أريد أن أنام لكني لا أستطيع ، تمر الساعات الطوال و أنا أتقلب في الفراش و أغير الأمكنة بدون جدوى ، لم تغمض لي عين و لا أحس بالراحة ، لماذا هرب مني النوم وكيف أخرج من هذا الجحيم؟ هذا نموذج من الارتسامات و الأسئلة التي يطرحها المصاب بالأرق و تشغل باله و يحاول الإجابة عنها لكي يخرج من ورطته..الأرق عبارة عن استعصاء النوم أو تقطعه أو انخفاض جودته ، مما يعود سلبا على صحة المريض النفسية والجسدية ، و تختلف أسبابه و علاجاته من شخص لآخر حسب حالته و ظروفه. فكلنا جربنا الأرق ليلة ما ، لكن هناك من يعاني من هذه المشكلة باستمرار ، حيث يصعب عليه جلب النوم أو يعاني من الاستيقاظ الليلي عدة مرات أو يستيقظ في ساعة مبكرة من الليل ثم لا يعود إلى النوم مجددا أو يحس بنوم مضطرب ، و تتسبب هذه الأعراض في مشاكل بالنهار نذكر منها: 1.التعب و الإعياء 2.قلة التركيز و صعوبة التفكير 3.ألم في الرأس و العضلات 4.القلق و سرعة الانفعال 5.الإغفاء و النعاس بالنهار و الذي يؤثر على الشخص في عمله و يتسبب أحيانا في حوادث السير. تختلف جذور الأرق من شخص لآخر: فمن غير المعقول أن يأتي الأرق لوحده ، بل لابد له من مسببات ، و جذور هذا المرض كثيرة و مختلفة حسب الشخص و نشاطاته و البيئة المحيطة به ، لكنها تتولد أثناء النهار لأن المواد التي تمكن من النوم تتكون أثناء النهار، كما أن جودة النوم بالليل تتحكم في حالة الشخص بالنهار. فقد يصاب المرء بالأرق نتيجة خبر سيء استقر في نفسه و أدى إلى حزنه ورافقه إلى فراشه ، و إن الجلوس بكثرة أمام الحاسوب أو رعاية مريض بالليل أو إرضاع طفل من الأمور التي تؤثر على جودة النوم ، علاوة على حرارة الغرفة أو صداع أو ألم في الأضراس أو المفاصل أو بطن المصاب ، و قد يتسبب هو نفسه في هروب النوم عندما يقوم بأعمال في الوقت الذي اعتاد فيه على النوم مما يهيج إشارات اليقظة لديه مثلما يحدث للذي تعود على العمل الليلي. و يعتبر التوتر و الاكتئاب من أهم العوامل المسببة في الأرق لأن أعراضهما تلازم المريض و تدخل معه إلى سريره ليدخل في دوامة الأفكار السلبية التي تحرمه من النوم ، فالأرق هو أول أعراض الاكتئاب ، ورغم أن المكتئب ينام بسرعة و في وقت مبكر فإنه يستيقظ أثناء الليل و لا يعود إلى النوم أو يتذمر من نوم متقطع و غير هادىء. و يؤثر تقدم السن خصوصا بعد الخمسينات ، على جودة النوم الذي يصبح خفيفا وتتخلله فترات من اليقظة قد تتجاوز الساعة أو الساعتين بسبب الحالة الصحية والتخوفات ، أما ما بين العشرين سنة و الثلاثين فإن الأرق يكثر في هذه المرحلة التي يجد فيها المرء نفسه أمام مشاكل العمل و البعد عنه و أمام فترات الامتحانات أو الدخول في عالم الحياة الزوجية و الأولاد. و تتدخل بعض الأدوية في حصول الأرق نظرا للمواد التي تحتوي عليها و التي تتفاعل مع الهرمونات و الإشارات المسئولة عن جلب النوم ، ومن بين هذه الأدوية نذكر الكورتيكويدات و مشتقات الدوبامين وبعض الأدوية التي تستعمل لعلاج الربو و مضادات الاكتئاب و ارتفاع الضغط. وهناك حالتان للأرق ترتبطان بكيفية النوم: الحالة الأولى: يعاني المريض من تحريك الساق و الرجل أثناء النوم ، إنها حركات و تقلصات سريعة قد تكون قوية لتضرب من ينام بالجانب أو تزعجه ، و تبدأ هذه الحالة مباشرة بعد استلقائه على السرير وتختفي إذا قام للمشي أو جلس على كرسي ، و يحس الشخص بالانزعاج و نفاد الصبر و أحيانا بحرارة زائدة و يعاني من نوم متقطع لا يحس به لكن آثاره تظهر في اليوم التالي عندما يحس بالإعياء و الرغبة في النوم ، وتتكرر هذه الحركات بطريقة إيقاعية كل 10 إلى 30 دقيقة و تستمر من 20 إلى 40 ثانية. الحالة الثانية: يتنفس النائم بطريقة غير منتظمة تتخللها توقفات للتنفس و العودة إليه بصعوبة تفزع من ينام بالجانب لأن هذه الحالة تشبه الاختناق ، ولا يشعر المريض بما يقع له حتى و إن أيقظه الآخرون، و يعاني من هذه المشكلة أشخاص تجاوزوا الخمسين سنة و لهم وزن زائد ، ورغم أنهم يشعرون بنوم جيد فهم يشكون من التعب و الإغفاء أثناء النهار. وتساهم بعض أنواع الرهاب في استقرار الأرق ، كالخوف من الظلام و النوم وحيدا في منزل مهجور و كالخوف من الموت أو الاعتداء أثناء النوم ، كما أن الاضطرابات النفسية تحول دون حصول المريض على نوم جيد ومريح، ونذكر منها ازدواجية الشخصية و الأفكار السلبية التي تعتري المريض قبل النوم ومنها قوله: سأعاني كثيرا قبل أن أنام وسأتعذب في الغد من جراء هذا الأرق ً. يصف الاطباء العلاج بحسب نوع الأرق: إذا كان الأرق ظرفيا فإنه يختفي باختفاء مسببه كألم في ضرس أو إفراط في منبه ، لكن إذا كان حالة مرضية تتكرر عند الشخص لليالي متتابعة فإنه يحتاج إلى علاج بحسب نوعه و مسبباته ، و فيما يلي جرد لبعض طرق العلاج و النصائح العلمية: 1.علاج الآلام التي تحرم الشخص من النوم مثل آلام المفاصل أو الرأس أو البطن 2.الاسترخاء و سبق النوم بأنشطة هادئة و مريحة تسمح باستقراره 3.العلاج النفسي بالنسبة للمصابين بالاكتئاب و الأفكار المشوشة 4.يمكن استعمال المنومات لكن ترافقها أعراض جانبية مثل الإدمان و النوم القهري في النهار 5.تهيئ غرفة النوم بإعداد سرير جيد و إقصاء المثيرات مثل الإنارة و التلفزة 6.ممارسة الرياضة بانتظام و مرونة مع تجنب العنف و الإجهاد 7.اجتناب المنبهات مثل الشاي و القهوة و التدخين 8.احترام أوقات النوم و هناك من يقترح على المصاب بالأرق العد بدون توقف أو حل مسائل رياضية صعبة أو النهوض من السرير و القيام بتمارين رياضية ثم العودة إليه و غير ذلك من الطرق. و قد أثبتت بعض الأنواع الطبية نجاحها في علاج الأرق ، مثل طب الأعشاب والوخز بالإبر و الطب الأميوباتي ، و تدخل هذه الأنواع فيما يسمى بالطب البديل ، لكن يجب استشارة أهل الاختصاص. فهناك من يعتبر النوم ضياعا للوقت ، و حتى يدرك خطأ ما يقول نطلب منه أن يحرم منه لليال قليلة ثم ينظر إلى النتيجة ، فالأرق مشكلة صعبة و له عدة جذور و يصعب التعامل معه ، لكن تحليل حالة المصاب و تتبع أعراضه يمكن من إيجاد الحل ، ويملك المريض نصيبا مهما في الخروج من ورطته و ذلك بتغيير عاداته و تحسين سلوكياته ، وعدم نسيان أذكار النوم التي يمكن أن تحل هذا المشكل لوحدها في أغلب الحالات تقول الخبيرة الدكتورة نيرينا رملاخان إن مشاغل الدنيا والقلق يمكن أن يسرقا منا “الراحة الربانية” التي نجدها في النوم لمدة ثماني ساعات ونستبدلها مكان تثاؤب ليلي محبط دون أن تمس رؤوسنا المخدة. وتنصح بأخذ سنّات من النوم والاسترخاء وإجراء بعض التمارين من أجل نوم هادىء والاستيقاظ في نشاط وسرور.وتشير إلى أن بريطانيا أمة مصابة بالأرق وأن الخدمات الطبية الوطنية أنفقت نحو 52 مليون دولار على الحبوب المنومة بين عامي 2008 و2009، وأن هذا الإنفاق يمثل زيادة 20 % عن العام السابق. ويرجع الأطباء السبب في ذلك إلى قلق الناس بسبب أزمة الائتمان والبطالة. وتقول الخبيرة إن “أكبر الخرافات هي أننا نحتاج إلى 7 أو 8 ساعات نوم يوميا، أو أننا لا ينبغي أن نستيقظ في الليل”. وأضافت أن مفتاح النوم الفعال يكمن في عدة أشياء هي: الغذاء عدم الأكل قبل النوم أقل أهمية مما نعتقد: فالوجبة الأساسية هي الإفطار. والأكل في الوقت المناسب يهيئ الجسم للاستيقاظ والاسترخاء. وفندت بعض المغالطات بأن عدم الأكل قبل الذهاب إلى الفراش، أو أكل الخس أو التونا، يمكن أن يساعد على النوم. وأكدت ضرورة تناول الإفطار في الصباح. المدة الزمنية الأمر يتعلق، بحسب خبرة الكاتبة، بمواءمة متطلبات الشخص في أوقات مختلفة. فلاعب الكرة المحترف الذي يتدرب مرتين في اليوم قد يحتاج إلى راحة أكثر من نوعية الأشخاص كثيري الجلوس. وقد يحتاج المرء أحيانا إلى 4 ساعات إضافة إلى فترة النوم ل7 أو 8 ساعات. والمسألة كلها تتعلق بإدراك احتياجات المرء. الغفوات العميقة الغفوات القوية من 15 إلى 20 دقيقة أثناء إرهاق العمل تساعد على الاسترخاء، حتى لو لم ندخل نوما عميقا، فإن لها تأثيرا مجددا لنشاط الجسم ويمكن أن تساعد على الهدوء عندما يحين وقت الإيواء للفراش. الأحلام الأحلام لها دور مهم في تصنيف الذكريات. فالأوقات العصيبة تجعلنا نخشى الكوابيس، لكنها قد تكون ضرورية لأنها يمكن أن تساعدنا في إيجاد حلول لمشاكل تحتاج لعلاج. ومن ثم تشجع الكاتبة الناس على النظر إلى الأحلام كأصدقاء وأنها يمكن أن تكون مفيدة حيث إن العقل الباطن يخبرنا عن الوجهة القادمة التي يجب أن نسلكها في حياتنا الأماكن الشعور بالأمان في المكان يساعد على النوم. وإسدال الستائر أو وضع سدادات في الأذن يمكن أن يساعد المتحسسين من الضوضاء, رغم أن البعض يستفيد من الأصوات الخلفية وتساعده على النوم. والأمر كله يتعلق بتقليل مشتتات الانتباه وبعث رسالة للمخ عن سلامة الجسم. التمارين حافظ على توازنك في هذه الناحية. فالراحة الزائدة يمكن أن تجعلك كسولا وإذا كنت مسرفا في التمارين فقد يسبب هذا توترا عضليا وذهنيا. وجلوسك محدقا في شاشة الحاسوب يمكن أن يرهق الدماغ، والتمارين يمكن أن تجعل الجسم مستعدا للاسترخاء تدريجيا عندما يحين الوقت. كما أن التمارين تطلق مادة إندورفين التي تساعد على تخفيف حدة المزاج النفسي. فهي تساعد على إنتاج توليفة معقدة من الهرمونات مثل أدينوسين وميلاتونين التي تساعد على الاسترخاء والنوم في نهاية يوم شاق.