الحرية لا يمكن أن تعطى على جرعات، فالمرء إما أن يكون حرّاً أو لا يكون حرّاً. نيلسون مانديلا دون مكابرة، يمكن الاعتراف بأن الثورة المضادة قد نجحت، والحديث عن إمكانية عودة الرئيس المصري إلى سدة الحكم فيه كثير من المبالغة، في هذا الإطار لا يجب الوثوق بالأخبار التي تتحدث عن انشقاقات في الجيش المصري، يصعب وصف هذه الأخبار بغير الأخبار المضحكة، فالبعض ما يزال يروّج لرفض الحرس الجمهوري للانقلاب على الرئيس المصري محمد مرسي، وأن هذا الموقف سوف يقلب المعادلة، وهذا التحليل على سذاجته يشير إلى عدم فهم كيف تتصرف الجيوش المحترفة، فالحرس الجمهوري وإن كان يأخذ أوامره مباشرة من الرئيس إلا أنه يظل جزءاً من الجيش، هذه من جهة، ومن جهة ثانية، حجم الحرس الجمهوري في مصر لا يسمح له بتقرير شيء مخالف لما اتخذته قيادة القوات المسلحة. لمزيد من التوضيح، سيكون من الخطأ إسقاط تجربة الحرس الجمهوري في اليمن على أي دولة أخرى، فما كان لدينا ليس حرس جمهوري ولكن جيش آخر، سمّى نفسه بهذا الاسم. حسناً، ليس موقف الجيش الرافض لعودة مرسي للحكم هو السبب الوحيد الذي يجعلني أشكك في فشل الانقلاب، ولكن ثمة أسباب كثيرة تؤكد هذا المعنى، فجميع مؤسسات الدولة تقريباً وكذا العدد الأكبر من الأحزاب والجماعات السياسية غير راغبة في عودة مرسي للحكم، فهي تطمح لقيادة مصر، وترى أن هذا الأمر لن يتحقق إلا إذا نجح الانقلاب. يمكننا من الآن أن نتهم هذا التحليل بالتهور وعدم التماسك، ففي الحقيقة أن سقوط مرسي كان يعني سقوط حمدين صباحي ومحمد البرادعي وعمرو موسى، وهذا يعني أن الرئيس المقبل سيأتي من خلفية عسكرية إذا لم يستطع التيار الإسلامي الاتفاق على مرشح وسطي وقوي ويستطيع إقناع الشارع بأهمية استمرار التجربة الإسلامية في الحكم. بالإضافة إلى ذلك، فإن العامل الخارجي يظل أحد الموانع التي تقف عائقاً أمام عودة مرسي، وليس تدفق المساعدات المالية للنظام الانقلابي من قبل دول الخليج إلا تأكيداً على هذا المعنى, فهذه الدول تعتقد أنه من المهم العمل على عدم عودة الرئيس مرسي للحكم مهما كلفها الثمن. ويظل انقسام الشعب بين مؤيد لعودة الرئيس للحكم ومعارض، هو السبب الأكثر حسماً في عودة أو عدم عودة الرئيس المصري لمنصبه، وكما هو واضح، فإن الأمور لم تتغير بشكل يمكن التعويل عليه حتى بعد مذبحة الحرس الجمهوري، لا يزال كل معسكر يحتفظ بجميع أفراده، وعليه، قد يكون من المناسب أن تقوم جماعة الإخوان المسلمين بتقديم خطاب يتجاوز مسألة عزل مرسي، إلى تأكيد إعادة الاعتبار للديمقراطية المغدورة، واحترام الحريات التي يجري انتهاكها اليوم. عودة مرسي أو عدم عودته ليست أهم من عودة الحرية التي يتم أهانتها على أيدي العسكر. عن صحيفة الناس