كان الاعتقاد في السابق أن مرض الاكتئاب يصيب جميع الناس عدا الأطفال، لكن الدراسات الحديثة في الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوروبي أشارت إلى أن الاكتئاب يصيب الناس جميعاً بمن فيهم الأطفال، فهناك عددٌ من الدراسات التي أشارت إلى أن 3 إلى 8 بالمائة من الأطفال يعانون من الاكتئاب. ويعتبر مرض الاكتئاب من أخطر الأمراض النفسية والذهانية؛ لأن ضحاياه عادة يلجأون للانتحار وأن 50-70 بالمائة من الانتحار الناجح يكون سببه الاكتئاب الذي لم يتم تشخيصه.
والواضح أن أهم وسيلة يعبّر بها الطفل الصغير عن اكتئابه ووحدته وحرمانه هي اضطرابات النوم، فالأرق عند الأطفال الصغار علامة مهمّة على وجود المتاعب النفسية، ومع الأرق هناك الكلام في أثناء النوم والتقلب المستمر والرفض، صحيح أن كل هذه الأعراض قد تكون بسبب وجود مرض عضوي مثل الاضطرابات المعوية، أو ارتفاع درجة الحراة والمغص أو صعوبة في التنفس، ولذلك من الضروري التأكد أولاً من وجود أمراض عضوية تسبب هذه الأعراض.
كذلك من أعراض الاكتئاب عند الطفل المشي أثناء النوم، والتجوال لليلي، ويعبّر وجود هذه الظاهرة عن الصراع في حياة الطفل ويحتمل استمرارها حتى بعد النضج، وعادة ما ينسى الطفل أنه قام في أثناء نومه وسار ويتعجب عندما يستيقظ في الصباح ويسأل: كيف وصلت إلى هذا المكان، بينما نمت أول الليل في سريري، وعادة يجد الأهل الطفل نائماً في الصباح في المطبخ أو تحت قدمي الأب والأم، كذلك هناك أعراض أخرى؛ مثل: الكوابيس والفزع الليلي، فقد يتكرر هذا الفزع طوال الليل.
وهناك اعتقاد قوي بأن التبول الليلي اللا إرادي (ينتشر بنسبة 3-8 بالمائة بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة أعوام واثني عشر عاماً) هو أيضاً علامة من علامات وجود الاكتئاب لدى الأطفال، إضافة إلى أن التلعثم في الكلام واندفاعية الطفل للعدوانية، وإفراطه في الحركة وعدم القدرة على التركيز والانتباه، من المُمكن أن يكون وراء ذلك مرض الاكتئاب أيضاً، ومن علامات المرض أيضاً الحزن الشديد وانعزال الطفل عن غيره من الأطفال.
الأسباب: 1- الفقر، إن إحساس الطفل بالفقر وعدم القدرة على إشباع الحاجات الأساسية بالمقارنة مع الأطفال الآخرين يؤدي إلى شعوره بالاكتئاب. وقد أوضحت الدراسات أن انخفاض المستوى الاقتصادي واضطراب العلاقات الاجتماعية والأسرية عامل أساسي في انتشار الاكتئاب، والرغبة في الانتحار. في اليمن نجد ظاهرة الفقر منتشرة بين الأطفال، فنجد الأطفال وخصوصاً الإناث داخل المساجد، وعلى الأبواب كذلك امتلأت الجولات والشوارع، وعلى الجسور وأنفاق المشاة، فالأطفال الذين يبحثون عن لقمة العيش وعن قيمة العلاج لهم ولأسرهم يشعرون بالحزن وبالدونية والتشاؤم من المستقبل.
2- التفكك الأسري، الظروف المعيشية السيئة التي يمر بها المجتمع اليمني انعكست سلباً على حياة مئات الألوف من الأسر اليمنية، فأصبحت هذه الأسر غير قادرة على توفير الأشياء الضرورية وتوفير التعليم المناسب، وعلاج الأطفال في المستشفيات، لذلك تتفاقم المشاكل داخل هذه الأسر، ويؤدي إلى العنف الأسري، وقد يؤدي أيضاً إلى الانفصال والطلاق.
3- الأسر المريضة، أكد عدد من الباحثين أن الاكتئاب ينتقل من الأم إلى أطفالها، فقد وجد جوديسون وآخرون أن هناك علاقة وثيقة بين اكتئاب الأم والمشكلات السلوكية عند الطفل في مدينة لندن، حيث تبين من خلال الدراسة أن أطفال الأمهات المكتئبات يختلفون عن أطفال الأمهات العاديات، فالأمهات المكتئبات يعجزن عن تقديم الأمن للأطفال مما يؤلد الشعور عند الطفل بالعجز والحزن والاكتئاب.
4- الضغوط النفسية المدرسية، فالنظام الدراسي الذي يقوم على العقاب والقسوة، والضرب والإهانة، والتوبيخ يؤدي إلى شعوب الطفل بالخوف من المدرسة، وفقدان الثقة بالراشدين والاكتئاب. إن المشكلات الانفعالية الشديدة التي يُعاني منها الأطفال، ومنها الاكتئاب، هي نتيجة حتمية للضغوط المدرسية، فالعقاب غير العادل من قبل الكبار والموجّه نحو الأطفال يثير التعاسة عندهم والنفور والكراهية من الكبار ويتبعه ظهور الاكتئاب.
5- التلفزيون، استغراق الطفل في متابعة أحداث رواية أو حوادث الحروب ومشاهدة القتل والدماء يؤثر عليه وقد يصاب بالقلق والاكتئاب.
6- الحروب المستمرة، والتي قد تؤدي إلى فقدان الأطفال أحد الأقارب أو أصدقاء الطفولة، أو أحد الوالدين.
7- افتقار الأطفال إلى بيئة آمنة مستقرة؛ بيئة مليئة بالحب والعطف والحنان، كذلك حرمانهم من الدعم النفسي والاجتماعي من المحيطين.