قدم الحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري واتحاد القوى الشعبية، رؤيتهم الخاصة لمحتوى قضية صعدة، أمام فريق عمل القضية في مؤتمر الحوار الوطني. ذكرت الرؤية في مقدمتها أن قضية صعدة، - إضافة إلى القضية الجنوبية - تمثل إحدى أهم المحطات التاريخية في مسيرة نضال الشعب اليمني من أجل الإنعتاق من الاستبداد والفساد، والتي توجت بثورته الشبابية الشعبية السلمية، التي جاءت لتحقيق حلم أجياله المتعاقبة في إقامة دولة مدنية ديمقراطية على أسس حديثة تحترم الإنسان، وتمنحه كافة حقوقه، داعية مؤتمر الحوار الوطني لاغتنام هذه الفرصة الثمينة لتحقيق أهداف تلك النضالات.
أشارت الرؤية أن أمام الفريق ملفات كثيرة بينها ما هو متصل بالآثار الكارثية للحروب، وما يتعلق بالنازحين والمعتقلين، والمتضررين من حروب صعدة في المناطق الأخرى بشكل مباشر أو غير مباشر سواء من المدنيين أو العسكريين، مؤكدة على أهمية أن يقوم فريق عمل القضية بزيارة إلى صعده والمناطق المتضررة خلال الفترة المقبلة، للإطلاع على آثار الدمار والخراب، والالتقاء بالمواطنين والمهجرين والنازحين من مناطقهم، واللقاء بمختلف الأطراف هناك للخروج برؤية كاملة حول ما حدث في صعده والمناطق المتضررة من تلك الحروب.
المحتوى السياسي: أشارت الرؤية إلى الإخلال بمبدأ الشراكة الذي قامت عليه الوحدة، وبلوغ المشروع الفردي العصبوي ذروته في الإنفراد بالسلطة بعد حرب صيف 94، بتحويل الرئاسة من قيادة جماعية، إلى رئيس فردي.
صراع اركان النظام على السلطة افضى لاختيار صعدة ساحة حرب لاستنزاف بعضها تطرقت الرؤية إلى الحملة الشرسة التي شنتها السلطات ضد المئات ممن كان لهم مواقف من حرب 94 أو لهم خلفيات سياسية بالحزب الاشتراكي اليمني، منذ انتهاء الحرب وحتى اندلاع الحرب الأولى في 2004، سواء بالاعتقالات أو بتفجير المنازل.
أكدت الرؤية أن غياب الدولة وغياب المشروع السياسي الوطني هو الجذر الرئيسي لقضية صعدة وغيرها من القضايا الوطنية، مشيرة إلى التهميش والحرمان الذي تعرضت له صعدة وغياب دولة القانون والوظيفة الاجتماعية، وحضور سلطة القمع والفساد واللعب على الأوراق المذهبية والقبلية والطائفية على حساب بناء دولة العدالة والمواطنة.
عزت الرؤية بعض محتواها إلى الصراعات على مستقبل الحكم بين أركان النظام السابق، والتي أوشكت أن تنزلق نحو مواجهة محتومة، ما جعلها تتخذ من صعدة ميدان مواجهة خارج العاصمة وبعيدا عن مناطق التماس بينهما، لتوريط واستنزاف بعضهم البعض، ليستمر الصراع داخل منظومة الحكم العصبوية الفاسدة دون حسم، وتغرق صعده في الحروب وتُستنزف لصالح مشاريع فردية لا وطنية.
بينت الرؤية أن الحروب الست التي دارت في صعدة 2004 -2010، أضرت بكل اليمنيين، ولسعت بنيرانها معظم مناطق اليمن، وكان ضحاياها هم أهل صعدة جميعا على وجه الخصوص، واليمنيون على وجه العموم.
أبدت أسفها لما ترتب على غياب الدولة من الخروقات والتجاوزات والانتهاكات للحقوق المدنية والسياسية من مختلف الأطراف المشاركة في الصراع والتي توسعت في العام 2011، أثناء الثورة الشبابية لتصل إلى محافظة الجوف وحجة.
تطورت الحروب البشعة دراماتيكيا وبات الصراع يديم نفسه وأدى لنشوء إقتصاد الحرب استعرضت الرؤية حروب صعدة الست ومجرياتها، وما خلفتها من أثار كارثية، وما صاحبها من أخطاء ومآس لا يمكن أن يبررها العقل السياسي ولا العقل الاجتماعي ولا الضمير الوطني على الإطلاق، مشيرة إلى التناقضات والتحولات الخطيرة والغموض التي شابت ظروف إشعالها وإخمادها دون سبب ولم يدرك الرأي العام لماذا انفجرت وكيف توقفت.
أشارت الرؤية أن تلك الحروب البشعة تطورت دراماتيكيا وكانت كل حرب أشد ضراوة من سابقتها مع اتساع رقعة الحرب في كل جولة لتشمل نطاق جغرافي أكبر من ذي قبل، لتصل إلى مشارف العاصمة صنعاء في الحرب الخامسة، لافتة لتطور جديد وخطير منذُ الحرب الرابعة يتمثل في الثارات القبلية، حيث بات الصراع يديم نفسه مؤدياً إلى نشوء اقتصاد حرب، أغتنمها تجار الحروب لتحقيق مكاسب مالية وأرباح هائلة مستفيدين من استمرار الحروب وتصاعدها.
وتناولت الرؤية مراحل اندلاع جولات الحروب الست، وتاريخ بدايتها وتوقفها، ونطاقها الجغرافي المتسع، وما رافقها من محاكمات واعتقالات وانتهاكات، ونزوح عشرات الآلاف من السكان، وما رافقها من تعتيم إعلامي شديد ألقى بظلاله على انعدام المعلومات حول الأعداد الحقيقية والضحايا والخسائر من الطرفين في هذه الحرب.
أشارت الرؤية أن الحرب الثانية التي اندلعت منتصف مارس 2005، كانت الأقصر، واستغرقت 25 يوماً، واستشهدت بتقرير قدمته وزارة الداخلية إلى مجلس النواب بعد الحرب الثانية، قدر الخسائر المادية خلال الحربين الأولى والثانية ب525 مليار ريال، كخسائر مباشرة، وذكرت أن إحصائية ضحايا الحرب الأولى قدرت بأكثر من 1300 قتيل من الطرفين منهم 200 من المدنيين، بينهم الكثير من النساء والأطفال.
الحرب السادسة مختلفة تماماً بإتساع جغرافيتها وزادها التدخل السعودي «السافر» تعقيداً أضافت الرؤية أن الحرب الثالثة بدأت في 28 نوفمبر 2005، واستمرت ثلاثة أشهر، وأوقفها النظام بوساطة لمواجهة الاستحقاق الانتخابي الرئاسي عام 2006.
ذكرت الرؤية أن اندلاع الحرب الرابعة كان في 27 يناير 2007، وكان من أهم أسبابها حسب زعم النظام السابق قيام الحوثيين بطرد يهود آل سالم وكانت هذه الحرب أطول الحروب الأربع حيث استمرت أكثر من أربعة أشهر، وشملت اغلب المديريات، وامتدت لخارج صعده، وتمكن الحوثيون خلالها من السيطرة على عدة مديريات بأكملها، ومنها مديريات رازح وغمر وقطابر.
وبحسب تقديرات بعض التقارير والصحف جاوز عدد قتلى الجولة الرابعة 2000 قتيل من الجنود والمسلحين والمدنيين، ووصل أعداد النازحين إلى أكثر من مئة ألف نازح ومشرد.
تشير الرؤية أن الحرب الخامسة التي اندلعت في مارس 2008، كانت مختلفة عن سابقاتها حيث أمتد القتال على بعد بضعة كيلومترات من العاصمة صنعاء (منطقة بني حشيش).
وبحسب الرؤية فإن الحرب السادسة كانت مختلفة تماماً في نقاط عديدة لعل أبرزها اتساع نطاقها الجغرافي (صعدة، عمران، حرف سفيان، الجوف)، واشتداد حدة معاركها لتشمل عمليات برية بغطاء الغارات الجوية والقصف المدفعي المركز وأطلق عليها (عملية الأرض المحروقة)، وشكل التدخل "السافر" للسعودية في المواجهات المباشرة تعقيداً أكبر للقضية، مما فتح المجال واسعاً أمام التدخلات الإقليمية في الشأن اليمني وتحويل البلاد إلى ساحة صراع بالوكالة، فيما فشلت كافة الوساطات للتوصل إلى هدنة إنسانية تسمح بإغاثة النازحين الذين فاق عددهم 150 ألفاً.
الجهود المبذولة لإيقاف الحرب: أشارت الأحزاب التي تقدمت بالرؤية إلى موقفها وموقف أحزاب اللقاء المشترك الرافض للحرب في صعدة منذُ تفجير شرارتها الأولى، والضغوط والتحركات التي قامت بها من أجل إيقافها، واللجوء إلى الحوار لحلها، مضيفة أنها قبلت المشاركة في عدة لجان شكلت خلال جولات الحروب، حرصاً منها على إيقاف تلك الحروب الظالمة وتجنيب البلاد ويلات الدمار والفوضى.
الوساطات اصطدمت برغبات تجار الحروب ومراوغة النظام مثلت أخطر عائق أمامها أكدت أن جهود إيقاف الحرب كانت تصطدم بأطماع ورغبات تجار الحروب في ضل غياب مصداقية النظام السابق ومراوغته المستمرة التي مثلت أخطر عائق لجهود الوساطات وإفشالها.
الوساطة القطرية: اعتبرت الرؤية الوساطة القطرية أهم تحرك إقليمي لإيقاف نزيف حرب صعدة، مشيرة إلى توقيع الطرفين اتفاقية الدوحة للمصالحة برعاية قطرية منتصف يونيو 2007، دون أن يتفق الطرفان على آلية محددة لبدء تنفيذ الاتفاق، ليعلن عن اتفاق آخر في الدوحة في فبراير 2008 تم تضمن ملحقاً تنفيذيا بالاتفاقية السابقة.
ذكرت الرؤية أن عدة لجان رئاسية عملت على تنفيذ الاتفاقيات القائمة بينها اتفاق الدوحة الأخير، غير أن تلك اللجان جميعاً لم تستطع القيام بمهامها نتيجة صعوبات واجهتها، من ضمنها وجود أطراف مستفيدة من استمرار الحرب وتعمل على إطالة أمدها.
أهم انتهاكات حقوق الإنسان جراء حروب صعدة: تطرقت الرؤية إلى ما رصد منظمات حقوقية محلية ودولية لعدد كبير من الانتهاكات التي رافقت جميع الحروب وتلتها، وركزت على تقرير أعده المرصد اليمني لحقوق الإنسان عام 2007، أكد فيه أن عشرات الآلاف من اليمنيين شردوا من منازلهم، ودمرت عشرات المنازل والمساجد والمدارس، وتحويل بعض المنازل والوحدات الصحية إلى ثكنات عسكرية واعتقال وإخفاء المئات من أبناء صعدة وغيرها.
ذكرت الرؤية أن تقارير المنظمات لا تعكس الواقع بقدر ما تعتبر رصداً لما يصل من معلومات، وتؤكد أن الأرقام الفعلية أكبر مما ورد، تبعاً لشحة المعلومات، وصعوبة التقصي والتحقيق والحصر، نتيجة إغلاق السلطات لمحافظة صعدة، واعتبارها منطقة عسكرية، ومنع وسائل الإعلام من نقل ما يدور فيها.
أشارت الرؤية إلى وجود انتهاكات متبادلة، ويجري تبادل الاتهامات بين الأطراف المختلفة مما يتطلب تحقيق محايداً شاملاً للوصول للحقيقة.
أهم نتائج الحروب: الحرب أفضت لخروج صعدة عن سيطرة الدولة وتشكيل مليشيات مسلحة منافية للقانون أوردت الرؤية عدداً من النقاط كنتائج لتلك الحروب هي (بتصرف): 1-سقوط آلاف الشهداء من المدنيين والحوثيين والقبليين ومنتسبي القوات المسلحة والأمن، وآلاف الجرحى والمفقودين والمعاقين بدنيا ونفسيا، وفيهم الكثير من الأطفال والنساء والشيوخ، فضلاً عن اعتقال آلاف الشباب والرجال وعشرات النساء.
2- تمزيق النسيج الاجتماعي مناطقياً ومذهبياً، من خلال إيجاد صراع طائفي مذهبي، خلافاً لما كان سائداً في السابق، وإشعال جذوة الثارات بعد أن زج النظام بالقبائل في الصراع، وما قابله من مساندة بعض القبائل للحوثيين.
3- تدمير آلاف المنازل وتضرر عشرات الآلاف التي هدمت كلياً أو جزياً وتدمير وتجريف مئات المزارع والحقول الزراعية والآبار وشبكات الري وغيرها.
4- فتح المجال للتدخل الخارجي الإقليمي والدولي وانتهاك السيادة الوطنية وتحويل البلاد إلى ساحة حروب بالوكالة.
5- السيطرة على السلاح والممتلكات الخاصة بالجيش والمعسكرات التي كانت موجودة في صعدة وبعض المناطق الأخرى وانتشار السلاح بصورة كبيرة وتقوية الجماعات المسلحة وزيادة عتادها العسكري.
6- خروج محافظة صعدة وبعض المناطق المجاورة عن سيطرة الدولة وتشكيل مليشيات مسلحة منافية للقانون من عدة أطراف، وفتح السجون وممارسة الانتهاكات والاعتقالات والتعذيب والإقصاء وفرض ممارسات تنتقص من حقوق المواطنة.
7- تعرض البنية التحتية المحدودة للخراب والدمار.
8- تعرض الكثير من أبناء اليمن من شاغلي الوظيفة العامة والوظائف الخاصة وبالهوية الشخصية إلى فصل أو نقل تعسفي أو تهميش وإقصاء إداري أو تقاعد مبكر.
9- تعرض الكثير من المزارعين والتجار لخسائر كبيرة.
المحتوى الاقتصادي: ذكرت الرؤية أن أهم النتائج الكارثية لحروب صعدة هو تدميرها للاقتصاد الوطني وزعزعة الأمن والاستقرار وارتفاع التكلفة الإنسانية والمالية الباهظة التي فاقمت الأوضاع الاقتصادية وعجلت بالأزمة المالية الخانقة التي أوصلت البلاد إلى حافة الانهيار، مبينة أن الحروب استنفذت الكثير من الموارد فكل ريال أنفق على التسليح والمجهود الحربي كان على حساب الخدمات المطلوب تقديمها للمواطنين.
ازدهر التهريب ونشأ اقتصاد الحروب الذي يديره تجار الحروب مدنيين وعسكريين لفتت الرؤية إلى أن الحروب أدت لازدهار التهريب كنشاط اقتصادي ومورد للأموال، ونشأة اقتصاد الحروب التي يديرها تجار الحروب من مدنيين وعسكريين، خصوصاً في ظل الموقع الاستراتيجي لصعدة على حدود السعودية، وقربها من البحر الأحمر.
المحتوى الاجتماعي والفكري: أشارت الرؤية إلى غياب التنمية وإحساس شريحة اجتماعية واسعة بالظلم الذي لحق بهم، وقيام عدد من وسائل الإعلام بتأجيج التحامل الاجتماعي والمذهبي والطائفي، موضحة أن الحروب التي شهدتها محافظة صعدة ومناطق الصراع الأخرى أسفرت عن تعميق المآسي الإنسانية والاجتماعية ونكئ الجراح وتأجيج الثارات وتغذية الصراعات الاجتماعية والمذهبية والقبلية.
أضافت الرؤية أن تلك الأوضاع بقاء الآلاف من المهجرين والنازحين خارج منازلهم، ووجود البعض منهم حتى اليوم في مخيمات مؤقتة خارج محافظة صعدة، تشرف عليها المنظمات الأجنبية، ولم يتمكنوا من العودة إلى منازلهم المهدمة، في ظل غياب الإمكانيات التي تساعدهم على ذلك.
ختاماً: ختمت الرؤية عرض محتواها بالتأكيد على أهمية إيلاء هذه القضية حقها الكامل من النقاش الجاد والمسؤول والوقوف أمام المحتوى بكل جوانبه بتجرد وموضوعية، مشيرة انه إذا لم تعالج القضية وأسبابها الحقيقية فستظل قائمة وستوظف من أعداء اليمن لإثارة المناطقية والمذهبية.
شددت على جميع الأطراف اخذ العظة مما جرى، وتدرك أن ثقافة الإلغاء والإقصاء والتفرد والاستحواذ أثبتت فشلها ولم يعد لها أي قدرة على البقاء، وان الإيمان بمبدأ الشراكة في السلطة والثروة هو طريق الخلاص والاستقرار والنهوض باليمن نحو المستقبل.
أكدت الرؤية أن البلاد بحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لوجود دولة مدنية ديمقراطية حديثة يضع مؤتمر الحوار الوطني أسسها ومعالمها بحيث تساوي بين الجميع وتكفل حقوقهم وتمنع ظهور أمراء حرب وقيادات قبلية ومناطقية لها طموحات قد تدفع إلى خطر تعميق تمزق النسيج الاجتماعي وتفكيك الوحدة الوطنية، وهو خطر ماحق ليس على اليمن فحسب بل على المستويين الإقليمي والدولي.