أن يكون للحق مع الباطل جولات يغلب فيها الحق وينتصر ويتراجع ويهزم فهذا كلام إنشائي وتاريخي جميل، ولكن أن نعايش هذه المرحلة المظلمة من تاريخ مصر فالأمر صعب على قلوبنا والأصعب منه هذه المرحلة الخطيرة من انتصار ثورة مضادة ضد الجانب المحق شرعياً، وهي بذلك تدعي النزاهة وخير مصر. تطور الأحداث المؤلم لشعب تعود على حكم الفراعنة ولم يتذوق حلاوة الحرية والديمقراطية يقودنا إلى تساؤل إجابته بديهية، ماذا يريد من يسمون أنفسهم في مصر معارضة وتمرد؟
هل يريدون حقاً انتخابات رئاسية مبكِّرة لمصر يكون الرئيس المنتخب فيها أياً كان، قد اصطف غالبية الشعب إلى جواره حتى ولو كان من بعبع الإخوان؟
أم أن كل ما يريدونه من كل هذه الفوضى هو حرق وإسقاط جماعة الإخوان المسلمين تماماً، واستبدال الحكم الإسلامي بحكم الطاغوت، فشبح الالتزام بالقيم الإسلامية يطارد أرباب الفساد والمجون، فهم لا يتخيلون طهارة مجتمع مصر من ظلال الانحلال الأخلاقي، أو التبرؤ من جاهلية القرن الواحد والعشرين.
لكنهم يحلمون في إلغاء ما زرعه الله في أرضه، فقوة الإخوان مصدرها الشعب والإنسان المصري المخلص وليس جموع الغوغاء الذين لا ينظرون إلى أبعد من أنوفهم، فحتى لو حدثت انتخابات مبكِّرة -كما يخططون- وحرة ونزيهة -كما نتمنّى- فإنهم لن يقبلوا بالنتيجة إلا إذا كانت في صالحهم، وسيجدون العذر كي يخربوا مصر على رؤوس أهلها.
إن إلغاء أول انتخابات رئاسية حُرة وديمقراطية واستعجال نتائج لثورة وعهد جديد لم يكمل العام الواحد وتصيد الأخطاء لجماعة حديثة على الحكم ليس أمراً عشوائياً أو غير مدروس بل هو أمر مخطط له من قوى دولية خارجية بغرض هزيمة كل ثورات الوطن العربي.
فمصر بنجاح ثورتها ووصول الإسلام السياسي المعتدل والمنظّم صاحب المشروع والرؤية الواضحة إلى السلطة شكل خوفاً كبيراً لدى بقية الأنظمة الملكية والرئاسية في الوطن العربي جعلهم يدفعون الغالي والنفيس من أجل إسقاط حكم الإخوان الذي يمثل بداية الخلافة الإسلامية الراشدة.
لقد كانت مصر كعادتها قبلة الشعوب العربية وبانتصار ثورتها تجسّدت الديمقراطية بالانتخابات التي حدثت، وهي بذلك بعثت الأمل في بقية الثورات بحدوث العدالة أخيراً، وتقرير الشعوب لمصيرها، ومن يقودها، ولهذا كان يجب في نظرهم أن يسقط حكم الإخوان، وألا يعرف الشعب المصري نجاحاً واضحاً لهم في الحكم، فتزداد شعبيتهم أكثر.
ولا مجال للحديث عن شرعية هذا الانقلاب الغادر، الذي تم فيه ذبح الديمقراطية التي يتشدقون بها، فالديمقراطية في نظرهم ثوب نجس تم تفصيله على مقاس العلمانيين فقط.
وما تم تصويره كحرص شديد من قبل القوى الدينية والعسكرية على أمن ووحدة مصر ما هو إلا خيوط مؤامرة محبوكة بعناية لإسقاط الحكم الإسلامي النظيف والعودة بمصر إلى الوراء حين كان العسكر يلاحقون الإسلاميين في كل مصر كي يُزج بهم في السجون، وها نحن نرى حملة الاعتقالات الجائرة بتهم مرقّعة لأعضاء الجماعة، وأيضا الرئيس مرسي، على أشدّها، فهل هذه الاعتقالات تدشين لمرحلة السجون من جديد؟ وفكرة إجرامية لإقصاء جماعة الإخوان بالذات من المشاركة السياسية الفاعلة والإبقاء على السلفية التي عرفت على المدى الطويل ببيع ذمتها وإتباع الحُكّام.
إن المؤامرة الفاضحة لم تكن عربية فقط، وإن قادت قناة "العربية" والمملكة السعودية والإمارات زمام إدارتها وتمويلها، بل إن المؤامرة عربية عبرية غربية اجتمع فيها اليهود وأبناء عمومتهم من أصحاب "العقال" كي يجهضوا خلافة إسلامية برزت رغماً عن أنوفهم، خوفاً أن تصل رياحها إليهم فتقتلعهم من كراسيهم، وهم الذين يمثلون الكهنوت الدِّيني البغيض والبعيد كل البعد عن روح الإسلام الحقيقي الذي تمثله جماعة الإخوان المسلمين.
إن سياسة التعتيم الإعلامي التي لا تنفصل عن سياسة التدليس الإعلامي الذي تنتهجه قوى ليبرالية علمانية في مصر، الذي يمارس تجاه الأحداث الواقعة ضد أنصار الشرعية، فلا يعرف حجم الاعتقالات أو الأساليب التعسفية، وربما الانتهاكات الإنسانية والقتل العمد والتي تصدر ضدهم، وكذلك عملية إغلاق القنوات التلفزيونية المؤيِّدة للشرعية، كل هذه جرائم لا تقلّ عن جُرم الانقلاب بشاعةً، وتعطينا صورةً واضحةً عمّا يُراد في مصر من عودة إلى زمن القمع والاستبداد وحكم العسكر ولو من خلف ستار.
إن الأيام حبلى بالأحداث ومحاولة وأد الخلافة والحكم الإسلامي الرشيد ليست الأولى في هذا العصر، ولكن اختلف الأمر هنا، فالشعوب أصبحت أكثر يقظة، وشعب مصر لن يعود إلى الوراء، ولن يقبل أن يُعامل رأي الأغلبية بكل هذا الاحتقار والظلم، وإنما هي جولة أخرى بين الحق والباطل والنصر والعزة للإسلام.