حين قدمنا من قرانا الهادئة والمسالمة إلى العاصمة صنعاء كنا نعتقد أننا سنجد أنفسنا في المدن التي كنا نشاهدها في التلفزيون وأن الحياة ستكون مختلفة تماما عما هي عليه في القرية.. لكننا وبعد أن وصلنا وقمنا بالجولات اللازمة اكتشفنا أننا كنا واهمين تماماً، فأعمدة التخلف والبدائية كانت قد سبقتنا الى هذه التجمعات السكانية وحولتها إلى قرية كبيرة تخنقها الأدخنة وتقلقها الأعيرة النارية، وتفحيطات الحبات والشاصات التي بدت المعلم الأبرز فيها.
مطلع التسعينيات كان مشائخنا في ما يعرف تاريخيا باليمن الأسفل قد تخلوا عن العادات السيئة وتركوا السلاح وبدأوا يمارسون دورا مدنيا يساعدون به الدولة على فرض هيبتها وتحول الشيخ في مناطقنا إلى أشبه بمستشار لمدير المديرية ومدير الأمن، بينما كان الأمر في صنعاء وما حولها يسير باتجاه عكسي تماماً، وكان المشائخ يطورون مواكبهم، ويزيدون من عدد المرافقين وكمية الأسلحة.
حلمنا بالعيش في مدينة تشبه المدن في العالم كله لنجد أنفسنا في قرية كبيرة توزع الموت بالمجان على الجميع، سواء على يد مرافقي الشيخ، أو في صراعات مراكز قوى ترتدي زي الجيش.
كان المشائخ يشعرون أنه من العيب أن يغادر ديوان المشيخة ليعيش في المدينة، لكنهم تجاوزوا ذلك عندما وجدوا أن السكن في العاصمة صنعاء يمكنهم من المساهمة في نهب المال العام والحصول على امتيازات والفوز بمناقصات ضخمة والسيطرة على المناصب الحكومية والمجالس المنتخبة.
ومع أني أؤمن بأن المشيخة بحد ذاتها فكرة سيئة فإنها تبدو أكثر سوءا عندما ينتقل الشيخ الى المدينة ليصبح عبئا على منطقته من خلال نهب كل مستحقاتها له ولأقاربه وعبئا على المدينة التي يقلق أمنها ويلوث هواءها بمرافقيه وأدخنة سياراته، فمشائخ السوء يقتلوننا في كل أحوالهم عندما يفرحون وعندما يغضبون.
مواكب ونخيط وسلاح وقتل ومواجهات في العاصمة المنكوبة بالمشائخ .. نبحث الآن عمن يقود مبادرة لإقناع المشائخ بالتخلي عن المشيخة وأن يبقوا مواطنين عاديين في ظل دولة مدنية تكفل لكل الناس حقوقهم أو أن يعودوا الى قراهم ليتمشيخوا ويتقاتلوا كما يحلو لهم.
وكما أننا ظللنا طوال الفترة الماضية نطالب بإخلاء العاصمة صنعاء والمدن عموما من المعسكرات فإننا سنواصل المطالبة بذلك ولن نكتفي بتحويل مقر الفرقة سابقا الى حديقة.. وسنضيف الى ذلك مطالبتنا بإخلاء العاصمة صنعاء من المشائخ المدججين بالسلاح وتخليص العاصمة صنعاء من ترسانات الأسلحة التي تفخخ حياة سكان العاصمة.