هذا زمن المواجع، زمن تتفطر فيه القلوب، وتجف فيه المآقي من الدموع لأنها تستحي أن تخرج لترى ما يجري في يمن البؤس والتجويع والنهب المفجع وقتل الإنسانية، وقتل الشابين أمان والخطيب لا لشيء سوى أنهما تعديا على سلطان المتنفذين المسلحين، وتجاوزا بسيارتهما موكب عرس أحد أبناء الأباطرة الشيوخ الملوك السلاطين الذين لا سلطان عليهم أيا كان. ولمَ لا؟ لم لا يوجه ذلك القاتل بندقيته فيردي الشابين أمان والخطيب اللذين تجرأا وتجاوزا موكبهم المهيب المقدس؟ لم لا يفعل وهو يقرأ ويسمع ويشاهد كل يوم في كل وسائل الإعلام عشرات المواطنين اليمنيين يغادرون الحياة قتلا أو يصابون بطلقات الرصاص وعلى مرأى ومسمع من كل مؤسسات الدولة وأمنها وجيشها دون أن يردعهم أحد؟ لم لا يقتل وهو يسمع كل يوم من وسائل الإعلام أن الذين يعتدون على وسائل نقل الطاقة من بترول وغاز وكهرباء هم: فلان وأخيه فلان وبن عمه فلان وشيخهم فلان من قرية كذا منطقة كذا ثم لا يسمع أي إجراء أمني ضد أي من هؤلاء؟ لمَ لا يفعل وهو يسمع ويعرف من أبيه وخاله وشيخه أن الشيخ فلان الذي ينتمي قطاع الطرق والكهرباء وأنابيب النفط إلى قبيلته يتسلم مخصصه الشهري من البنك أو من القصر أو من المالية أو من مصلحة شؤون القبائل شهرياً وبانتظام دون أن تُمس، أو دون أن يتلقى أي إنذار بالخصم منها أو قطعها إن هو لم يوقف أصحابه قطاع الطرق والكهرباء والنفط والغاز عند حدهم؟ لمَ لا يفعل وهو يسمع من كل وسائل الإعلام الرسمية أن مجموعة مسلحة قد منعت بالقوة وبالتهديد بالسلاح فرقاً هندسية من إعادة إصلاح الأبراج المدمرة ؟ وأن تلك الفرق قد اضطرت إلى اللجوء إلى المشايخ والوجهاء للتوسط لدى قطاع الطرق والكهرباء ليسمحوا لهم بإصلاح ما خرّبه أولئك المخربون مقابل تلبية بعض الطلبات التي يأتي المال في مقدمتها؟ ثم لا يلبثون عقب ذلك مباشرة أن يقوموا بتدميرها من جديد؟ لمَ لا يقتل وهو لم يسمع حتى هذه اللحظة خبراً مفيداً عن قتلة عساكر الأمن المركزي في ميدان السبعين؟ لمَ لا يقتل وهو لم يسمع حتى هذه اللحظة أن وحدات من الجيش أو الأمن قد تحركت صوب مناطق المخربين للكهرباء وأنابيب النفط لتؤدبهم وتضع لجرائمهم حداً وليكونوا عبرة لغيرهم وليستقر الأمن الاجتماعي في المنطقة وفي كل مناطق اليمن؟ لمَ لا يقتل وهو يشاهد طائراتنا الحربية تتساقط المرة تلو الأخرى دون أن يقول لنا أحد من المختصين ما هو سبب هذا التساقط؟ لمَ لا يقتل وهو لم يسمع أن فاسداً أو نهاباً للمال العالم أو مفسد في الأرض قدم للمحاكمة ونال عقابه؟ كيف له أن يرتدع عن القتل وهو يعلم علم اليقين أن بضعة بنادق سيقدمها شيخه لأولياء الدم تتلوها دراهم معدودة دية الضحيتين أو الضحايا فيما ينجو القاتل من أي عقاب شرعي أو قانوني؟
لمَ لا يقتل وهو مطمئن وهو يشاهد اتساع دائرة الفساد والإفساد في طول البلاد وعرضها دون رادع؟ لمَ لا يفعل وهو لما يزل يرى المسلحين على السيارات التي لا أرقام لها من كل لون يجوبون الشوارع دون أي خوف من أي أحد؟ لمَ لا يفعل وهو لم يلمس أي تغيير حقيقي في حياة المواطن اليمني رغم أنهار الدم التي سالت في ساحات التغيير والثورة والحرية؟ لمَ لا يقتل وهو يشاهد القتلة والمجرمين وناهبي المال العام والدافعين إلى تدمير أبراج الكهرباء وأنابيب الغاز والنفط وإسقاط الطائرات يسرجون ويمرحون ويتمتعون بالحماية المادية والمعنوية، وهم يسخرون كل من يتحدث عن الثورة وحلم التغيير؟
لمَ لا يفعل وهو يسمع كل يوم إطلاق النار في كل شوارع وأحياء العاصمة والكثير من المدن اليمنية دون رادع من أحد سوى التحذيرات في التليفزيون والإذاعة دون أي إجراء تنفيذي؟ لمَ لا يقتل وهو يعلم علم اليقين أن العشرات من شباب الثورة يقبعون في السجون والمعتقلات فيما القتلة يجوبون الشوارع تحرسهم الأطقم المسلحة ويتمتعون بكل امتيازاتهم السابقة؟ لمَ لا يقتل وهو يعلم ويثق أن كل ما يسمعه من إنذارات وتهديدات للخارجين عن القانون وللذين يعكرون صفو الأمن والعملية السياسية لا يتعدى كونه كلاماً غير قابل للتطبيق؟ كلاماً لا يحرك ساكنا، كلاماً مثل عدمه، فقط مجرد لغو ليس إلا،لمَ لا يقتل وهو يعلم أن الحق رأس الصميل وأن الصميل بيده هو؟ وأن العصبية هي الخصم والحكم؟ وأن المثل الشعبي المهم الذي يقول: "حمار الدولة أسرع من حصان القبيلي" قد انقلب رأساً على عقب قصار المفهوم معكوساً؟ لأن سيف الدولة قد صار من "خزج"؟ لمَ لا يقتل وهو يعلم أن هناك ممن يعدون رجالات دولة يحمون القتلة وقطاع الطرق ويدافعون عنهم وعن إجرامهم؟ لمَ لا يفعل هو وغيره وهم آمنون مطمئنون من أي عقاب فليقتلونا جميعاً حيث لا خوف عليهم من العقاب ولا هم يحزنون.. والسؤال هنا: أين الدولة وهيبتها وجيشها وأمنها وطيرانها ودباباتها ومدافعها وصواريخها وقواتها الخاصة؟
لمن تدخر هذه القوات ؟ أليس تدمير أبراج الكهرباء وأنابيب النفط والغاز أعمالاً إجرامية تستحق المقاتلة فبمَ تخلف هذه الأعمال عما يفعله تنظيم القاعدة؟
ما هو سر هذه المهادنة العجيبة؟ ما هذا الذل الذي نزل على رؤوس حكامنا من قطاع الطرق والكهرباء وأنابيب النفط والغاز، أم أن قطاع الطرق أصحاب حق ونحن لا نعرف؟ إن كان لهم حق فأنصفوهم يا حكامنا الأشاوس فورا وبدون تردد، إنهم مواطنون، ومن حقهم على الدولة كل حقوق المواطنة، ومن واجبكم أن تدمجوا مناطقهم في خطط التنمية والمجتمع المدني وتربطوا مصالحهم الخدمية والتنموية بشكل مباشر بالدولة، وليكونوا شركاء في الثروة التي تتبخر من أمام عيون كل المواطنين وسكان المناطق الشرقية في المقدمة منهم، أو فلتضعونا جميعاً في السجون لتتحرروا من شكاوانا ومن ضيقنا بتراخيكم مع من يعتدون بصورة مستمرة على أمن الوطن والمواطن، وتعفوا أنفسكم في الوقت نفسه من ملاحقة المجرمين التي لا ترون لها أي لزوم كما يبدو؟ أو فلتثبتوا لنا العكس لنعرف أننا نعيش في كنف دولة أو مشروع دولة على الأقل.