سريعاً أفل نجم رجل الأعمال الشيخ أحمد بن فريد الصريمة (العولقي)، كما بزغ فجأة، محرقاً مراحل طويلة، يقطعها نظراؤه في عقود، ليصلوا إلى سدة القيادة والشهرة السياسية. عدة مؤشرات تكشف أن الرجل الطارئ على السياسة، برئاسة -هي أقرب للفخرية- للمؤتمر الوطني لشعب الجنوب، الذي أسسه في ديسمبر الماضي القيادي الجنوبي النافذ محمد علي أحمد، لا مجال له للعودة لصدارة الأخبار على المدى القريب على الأقل.
بتزكية القيادي الجنوبي محمد علي أحمد رئيساً لفريق عمل القضية الجنوبية، أمس، وترشيح ياسين مكاوي (ثم صدور قرار تعيينه)، نائباً لرئيس مؤتمر الحوار الوطني، عن قوى الحراك الجنوبي المشاركة في الحوار، يتوزع الرجلان الموقعين الذين شغلهما الشيخ/ أحمد بن فريد الصريمة، ليسدل الستار، مرحلياً على الأقل، على تاريخ سياسي طارئ، قصير العمر، بدأه رسمياً، الصريمة، قبل بضعة أشهر، في رئاسة المؤتمر الوطني لشعب الجنوب.
يضاف لذلك الإجراء، كعامل يحد من استمرار لمعان النجم السياسي لرجل تعوزه الخبرة في الحقل السياسي، تحذيرات شديدة اللهجة وجهتها السلطات العمانية، التي يحوز جنسيتها الصريمة، بعدم ممارسة نشاط سياسي مضر باليمن، من أراضيها، والتزامه بذلك.
صعود استثنائي.. وتوقف عاجل في ديسمبر 2012، تزعم الصريمة المؤتمر الوطني لشعب الجنوب، الذي أجتهد على تأسيسه القيادي الجنوبي البارز محمد علي أحمد، العائد إلى عدن منتصف مارس 2012 بنفوذ قوي، بعد طول اقامة في لندن شارفت العقدين، واكتفى الأخير بموقعه كنائب للصريمة، في الفصيل الجنوبي البارز الذي شكلت مشاركته في مؤتمر الحوار الوطني، كسراً لعقدة مقاطعة قوى الحراك الجنوبي في الحوار. سلطنة عمان خيرته بين جنسيتها واستمرار مصالحه فيها وبين العمل السياسي ودخل الصريمة، بمؤتمره الجنوبي، مؤتمر الحوار، وعُين نائباً لرئيسه، الرئيس هادي، وأدار شطراً من جلسة واحدة من الجلسات العامة للمؤتمر، تخللتها فوضى اثر احتجاجات نفذها جنوبيون على خلفية أعمال عنف وقعت في عدن، وسقط فيها جرحى.
ظهر الصريمة يومها، بملابسه ذات الطابع العماني، كعادته، وأدار الجلسة، بصوته المبحوح، وفي حين بدا عليه العجز في ضبط اضطراب الجلسة، رغم مساندة الميسرين وزملاؤه في رئاسة المؤتمر، بدا غاضباً من لامبالاة الأعضاء يومها من تقرير عن مؤشرات التنمية البشرية، والتحديات التي تواجهها البلاد، عرضته إحدى المختصات في مكتب الأممالمتحدة.
كرجل أعمال ناجح عاش شطراً كبيراً من حياته في سلطنة عمان، يدرك أهمية مثل هذه التقارير، كان يضرب بمطرقته بقوة على منصة الرئاسة، صائحاً في اعضاء المؤتمر "يا اخوة تريدون ان نستمع او نخرج من القاعة.. هذا تقرير مهم جداً.. "الرجاء الاستماع للاستفادة".
هي الجلسة التي غادرها الصريمة، بعد الاستراحة النصفية، مع قطاع من ممثلي الحراك الجنوبي، واستكمل ادارتها نائب رئيس المؤتمر الدكتور ياسين سعيد نعمان الذي تمكن من ضبطها بما يمتلكه من كاريزما ومنطق في مواجهة الأعضاء المنفلتين.
وتسبب الصريمة في خرق النظام الداخلي لمؤتمر الحوار، الذي لا يتيح المزاوجة بين رئاسة إحدى فرق العمل، وعضوية رئاسة المؤتمر، لكنه الاستثناء الوحيد مراعاة لخصوصيات القضية الجنوبية.
لم يصمد الصريمة طويلا في المؤتمر، فبعد أيام من صدور قرارات جريئة بهيكلة الجيش، في 10 ابريل الماضي، كان الصريمة قد غادر صنعاء عائداً إلى مسقط، معلناً تعليق عضويته في مؤتمر الحوار الوطني، تبعاً لعدة اسباب سردها في 11 نقطة رفعها فريق عمل القضية الجنوبية للرئيس لتنفيذها، وزاد عليها اعتراضاً على تقسيم المناطق العسكرية إلى سبع مناطق، باعتبارها مؤشراً على رؤية جاهزة لتقسيم البلاد إلى أقاليم، وطلباً بإيقاف العمل في جميع فرق العمل حتى ينجز فريق عمل القضية الجنوبية مهامه، ويتوافق على نتائجه، التي ستحدد نقاشات فرق العمل الأخرى، وفقاً لرؤيته. السلطان زميل دراسة له، وكرمه في ابريل 2012.. وبعد عام هدده بسحب جنسيته وبانسحاب الصريمة نهائياً من المؤتمر، وانتخاب بدلاء عنه في المواقع التي كان يشغلها، يضاف إليها التعقيدات التي واجهها في السلطنة، يكون الدور السياسي الطارئ للرجل قد توقف على المدى القريب، أو تأجل إلى حين.
عقدة الجنسية العمانية تحد من طموحه السياسي يرتبط الصريمة بعلاقات شخصية وثيقة بالسلطان قابوس بن سعيد، وتشير المعلومات المتداولة التي تروي جانباً من السيرة الذاتية للرجل، أنه زامل السلطان وبعض أمراء الخليج في تعليمه الجامعي في جامعة سانت هايرست البريطانية، في ستينيات القرن الماضي.
في إبريل 2012، كرم السلطان قابوس الشيخ أحمد بن فريد العولقي (الصريمة)، بوسام من الدرجة الأولى الممتازة، لقاء أدواره الإيجابية وإنجازاته على كافة المستويات خلال مسيرة حياته.
ويمتلك الصريمة شركة خط الصحراء، وهي إحدى أكبر شركات المقاولات والتجارة العامة التي تنفذ مشاريع استراتيجية في سلطنة عمان واليمن، ولها فروع في عدد من دول الخليج.
وتبعاً للتصريحات الأخيرة التي أدلى بها الصريمة، أبلغه مسؤول عماني رفيع، مقرب من السلطان قابوس بن سعيد، أن السلطنة لن تسمح له بممارسة نشاط مضر باليمن من داخلها، وأكد له أن «حكومة السلطان قابوس تقف بكل ثقلها مع الرئيس هادي ومع الحوار الوطني في اليمن، ولن تقبل أن يطلق مثل تلك التصريحات من أراضيها»، بحسب خبر نشرته المصدر الاثنين الماضي.
غير أن مصادر دبلوماسية كشفت للمصدر، أن الحكومة العمانية، كانت أكثر حزماً مع الصريمة، وأكدت له أن تصريحاته المتشنجة التي أطلقها مؤخراً، بعد تعليق مشاركته في مؤتمر الحوار، وصدور بيان بانسحابه النهائي من المؤتمر، ووصفه بالمؤامرة على القضية الجنوبية، يضاف لها تصريحات صحفية أخرى عرّض فيها بالرئيس هادي، وانتقد المبعوث الأممي الذي شمله بتهمة التآمر، ووصم مؤتمر الحوار الوطني بالمؤامرة والفشل.
اعتبرت الحكومة العمانية تصريحات الصريمة الأخيرة بأنها عبث بأمن السلطنة، واضرار بعلاقاتها مع اليمن، وخروج على مبادئها القائمة على عدم تدخلها او أي من مواطنيها في شؤون الدول الأخرى، واعتبرت تصريحاته تلك تدخلاً سافراً في الشأن اليمني. سمح له بمزاولة العمل السياسي لانجاح التسوية التي ترعاها مسقط دون تجاوز سقفها السلطات العمانية، أكدت له أن تصريحاته تلك تمثل خروجاً على مقتضى حيازته الجنسية العمانية، وخيرته بين التزام مقتضاها، أو سحب الجنسية، وانهاء علاقته بالسلطنة بما فيها انهاء استثماراته هناك.
وعلمت المصدر أن الصريمة ابدى التزامه لمسؤولي السلطنة بالتوقف عن التصريح، وممارسة العمل السياسي الذي خاض معتركه، بضوء أخضر من قبل السلطان قابوس شخصياً.
"الجميع يدرك ان السلطنة صارمة في أمور كهذه، وسبق أن سحبت الجنسية عن نائب الرئيس اليمني الأسبق علي سالم البيض، إثر عودته لممارسة العمل السياسي عام 2009، قاطعاً حبل صمته الذي استمر منذ لجوئه للسلطنة عقب حرب صيف 1994".. أفاد المصدر دبلوماسي خليجي بصنعاء في وقت سابق.
ويضيف المصدر "السلطنة ليس لديها أجندات خاصة في أي دولة، لكنها قدّرت في مشاركة الصريمة، عبر الكيان الذي يترأسه، اسهاما في نجاح مؤتمر الحوار، والمرحلة الانتقالية، وهي معنية أكثر من غيرها بمصلحة اليمن وخروجه من ازماته".
تدخل سلطنة عمان ضمن دول الخليج الراعية للمبادرة، ولم يكن ممكناً قبولها بانحراف الصريمة عن دوره المأمول في دعم انجاح الحوار، والوقوف في وجه مؤتمر الحوار الوطني الذي يعد أهم استحقاقات التسوية السياسية.. وتبعاً لذلك لم يكن أمام الصريمة سوى احد خيارين، إما حفظ مصالحه في السلطنة وتجنب العمل السياسي، أو سحب الجنسية وتهديد مصالحه، والعودة إلى جنوب اليمن، ويبدو ان تقديره قد تنحى باتجاه الخيار الأكثر ضماناً.
والشيخ الصريمة هو أحد أكبر شيوخ قبيلة العوالق بمحافظة شبوة، ورجل أعمال ناجح، يمتلك شركات مقاولات كبرى، وإضافة لعلاقته بسلطان عمان يرتبط الصريمة بعلاقات متميزة مع كثير من ملوك وأمراء الخليج.
وترددت أنباء أن الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز توسط الصريمة العام الماضي للمساعدة في الإفراج عن نائب القنصل السعودي عبدالله الخالدي، الذي اختطف منذ أكثر من عام تقريبا من مدينة عدنجنوب اليمن، ويختفي في مكان مجهول، واشترط الصريمة اذن السلطان قابوس للقبول بالمهمة، فكان له ذلك.. وليس مستبعداً أن يكون له دور في احدى الوساطات التي بذلت لهذا الغرض رغم اخفاقها قبيل الانجاز. الصريمة.. عود على بدء
بالتأكيد لن يغامر العولقي بمصالحة الأكيدة المرتبطة بالسلطنة، ليخوض غمار السياسة في صف الحراك الجنوبي المطالب بفك الارتباط والرافض للحوار، ضارّاً بمصالحه، دون سند إقليمي مؤثر تتصدره –بالنسبة له- السلطنة، وفقراً لخبرة وحنكة سياسية، أهدر هالتها بتصريحات متهورة افتقدت الحصافة، وطالت أبرز القيادات الجنوبية، ومؤخراً انتقلت لتطال الرئيس هادي.
وفضلاً عن ذلك فالرجل ليس قائداً شعبياً مؤثراً، تؤهله قاعدته لخوض تجربة غير مضمونة كهذه، تتنازع مكاسبها "المحتملة" قيادات جنوبية كثيرة تشاركه مطلبه الطارئ بفك الارتباط، لكنها اكثر حظوة وتأثيراً في الامساك بزمام امور الجنوب، والتضحية بمصالحه في السلطنة.
وبالنسبة لرجل عديم الخبرة في السياسة، وفي ظل وضع معقد في إطاره الضيق جنوبياً، وإطاره العام يمنياً، وفي ظل محاذير كثيرة تعترض مسيرة الرجل، وتحد من طموحه السياسي، فإنه من الواضح أن صعوده الاستثنائي لصدارة المشهد السياسي قد أودى به إلى نهاية استثنائية في زمن قياسي لم يسعفه لتحقيق رصيد يثري سيرته السياسية الفقيرة مستقبلاً.