[1] ونحن نتلمس الجوانب المتصلة بحرب صعدة للتعرف على المخفي منها أو المراد إخفاؤه لأنه يمثل فضيحة مذهبية بجلاجل؛ سوف نكتشف أن الزيدية السياسية (أحد القراء اقترح تسمية أخرى هي: الزيدية السلطوية باعتبار ذلك أكثر دقة في التعبير على أن السلطة كانت ولا زالت هي الهدف، وفي رأينا مع الشكر للمقترح أن المصطلحين متقاربان في الدلالة، وإن كنا نفضل استخدام المصطلح الأول لأنه سبق به التعبير كثيرا في هذه القراءة) ظلت منذ البداية حريصة بشغف غريب على تبرئة الرئيس السابق علي صالح من تحمل مسؤولية حقيقية في اتخاذ قرار الحرب واستمرارها، وإظهاره بمظهر المغلوب على أمره الذي تم توريطه في الفتنة لأهداف سياسية لا يرتضيها، وفي المقابل يتم إلقاء المسؤولية على قوى أخرى مثل تجمع الإصلاح، واللواء علي محسن، وجماعات السلفيين!
ومنذ سقوط صالح وإجباره على التنحي عن السلطة؛ بدأت الخلايا النائمة للزيدية السياسية – سواء تلك التي انضمت للحوثيين صراحة أو تلك التي ما تزال على علاقة ما بالنظام السابق- تنشط بحماس باتجاه نسج تحالف جديد أو بالأصح إحياء التحالف القديم الذي ضعضعته حرب صعدة؛ ويمكن ملاحظة أن هذا الاتجاه يعمل في مجالين؛ الأول: التهدئة الكاملة في الخطاب الإعلامي ضد صالح وعهده مقابل تأجيج العداء ضد الأطراف الثلاثة المذكورة المتهمة بالعداء للمشروع الزيدي السياسي، والمجال الآخر يمكن ملاحظته في الإصرار على تبرئة صالح من أي مسؤولية حقيقية في حرب صعدة؛ بل وفيما حدث من مشاكل مع المعارضة قبل تحالفها مع الإصلاح، (أحدهم زعم أن حجب تزكية مجلس النواب عن الأستاذ علي صالح عباد مقبل في انتخابات الرئاسة 1999 كان مؤامرة من التحالف العسكري القبلي لإفشال التحول الديمقراطي النوعي الذي كان يقوده علي عبدالله صالح والقوى المدنية في المؤتمر لتكريس الوصول إلى السلطة عبر الأحزاب والانتخابات وليس عبر المؤسسة العسكرية والقبلية!).
ولا شك أن إظهار صالح بالزعيم الإمّعة والمنقاد للآخرين في مسائل شائكة مثل الحرب والتحضير للانتخابات الرئاسية لا تتناسب مع تاريخ الرجل وهيمنته على كل مفاصل الدولة وشؤون الحكم، ولا تتناسب مع تاريخه العميق في التآمر وإثارة المشاكل والفتن بين الأطراف القبلية والسياسية والمذهبية.. ولا مع حقيقة أنه يرفض أن يجد أمامه مشروعا ما قد يعرقل خططه أو يجذب الأضواء لغير ناحيته! لكنها طريقة في ممارسة التزييف لدواعٍ مذهبية رخيصة تكشف المدى الذي يمكن أن يصل إليه بائعو ضمائرهم بثمن بخس: منصب وكيل أو سيارة لممارسة دور الطابور الخامس!
وقبل أن نبدأ في تتبع وقائع العلاقات بين الزيدية السياسية ومن ثم الحركة الحوثية وبين تجمع الإصلاح والجماعات السلفية.. قبل أن نبدأ ذلك سيكون من المفيد أن نعود إلى فتوى فقهاء الزيدية ضد حسين الحوثي، وإلى بعض ما جاء في وقائع اللقاء الذي جمع صالح ولي الأمر الشرعي (بإقرارهم!) والرموز البارزة من الزيدية السياسية والفقهية في 3/7/2004 أي بعد قرابة ثلاثة أسابيع من الحرب الأولى لنرى من تآمر ومن حرض ضد الحوثيين والزيدية في صعدة، ومن أباح دماءهم ومن حكم بضلالهم وعدائهم لأهل البيت.. (كنا في الحلقة الخامسة قد استشهدنا بجزء مما قيل في اللقاء للاستدلال على العلاقة الوثيقة والدافئة بين الطرفين لتفنيد ما يُروّج عن مظلومية الزيدية وتعرض الهاشميين منهم للاضطهاد والإقصاء!).
في الفتوى واللقاء المشار إليه؛ عبر عدد من فقهاء آل البيت والزيدية؛ الهاشميين في معظمهم بل المتعصبين منهم؛ عن مواقف ضد حسين الحوثي وحركة الشعار لم يقترفها حينها حتى المعارضون مذهبيا للحوثيين ولا اليساريون والعلمانيون، وهي تفضح حقيقة من يسمون أنفسهم أو يسميهم الأتباع الجهلة: (العلماء الحقيقيون) الذين رضعوا من تعاليم المذهب مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصدع بالحق في وجه السلطان الجائر، ورفض مبدأ: طاعة السلطان وولي الأمر! وسنلاحظ أنه حتى الذين لم يحرضوا في اللقاء ضد دماء الزيدية والهاشميين في صعدة سكتوا عن رد التحريض (والسكوت علامة الرضا أو الجبن المشين عندما يصدر من النجوم الزاهرة!) بل وراحوا فيما بعد يلملمون الفضيحة، ويتسترون عليها، وعلى دور بعضهم في التحريض لسفك دماء الزيدية والهاشميين في صعدة؛ لكيلا تظهر حقيقة الأحقاد والعداوات المتأصلة بين «الطيبين الطاهرين»! وكانت الحجة أقبح من الذنب عندما زعموا أن كبار الفقهاء هؤلاء أفتوا بضلال الحوثي وعداوته لآل البيت لتجنيب المذهب الزيدي ضربة قاصمة!
سيكشف التاريخ يوما حقيقة الدوافع التي وقفت وراء الفتوى والتحريض؛ ويكفينا أن نثبت هنا ما قيل من تحريض تسامى عنه الذي أراد حوثيو المؤتمر والأحزاب الزيدية تحميله مسؤولية كل شر أصاب المذهب من فجر سبتمبر حتى حرب صعدة:
أولا: الزيدية الذين ضللوا الحوثي أو حرضوا على قتله! - فتوى فقهاء الزيدية ضد حسين الحوثي وتضمنت ما يلي: -اتهام حسين الحوثي بالتحذير من قراءة كتب أئمة العترة وكتب علماء المسلمين، وعلى وجه الخصوص كتب أصول الدين وأصول الفقه.
-اتهام الحوثي بتضليل أئمة أهل البيت من لدن أمير المؤمنين علي عليه السلام ومرورا بأئمة أهل البيت وإلى عصرنا هذا، والتي يتهجم فيها على علماء الإسلام عموما، وعلى علماء الزيدية خصوصا.
-التحذير من ضلالات الحوثي وأتباعه، وأقواله المبطنة بالضلالات التي تنافي الآيات القرآنية الواردة بالثناء على أهل البيت المطهرين، وتنافي حديث الثقلين المتواتر.
-عدم الاغترار بأقواله وأفعاله التي لا تمت إلى أهل البيت والمذهب الزيدي بصلة.
-لا يجوز الإصغاء إلى البدع والضلالات ولا التأييد لها، ولا الرضا بها.
ومن الواضح أن هذه الاتهامات وتوقتيها نوع من استباحة دماء الحوثيين بصورة غير مباشرة وإن لم يكن أصحابها يقصدون ذلك المعنى تحديدا؛ لكن هل هناك أكثر تحريضا من اتهام علماء المذهب الزيدي لإنسان في بيئة زيدية بأنه ضلل علي بن أبي طالب وأئمة أهل البيت؟ الغريب أن بعض هؤلاء الفقهاء عادوا بعد اندلاع الحرب ليقولوا ما يناقض فتواهم، وبحجة أن أفكار الحوثي مجرد اجتهاد شأن العلماء (!) الذين لهم أقوال تخالف أقوال البعض الآخر منهم، لا يخطّىء أحد منهم أحدا أو يخرجه من دين أو ملة (هكذا وكأن الناس قد نسوا فتوى التضليل والتبديع السابقة).
فقهاء زيدية حرضوا ضد الحوثي أثناء لقائهم الرئيس السابق: •القاضي أحمد الشامي؛ أمين عام حزب الحق وقتها: «في الحقيقة لقد قام حسين بدر الدين بإثارة هذه الفتنة ولم يكن فيها رأي لعالم يعتبر، ولا حاول أن يتحدث مع أي عالم ولا حاول أن يقول ما في نفسه، ولم ندر إلى اليوم ما هي الفتنة هذه، وهو يعلم وكل إنسان يعلم أنه ليس لمردودها إلا إرادة للامام (كلام غير مستقيم المعنى لكنا أوردناه كما كتب) أما فائدة لنفسه فإنه لن يحصل على شيء.. وإن لم ينته نعتبرها أنها فساد في الأرض.. هكذا نقول، ونتبرأ من موقفه لأنه لم يكن لنا فيه رأي، ولا عرفنا منه أي كلمة طيلة هذه السنوات حتى بعد هذه الفتنة والتي أيقظها من مرقدها».
•القاضي أحمد عبد الرزاق الرقيحي: «الحقيقة أن هذه الفتنة قد ألقت بظلالها على فئة أو مجموعة من الناس معبئين؛ مع أن الرجل هذا له أفكاره ولا يمثل المجموعة ولا يمثل المذهب الزيدي ولا أفكاره ولا منهجه..».
•العلامة عبد الله حمود العزي: «هذه الفتنة سيدي رئيس الجمهورية لا بد أن يقضى عليها، ولا بد أن تحسم حتى لا تكون فرصة لمن في قلبه مرض في النفاق والحقد والكراهية.. لا بد أن تحسم.. لا بد أن تعمل سيدي رئيس الجمهورية بقول الله عز وجل: «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلّبوا وتقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض» وصدق رسول الله حينما قال: «لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيّب الزاني، والنفس بالنفس، والخارج عن الجماعة».. إذن إذا وجدت الفتنة يجب عليك أن تقطعها من دابرها ونحن والله معك... وغاية الرجاء: أوصيك أن تقطع هذه الفتنة من دابرها، وكل من يخطط أو يدعو إليها أو يفكر أن ينضم إليها..».
العلامة محمد عبد العظيم الحوثي: - صحيفة الجمهورية (9/10/2012 ): «أنا أدعوك، أحجر عليك بحجر الله أن تخرج في سبيل الله معي ضد هذه هؤلاء الطغاة البغاة.. أنا أدعوك وأدعو كل مسلم للقيام معنا للجهاد في سبيل الله ضد هذه الفئة الطاغية الشاذة الباغية». - صحيفة «الأهالي» اليمنية: «هم مارقون خرجوا عن الدين كله، ما هم بزيدية ولا جعفري ولا شافعية ولا معهم مذهب أحد، والدليل استباحتهم لأموال المسلمين ودمائهم بغير حق.. الشباب المفتون هم أعداء الإسلام كله وأعداء الدين وأعداء المؤمنين..».
ثالثا: زيدية أدانوا حركة الحوثي وحملوه مسؤولية الفتنة والحرب: خلال مراحل الحرب في صعدة؛ صدرت مواقف رفض للحوثية من علماء وقضاة زيدية عديدين لم يترددوا في رفض أفكار الحوثي والفتنة التي فجرها حسب رأيهم، والغرض من إيراد بعض هذه الأقوال ليس إدانة الحوثيين بل التدليل على أن رفض الحركة الحوثية ليس عداء للمذهب الزيدي الفقهي والزيدية والهاشميين، ويصدر أيضا من داخل الدائرة الزيدية العامة التي ليس لها علاقة بالزيدية السياسية.. وهذه نماذج من مواقف الزيدية العامة كما وردت في صحيفة «26 سبتمبر» (19/11/2009 ): - القاضي العزي محمد الأكوع مفتي ذمار: «لا يعقل أن نسوغ أو نبرر القتل وإزهاق الأرواح كما يصنع الحوثي وأتباعه الذين خرجوا على طاعة ولي الأمر، وقتلوا النفس التي حرم الله وأحدثوا في البلاد الشرور والأزمات.. لا يمكن أن يصدق عاقل أن هذه الأعمال تمت بصلة للمذهب الزيدي، وهذه مغالطة مكشوفة سعى من خلالها الحوثيون إلى الإضرار بأتباع المذهب الزيدي لعدم انسياقهم وراء أعمالهم غير السوية وأفكارهم الغريبة التي استنكرها كل أبناء اليمن وفي مقدمتهم علماء الزيدية».
- القاضي أحمد العنسي إمام وخطيب المدرسة الشمسية بذمار: «الحوثي وأتباعه تحالفوا مع الشيطان وباعوا أنفسهم وعملوا على سفك الدماء ودمروا المنازل وشردوا أهلها ونصبوا العداء للوطن دونما أسباب ومبررات لذلك..».