بودي أن أكتب عن همومنا في هذا البلد، وما أكثرها، لكنني مجبرٌ مرة ثانية، وربما ثالثة، للكتابة عن مصر؛ ذلك أن ما يجري في أرض الكنانة هو محك خطير واختبار حقيقي لمدى نجاح تجربتنا الديمقراطية في دول الربيع العربي. وبطبيعة الحال، فإن خصوم الثورات العربية الحديثة يرون ما حدث طبيعياً، ويبررون انقلاب قوى «الإنقاذ» و«تمرّد» على شرعية الرئيس مرسي، لأنهم في الأصل لا يعترفون بشرعية الثورات العربية من أساسها، يُضاف إلى هؤلاء شلّة الليبراليين العرب الذي لم يستوعبوا الدرس بعد، وما يزالون يحلمون بعودة دولة البوليس، التي كانت تكفيهم مؤنة مقاومة الإسلاميين، الخصوم الحقيقيين لكل القوى التي تشعر بأن الشارع لم يعدْ يثقْ بها.
تصوروا أن المتحدّث باسم جبهة الإنقاذ المصرية، خالد داوود، يقولها صراحة: «فازت جماعة الإخوان المسلمين في مصر؛ لأنها ببساطة كانت الجماعة السياسية الوحيدة المنظّمة». هي إذاً مشكلتكم، وليست مشكلة الإسلاميين، الذين فازوا في 5 استحقاقات انتخابية في مصر.
يعني هل من المعقول القبول بهذا المنطق، جماعة فازت لأنها منظّمة.. طيّب أين المشكلة في هذا وانتوا برضو تنظّموا عشان تفوزوا؟!
الحقيقة التي لا يود الانقلابيون الاعتراف بها هي أنهم عجزوا عن الوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، فاستعانوا بالعسكر، لينقضّوا على حكم مرسي، الذي يصفونه بالفاشل، دون أن يوردوا نموذجاً واحداً لفشله.
اليوم يقف هؤلاء، ووسائل الإعلام التي رافقت انقلابهم حيارى أمام الحشود المؤيدة للشرعية، وليس لديهم ما يقولونه سوى أن الوضع يتطلّب الخروج من الأزمة والتوجّه إلى صناديق الاقتراع! وكأن الرئيس مرسي الذي انقلبوا عليه، جاء على ظهر الدبابة، أو نزل من المريخ!
وفي حال احتكم الناس إلى الصندوق، فإن من يمتلك الشارع سيفوز؛ لأنه منظّم، وسيرفض شلّة الليبراليين والعلمانيين، إنْ صحت هذه التسميات، نتائج الانتخابات؛ لأنهم لسه مش منظّمين!
الشيء الباعث على الخوف في مصر وغيرها من بلدان الربيع العربي، هو أن يصبح الناس لا يثقون في العملية السياسية، وبذلك يزيد الاحتقان المتصاعد أصلاً، خصوصاً وأن الناس بدأت تتأمل في الانعتاق من الظلم وحكم العسكر، وتود أن تلحق بالدول التي تتمتع شعوبها بالديمقراطية والحرية، والتي ما تزال مواقفها ضبابية من كل ما يجري في مصر دون أدنى خجل.