة ان الجنوب يغلي ويثور اليوم بأكثر مما كان يشتعل في عهد الرئيس السابق! وبقدر الإحساس العالي بالمسؤولية الوطنية لرئيس وأعضاء مؤتمر الحوار الوطني تجاه القضية الجنوبية باعتبارها مفتاح الحل، أصابني الذهول من ضبابية الصورة التي تلف المحافظات الجنوبية.
فالمؤكد أنه لا يوجد في اليمن عاقل واحد لا يؤمن بعدالة القضية الجنوبية وبحق إخوتنا الجنوبيين برفع أصواتهم عالية ليزلزلوا الظلم الذي نهش لحم الأرض والإنسان في العهد السابق!
ومصدر الدهشة أن الشعب اليمني قد ثار ضد نظام صالح وأخرجه من الحكم وخلع عنه العرش والجاه، و تبعا لذلك فالمفروض أن الشعب اليمني بشماله وشرقه وغربه قد انتصر لإرادة الجنوب أولا!
فهل يستحق أبناء اليمن الثائرون والشهداء والجرحى أن يكافئهم الجنوب بالانفصال عقابا لهم لأنهم ثاروا ضد نظام صالح !
وبالإمكان القول أيضا إن ما حدث ليس كافيا لأنه في المحصلة ليس أكثر من إنكار المنكر! لكن دون تحقيق الأمر بالمعروف وإقامة الحق!
لكن ها قد لاحت أمامنا جميعا الفرصة التاريخية الاستثنائية وربما الأخيرة ليشترك الجنوب والشمال وكل اليمن في الوقوف معا علي طريق النجاح بعد الفشل الذي أثخنتنا أوجاعه.
ما أريد الوصول إليه هنا هو التفكير بعمق وبصوت عالٍ مع إخوتي الثائرين الغاضبين أصحاب الحق العادل في المحافظات الجنوبية, فصوتكم قد وصل، وسمعته كل طبلة أذن في الداخل والجوار الإقليمي والعالم، فأنتم أصحاب الصوت المسموع اليوم، فلا تساهموا بقصد أو بغيره في إضاعة هذه الفرصة التي تملكونها بين أيديكم! وأرجو صادقا محبا ألا تغضبوا مني وأنا أذكركم بأنكم في الجنوب منذ عام 1990 ومعكم كل اليمنيين قبلتم وصفقتم وباركتم الوحدة ورضيتم بالحكم والحاكم طوال السنوات الماضية رغم أن الجميع يحكمونكم وتتحكم بكم عائلة واحدة في سنحان! واليوم وقد تغيرت الأقدار وهبت الرياح باتجاهكم فأصبح الرئيس ورئيس الحكومة ووزير الدفاع وعدد كبير من القيادات العسكرية والمدنية من الجنوب إذا بكم تطالبون بالانفصال! لن يكون المنطق في صفكم إذا كان اعتراضكم علي الأشخاص فقط حتى وهم جنوبيون هو مبرر داعيكم للانفصال.
قطعا أنا هنا لا أتعمد تسطيح الأمور بمناقشة القشور، فأنا أدرك أن المظالم في الجنوب تستدعي رؤية أعمق وأكثر شمولا. لكن أيضا لا يبدو أمام عاقل أن الجنوب سيخلد للهدوء ولن ينزلق في الحروب والصراعات والنزاعات وقديم الثارات في حال وقع الانفصال! بل إن المؤكد أن جحيم الانفصال ستحرقنا وتحرقكم ودول الجوار في وقت وحد وهذا هو بالضبط جوهر ما نخافه حد الرعب!
الجديد هنا أننا جميعا أمام فرصة التاريخ النادرة جدا من خلال مؤتمر الحوار الوطني الشامل علي الهواء مباشرة أمام سمع وبصر العالم.
وهذا الحوار محاط بآمال عريضة ملقاة على عاتق الكوكبة العاقلة والمجربة من القيادات والنخب الشابة والمرأة والمستقلين وشباب الثورة وحتى العائلات اليمنية! بإخراج اليمن من كارثة انقسام الجيش والتشظي المجتمعي وتآكل هيبة الدولة والفلتان الأمني صوب دستور جديد ودولة النظام والقانون. ولن يكون ذلك فضلا وكرما منهم، فهم اليوم أمام التاريخ وجها لوجه الذي سيلعنهم في حياتهم وبعد مماتهم إذا أخفقوا أو خانوا مسؤولياتهم تماما كما سيكرمهم التاريخ والناس أجمعين إذا أنقذوا اليمن وكانوا بمستوى المسؤولية.
وإن كنت أعتقد أن الإفراط في الأماني على مؤتمر الحوار قد لا يكون أمرا يقبله العاقل الحصيف! لأن السؤال الجوهري الملتهب بشهب المخاوف هو: هل أن مؤتمر الحوار هذا قادر فعلا بعد ستة أشهر علي حل مشاكل البلد أم سيكتفي بإبقائها علي حالها إن استطاع! ام أنه لا قدر الله قد يفشل، وربما يضيف لنا مشاكل جديدة! كنتيجة طبيعة لحجم الخلاف والاختلاف والتمترس وتعدد الولاءات الداخلية والخارجية لدى معظم أعضاء مؤتمر الحوار أنفسهم!
وكخطوة استباقية وحتى لا يقع الفأس بالرأس؛ فلا ينبغي لأبناء اليمن أن يجلسوا متفرجين فقط ومستقبلهم أسير لمجهول المفاجآت، صابت أو خابت.
تقديري أن على أبناء اليمن في الجنوب والشمال المدركين لفداحة الكارثة في حال أخفق الحوار الوطني أن يفرضوا النجاح فرضا على أعضاء مؤتمر الحوار بحيث لا يجدون أمامهم أي حل سوى النجاح وحده! وإلا فإن الشعب اليمني الذي ثار وأسقط العروش في الجنوب والشمال قادر على معاقبتهم إذا فشلوا وأهدروا فرصة الشعب في الخلاص من مشكلاتهم، تماما كما هو بكامل استعداده ليرصع رؤوسهم بالقبل ويحملهم علي الأكتاف وفوق الرؤوس إذا هم نجحوا في حل مشكلات الناس، وساعتها ستنجح اليمن في مهمة التاريخ.