تضامن محلي وعربي واسع مع الفريق سلطان السامعي في وجه الحملة التي تستهدفه    وسط تصاعد التنافس في تجارة الحبوب .. وصول شحنة قمح إلى ميناء المكلا    وسط تصاعد التنافس في تجارة الحبوب .. وصول شحنة قمح إلى ميناء المكلا    كرة الطائرة الشاطئية المغربية.. إنجازات غير مسبوقة وتطور مستمر    فوز شاق للتعاون على الشروق في بطولة بيسان    رونالدو يسجل هاتريك ويقود النصر للفوز وديا على ريو آفي    تغاريد حرة .. عندما يسودنا الفساد    إب.. قيادي حوثي يختطف مواطناً لإجباره على تحكيمه في قضية أمام القضاء    القرعة تضع اليمن في المجموعة الثانية في تصفيات كأس آسيا للناشئين    منظمات مجتمع مدني تدين اعتداء قوات المنطقة العسكرية الأولى على المتظاهرين بتريم    وسط هشاشة أمنية وتصاعد نفوذ الجماعات المسلحة.. اختطاف خامس حافلة لشركة الاسمنت خلال شهرين    من الذي يشن هجوما على عضو أعلى سلطة في صنعاء..؟!    سان جيرمان يتوصل لاتفاق مع بديل دوناروما    لبنان.. هيئة علماء بيروت تحذر الحكومة من ادخال "البلد في المجهول"    الرئيس المشاط يعزي في وفاة احد كبار مشائخ حاشد    تعرّض الأطفال طويلا للشاشات يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب    أسوأ يوم في تاريخ المسجد الأقصى !    تعاون الأصابح يخطف فوزاً مثيراً أمام الشروق في بطولة بيسان الكروية 2025    إيران تفوز على غوام في مستهل مشوارها في كأس آسيا لكرة السلة    المجلس الانتقالي الجنوبي يصدر بيانًا هامًا    الرئيس الزُبيدي يشدد على أهمية النهوض بقطاع الاتصالات وفق رؤية استراتيجية حديثة    إجراءات الحكومة كشفت مافيا العملة والمتاجرة بمعاناة الناس    محافظ إب يدشن أعمال التوسعة في ساحة الرسول الأعظم بالمدينة    مهما كانت الاجواء: السيد القائد يدعو لخروج مليوني واسع غدًا    عصابة حوثية تعتدي على موقع أثري في إب    هائل سعيد أنعم.. نفوذ اقتصادي أم وصاية على القرار الجنوبي؟    إصابة 2 متظاهرين في حضرموت وباصرة يدين ويؤكد أن استخدام القوة ليس حلا    الصراع في الجهوية اليمانية قديم جدا    عساكر أجلاف جهلة لا يعرفون للثقافة والفنون من قيمة.. يهدمون بلقيس    منتخب اليمن للناشئين في المجموعة الثانية    رصاص الجعيملاني والعامري في تريم.. اشتعال مواجهة بين المحتجين قوات الاحتلال وسط صمت حكومي    وفاة وإصابة 9 مواطنين بصواعق رعدية في الضالع وذمار    الأرصاد الجوية تحذّر من استمرار الأمطار الرعدية في عدة محافظات    الاتحاد الأوروبي يقدم منحة لدعم اللاجئين في اليمن    الفصل في 7329 قضية منها 4258 أسرية    جامعة لحج ومكتب الصحة يدشنان أول عيادة مجانية بمركز التعليم المستمر    خطر مستقبل التعليم بانعدام وظيفة المعلم    من الصحافة الصفراء إلى الإعلام الأصفر.. من يدوّن تاريخ الجنوب؟    طالت عشرات الدول.. ترامب يعلن دخول الرسوم الجمركية حيز التنفيذ    خبير طقس يتوقع أمطار فوق المعدلات الطبيعية غرب اليمن خلال أغسطس الجاري    من هي الجهة المستوردة.. إحباط عملية تهريب أسلحة للحوثي في ميناء عدن    الريال اليمني بين مطرقة المواطن المضارب وسندان التاجر (المتريث والجشع)    صنعاء تفرض عقوبات على 64 شركة لانتهاك قرار الحظر البحري على "إسرائيل"    الهيئة التنفيذية المساعدة للانتقالي بحضرموت تُدين اقتحام مدينة تريم وتطالب بتحقيق مستقل في الانتهاكات    دراسة أمريكية جديدة: الشفاء من السكري ممكن .. ولكن!    هيئة الآثار تنشر قائمة جديدة بالآثار اليمنية المنهوبة    موظفة في المواصفات والمقاييس توجه مناشدة لحمايتها من المضايقات على ذمة مناهضتها للفساد    اجتماع بالمواصفات يناقش تحضيرات تدشين فعاليات ذكرى المولد النبوي    مجلس الوزراء يقر خطة إحياء ذكرى المولد النبوي للعام 1447ه    الأبجدية الحضرمية.. ديمومة الهوية    لا تليق بها الفاصلة    حملة رقابية لضبط أسعار الأدوية في المنصورة بالعاصمة عدن    ( ليلة أم مجدي وصاروخ فلسطين 2 مرعب اليهود )    رئيس الوزراء: الأدوية ليست رفاهية.. ووجهنا بتخفيض الأسعار وتعزيز الرقابة    رجل الدكان 10.. فضلًا؛ أعد لي طفولتي!!    مرض الفشل الكلوي (15)    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول البعد المذهبي في حرب صعدة
نشر في الخبر يوم 26 - 03 - 2013


[1]
في الأسبوع الماضي تكشف لنا جانب من حقيقة العلاقات الدافئة والمنفعية قبل حرب صعدة بين الرئيس السابق علي صالح والزيدية السياسية؛ بمن فيهم حسين الحوثي نفسه زعيم حركة الشعار.. وهذه مسألة مهمة تبدد مزاعم حالة الاضطهاد والإقصاء، واستهداف المذهب الزيدي والهاشميين التي يزعم رموز الزيدية السياسية الآن أنها كانت السبب الرئيسي للحروب – أو على الأقل الجولة الأولى منها- في صعدة، ويجعل من مزاعم الاضطهاد واستهداف الزيدية والهاشميين أقرب للنكتة ونوعا من التهويش الإعلامي الخبيث يستخدمه عادة الذين يضبطون في حالات مخزية لحرف الأنظار عن حقيقة ما هم عليه.
ولا شك أن تحديد أسباب الحرب؛ أو السبب الرئيسي منها؛ مهم جدا يساعد على معرفة الحقيقة وتحديد مسؤولية كل طرف في هذه المأساة التي ابتلي بها مواطنو صعدة: قتلا وتشريدا ومعاناة العيش كلاجئين في بلدهم بسبب حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.. والأسوأ أنها جرت بين حلفاء كانوا يتناصرون فيما بينهم، ويتبادلون طقوس الولاء والنصرة والمحبة والدعم.
وبالإضافة إلى ما استشهدنا به في الأسبوع الماضي مما يؤكد حالة الانسجام والرضا والتعاون والتحالف بين نظام صالح والزيدية السياسية؛ فإن هناك شواهد قوية أخرى تنفي أن يكون سبب اندلاع الحرب هو وجود استهداف للمذهب الزيدي، واضطهاد للزيدية والهاشميين، ولنتناولها على النحو التالي:
1- تحدث الأخ محمد يحيى عزان؛ أحد أبرز مؤسسي منتدى الشباب المؤمن؛ مرات عديدة عن تاريخ مشروعهم الفكري الثقافي لإحياء الزيدية في صعدة وغيرها، ويفهم من كلامه بوضوح أن المشروع سار قدما وتطور منذ مفتتح التسعينيات بدون حدوث أي موقف رسمي رافض أو معرقل له بالقوة أو الأوامر الرسمية، بل يكشف أن بعض مسؤولي صعدة كانوا يشاركون كمدعوين في احتفالات الشباب المؤمن، وتوسعت مراكز التثقيف الزيدي في مناطق عديدة داخل وخارج صعدة.. فإذا أضفنا إلى ذلك ما صار موثقا ومعترفا به أن الدولة ممثلة بالرئيس السابق؛ ومساعديه من الدائرة المذهبية نفسها؛ كانوا يدعمون نشاطات المنتدى، ومناهجه تطبع بأوامر رسمية في مطابع الدولة.. وأن صالحا ظل فترة أسابيع قبل الحرب الأولى يسعى بطرق عدة مستعينا برموز الزيدية الفقهية والسياسية للتفاهم مع حسين الحوثي، واللقاء به في صنعاء لتصفية التوتر الناشىء بسبب ترديد الشعار في المساجد وما استتبعه من اعتقال العشرات من أتباع الحوثي، وكذلك إذا أخذنا في الاعتبار من خلال تصريحات رموز الزيدية السياسية التي تؤكد ولاء حسين الحوثي وإخوانه للرئيس السابق وإعجابهم بمواقفه البطولية تجاه أمريكا (!) وعدم وجود أي مشكلة معه.. في ظل كل هذه المعطيات فإن الترويج لمزاعم اضطهاد المذهب والزيدية والهاشميين كسبب للحرب تصير أشبه بمزاعم اضطهاد السامية التي يروجها الإعلام الصهيوني لاستدرار العطف والتغطية على حقيقة جرائمهم .. [القاضي إبراهيم الوزير وأبناؤه في صحيفة البلاغ هم أعلى الأصوات المرددة لهذه المزاعم، وفي رسالة مفتوحة وجهها للملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز (17/11/2009) قال: أرجو من جلالة الملك أن يعمل على معرفة كيف نشأ الحوثي ولماذا؟ ليعرف مدى الاضطهاد الذي نال الزيدية قبل ظهور ظاهرة الحوثي (!) وما نال الهاشميين بالذات!].
2- إن أسوأ معاناة واجهها منتدى الشباب المؤمن كانت من داخل إطار المذهب الزيدي نفسه وليس من خارجه، ويعترف الأخ محمد بدر الدين الحوثي في حوار مع موقع الاشتراكي نت «تعايشنا حتى مع السلفيين فها هو مركزهم الأم لا يبعد عن مدارسنا ومساجدنا بدماج نفسها إلا مئات الامتار كما لا يبعد عن مسجد ومدرسة الإمام الهادي يحيى بن الحسين في مدينة صعدة سوى بضعة كيلومترات، وعلى مدى 20 سنة ونزاعاتنا معهم لا تتعدى النزاع الفكري، ومقارعة الحجة بالحجة..». وعلى مدى سنوات نشاطه فقد واجه المنتدى – بسبب تبنيه لأفكار ترفض التطرف، وتنبذ التعصب والعنصرية والطائفية – حربا زيدية (!) شرسة وصلت إلى حد رمي الأخ محمد عزان بالكفر والخروج عن الإسلام (!) واتهامه بالفسق والخروج عن الدين (!) وتعرضه لمحاولات الاغتيال عدة مرات من قبل عناصر متشددة، وإصدار بيانات محذرة منه ومن أفكاره الانفتاحية، وإصدار الفتاوى المشوهة لصورته ومكانته العلمية، واتهامه بأنه من علماء السلطان وعملاء الحكومة، وأنه عدو لعلماء صعدة ومحارب لهم، ويتطاول عليهم.. (انظر صحيفة صوت الشورى-63-7/2/2005- مقال بعنوان: محمد سالم عزان: عالم في المعتقل).
عزان نفسه يكشف في حوار مع صحيفة الوسط جانبا من الحرب الزيدية التي شنت ضد الشباب المؤمن بسبب وسطيتهم ودعوتهم للتعايش مع الآخرين والانفتاح عليهم في بعض المسائل المحنطة تاريخيا: [شنت علينا حملة من قبل، وأصدرت ضدنا فتاوى معروفة من أننا صرنا نحرف في المذهب الزيدي... هذه المواجهة ظلت سنتين أو ثلاث سنوات وأصدر ضدنا أشرطة وفتاوى وسبه إهدار دماء وعندنا وثائق وصور وأشرطة بهذا الخصوص..] ويكشف كيف بلغت العداوة ضدهم من قبل جناح أسرة الحوثي إلى درجة.. [حسين بدر الدين كان يقول إنه لا يأمن على أولاده أن يدرسوا عندنا..].
3- إن المتأمل في محاضرات حسين الحوثي لا يجد فيها أنه كان يحضر نفسه لمعركة فكرية أو عسكرية ضد استهداف الزيدية والهاشميين في صعدة، وباستثناء بعض الحالات التي استعاد فيها؛ في مناسبات شيعية مثل عاشوراء والغدير؛ بعض المحفوظات الشيعية عن حق آل البيت وجدارتهم في قيادة الأمة؛ فالكلام كان في عامته يدور في إطار وضع الأمة السيء، واستهدافها من قبل اليهود والنصارى، بل كان يدعو إلى نبذ الطائفية والمذهبية والقومية، والالتفاف حول القرآن الكريم كمنهج تتفق عليه الأمة لتحقيق وحدة إسلامية بلا مذاهب!
وللتذكير فقط؛ ففقهاء المذهب الزيدي في صنعاء هم الذين أصدروا قبيل اندلاع الحرب بيانا اتهموا فيه حسين الحوثي بأنه ضلل أئمة أهل البيت من لدن الإمام علي بن أبي طالب ومرورا بأئمة أهل البيت وإلى عصرنا هذا، كما تهجم على علماء الإسلام عامة وعلماء الزيدية خاصة.. وحذر بيان فقهاء الزيدية من ضلال حسين الحوثي واتباعه، ونفى أن تكون أقواله وأفعاله لها صلة بأهل البيت أو المذهب الزيدي، واصفا إياها بالبدع والضلالات التي لا يجوز تأييدها أو الرضا بها!
[2]
وللتنبيه بداية؛ فليس الغرض هنا إلقاء اللوم على الطرف الحوثي وتبرئة الطرف الآخر أو العكس؛ فالدولة بقيادة صالح يومذاك تتحمل جزءا أصيلا من مسؤولية تفجير الحرب؛ ليس فقط لأنها دعمت ومولت جماعة مذهبية لتصفية حسابات سياسية مع خصومها، وشق صفوف قوى حزبية معارضة مما يتناقض تماما مع واجب سلطة حاكمة تزعم أنها ديمقراطية وتؤمن بالنظام الجمهوري؛ ولكن أيضا لأنها سعت بدلا من إطفاء الحريق إلى استغلال المشكلة لحسابات ضيقة الأفق في ميادين أخرى في السياسة الداخلية حلم التوريث، وكان يمكنها بالتأكيد أن تمارس ضبط النفس بأكثر مما عملت وانكشف فيما بعد من وساطات للتفاهم مع الحوثي بذلها الرئيس السابق عبر حلفائه من فقهاء الزيدية وبعض الشخصيات ذات الصلة بالطرفين. (يمكن مراجعة ورقة لكاتب هذه السطور عن الحرب الأولى في التقرير الإستراتيجي اليمني 2004 أو في الموقع الإلكتروني للمركز اليمني للدراسات الإستراتيجية).
مسؤولية السلطة في مأساة صعدة لا يمكن إنكارها؛ لكن من الاستخفاف بالناس تبرئة جماعة الشعار الحوثية من نصيبها في مسؤولية صناعة هذه الفتنة الدموية؛ فمن الواضح من خلال تتبع صعود حسين الحوثي بعد عودته من الخارج، واختلافه مع أبرز مؤسسي الشباب المؤمن، وانشقاقه بجزء منه برؤية تصادمية ترفض الانفتاح والتسامح مع الآخر المذهبي إلى درجة النيل العلني القبيح من أهل السنة وكبار صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وتحصر نفسها في متاهات الخلافات التاريخية، وقيود التعصب المذهبي والعنصري، ثم ابتكار حركة ترديد الشعار في المساجد لإيقاظ الناس وتحذيرهم من الخطر الأمريكي.. كل ذلك كان يؤكد أن الحركة كانت تسير باتجاه العنف والصدام الدموي. ولا يعفي الحوثي من مسؤولية ما حدث أنه كان يريد تحذير الناس من غزو أمريكي (أو دعم صالح فارس العرب ومقاوم الأمريكان).. فحتى تنظيم القاعدة يمتلك هذه النية؛ مع الفارق أن القاعديين حاولوا بالفعل مقاتلة الأمريكان فجلبوا الدمار على وطنهم، والحوثيون ظلوا يمارسون عداوتهم لأمريكا صراخا أجوف فجلبوا الدمار لصعدة وسفيان وحجة وغيرها!
الطرفان: القاعدة بمرجعيتها السلفية وحركة الشعار الحوثية بمرجعيتها الهادوية هما وجهان لفكرة واحدة تستمد من فكر الخوارج الدموي مناهجها في مواجهة الخطأ وتصحيحه.. وكلاهما أصر أن يفرض على أغلبية المسلمين رؤيته لما يحدث وسبل مواجهته.. وكما أن الحرب ضد القاعدة لا يجوز وصفها بأنها ضد السنة وتستهدف مذهبهم ووجودهم؛ فكذلك لا يجوز وصف الحرب ضد الحوثيين بأنها تستهدف الزيدية ومذهبهم ووجودهم!
[3]
من المشهور أن الحرب في صعدة بدأت في ظل أجواء متوترة بعد رفض الحوثي الذهاب إلى صنعاء لمقابلة صالح خوفا من استهداف الأمريكان له؛ أو هذا ما يروجه أنصاره ومؤيدوه.. فقد انفجر الوضع – وفقا لرواية حسن زيد لموقع إيلاف- بعد اعتداء تعرضت له نقطة أمنية في مدخل مدينة صعدة قتل فيه ثلاثة جنود من قبل مجموعة مسلحة فاشتعلت الحرب.. وعلى ذمة حسن زيد فقد اتضح فيما بعد أن الفاعلين من مهربي المخدرات! ومهما يكن السبب المباشر فكلا الطرفين أخطأ في الانجراف إلى التصعيد العسكري، ولو كانوا أكثر تهيبا من سفك دماء المسلمين، ولو لم يكن لكل طرف منهما حساباته الخاصة؛ لتحمل الطرفان ما وقع عليهم من ضرر حينها، وتساموا على الجراح، وحرصوا على لململة ما حدث، وفوتوا الفرصة على من يتهمونهم بأنهم يستهدفون إثارة الفتنة بين صالح وأخلص خلصائه وقاعدته الانتخابية في صعدة من الهاشميين والزيدية كما قيل.
[الغريب أنهم يؤمنون أن صالحا كان مع خط الممانعة الرافض للهيمنة الأمريكية، ومناضلا عروبيا تأثر به الحوثيون في موقفهم، ومع ذلك فلم يصبه أذى الأمريكان وهو في متناول أيديهم فكيف خطر ببالهم أنهم يستهدفون حسين الحوثي تحديدا؟ وها هي سنوات تمر وواشنطن ترفض وصم الحوثيين بأنهم جماعة إرهابية، ويعيش أحد أبرز قادتها في قلب أوروبا في أمان يحلم به عملاء أمريكا أنفسهم!].
ومن خلال قراءة ملازم حسين الحوثي (سنعود لقراءة أكثر تفصيلا لها لمناقشة ما نراه أخطاء وآراء شاذة فيها) يمكن أن نفهم لماذا انجرف الرجل نحو معركة مع سلطة صالح لا يبدو ظاهريا أنها كانت في حساباته إطلاقا.. لكن يمكن فهم السبب في أن الرجل كان يعيش -هو وأتباعه- في الأجواء النفسية ذاتها التي يعيشها أشباهه من القاعديين أو دعاة العنف في العالم.. فهو يعيش أجواء تآمر عالمي ضده شخصيا، وهو يرفض واقع المسلمين دون بصيرة أو تمييز، ويبرر لنفسه ذلك بأوهام وتجاوزات تعتمد أحيانا على توصيفات غير صحيحة ومعلومات خاطئة إن لم نقل إن الفجور المذهبي يجعلها مجرد أكاذيب لكنها في الأخير تقود إلى الدم والقتل أو تبرر له.. وفي هذا فحسين الحوثي لا يفترق عن أسامة بن لادن أو أيمن الظواهري وأتباعهما في كل بلد يمارسون فيه ما يصفونه بالجهاد العسكري ضد الشيطان الأكبر.. الجميع يعيش في كهوف حقيقية في مناطق جبلية نائية، وكهوف نفسية ومقولات عقائدية صنعوها بأوهامهم، وضيق نفوسهم، وتذمرهم من الواقع السيء للأمة، وعدم قدرتهم على تشخيص الواقع الذي يعيشونه، وكيفية مواجهته وتغييره وفقا للأولويات والقدرات المتاحة ولأصول وقواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المعروفة في الفقه الإسلامي. وفي مثل هذه الحالة حيث التعبئة الخاطئة والشحن الدموي تتوفر القابلية للاستفزاز، ويسهل التأثر بطبول الحرب وشعارات الجهاد ولو كانت مجرد فرقعات!
لا أحد من الطرفين بريء من المسؤولية.. وإذا كان الحوثيون يعدون ترديد الشعار حقا من حقوق المواطنة؛ فقد كان ينبغي عليهم أن يصنعوا ذلك في منتدياتهم الخاصة وحتى الشوارع، ويتجنبوا إثارة فتنة في المساجد بينهم وبين السلطة (وخاصة أنها تدعمهم وهم يوالونها).. ومن المؤكد أن الاقتصار على ذلك كان سيجنب البلاد الفتنة التي وقعت، كما أن ترديد الشعار بتلك الطريقة المسرحية لم يبد للآخرين بأنه بريء وغيرة ضد الهيمنة الأمريكية واحتلال العراق وأفغانستان، وخاصة أنه ظهر في الفترة التي نشأ فيها أقوى حلف بين الولايات المتحدة (أو الشيطان الأكبر سابقا) وبين كبار الهاشميين الشيعة والمراجع الدينية الشيعية في العراق –مع موافقة ضمنية ومباركة إيرانية- والغريب أن هذا التحالف العلني لم يستفز في الحوثي نقدا ولا نقمة ضد شيعة العراق كما ظل يحشي ملازمه بها ضد السنة الأذلاء في مواجهة النصارى واليهود المتحالفين معهم، والذين ورثوا الذل من أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب على حد رأيه! فهل يحق لأصحاب نظرية المؤامرة أن يستنتجوا أن كل تلك الضجة والصراخ كان الغرض منه إلهاء الناس أو التعمية على واقع التحالف بين أتباع خط الإمام الخميني: دولة وأحزابا ومرجعيات دينية.. وبين الشيطان الأكبر بذاته وحلفائه من الشياطين الأصغر؟
وبصرف النظر عن صحة أو عدم صحة، أو وجاهة او عدم وجاهة، الاتهامات التي وجهتها السلطة للحوثي تبريرا للحملة العسكرية ضده؛ فقد كان يمكن للطرفين كما قلنا أن يستوعبوا ما حدث، وكان على الحوثي بالذات ألا يبالغ في اعتبار ترديد الشعار وكأنه أحد أصول الإسلام.. ثم أن أي سلطة لا ترضى بشكل عام أن تواجه تحديات لهيبتها ونفوذها (وخاصة إن جاءت ممن كانت تعدهم ويعدون أنفسهم حلفاء وأعوانا مخلصين لها)، وحتى الحوثيون أنفسهم صاروا الآن يمارسون الأفعال نفسها مع أهالي صعدة فيما يعدونه تحديا لهيبتهم، وخروجا على سلطتهم التي صاروا يمارسونها كدولة، ومن قبل طرد الحوثيون يهود آل سالم بحجة أنهم يفسدون في الأرض.. وعلى رأي الأخ/ محمد عزان في حوار له مع صحيفة الهوية (16- 23/5/2012) بشأن سؤال حول أن الحوثي بدأ حركته سلمية وأنه لم يحارب إلا بعد أن هجموا عليه: «الدفاع عن النفس مشروع، ولكن الدولة تقول إنه مواطن من مواطني الجمهورية وعليه أن يلتزم بقوانينها وأنه ارتكب مخالفات أدت إلى استدعائه فتمرد؛ فكان لابد من جلبه بالقوة، وهذا ما كان يفعله الأئمة؛ بل هو ما يفعله الحوثيون اليوم في المناطق التي يسيطرون عليها.. فلو أن أحدا خالف تعليماتهم فإنهم سيجلبونه بالقوة (!) ولو قاومهم أو تمرد عليهم فإنهم سيحاربونه (!) ويفجرون بيته (!) ويتهمونه بالعمالة والنفاق (!)..».
شهادات:
-عبد الله صبري (القيادي في اتحاد القوى الشعبية): «الشعار/ الفتنة غدا عامل افتراق بين الشباب المؤمن والسلطة من جهة، وبينهم وبين المراجع التقليدية للزيدية من جهة أخرى…. لولا ركون الحوثيين إلى السلاح لما قامت الحرب في الأساس».
- محمد يحيى عزان أحد مؤسسي الشباب المؤمن: «الأفكار التي طرحها – أي حسين الحوثي- نوعان: نوع منها قامت عليها الفتنة… الأفكار التي قامت عليها الفتنة لا تمت إلى الزيدية بصلة.. أنا أدنت التمرد قبل الحرب الأولى، قبل أن تفكر الدولة بمواجهة هذه الجماعة، وخطبت في التجمعات عن هذا الموضوع…. كان هناك تحضير لهذه الأفكار التي فيها جمود قاتل يؤدي إلى هذه المواجهات، وقلت إن هؤلاء الناس سيقاتلون الداخل قبل الخارج!».
- د. المرتضى المحطوري: «عارضت الشعار وقلت للشباب: هذا الشعار غير منطقي، أنتم تريدون من أمريكا أن تأتي لضرب الزيدية وضرب اليمن!».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.