وأنا استمع لتصريحات الانقلابيين في مصر وخطاباتهم، السيسي والببلاوي ووزير الداخلية وغيرهم، استوقفني وصفهم لجماعة الإخوان المسلمين بالجماعة الإرهابية، رغم أنهم يتلعثمون عند النطق بها، ربما لأن الأمريكان لم يقروهم على هذا الوصف، وهذا يسبب لهم الإرباك والإحراج، فالمذابح التي ارتكبها الانقلابيون لا يمكن تبريرها إلا بتهمة من وزن الإرهاب، وإلا فان تسليمهم بارتكابها بالتشارك مع عصابات البلطجة ورعاية الجيش لها يعني إدانتهم ومحاكمتهم لاحقا، وهذا ما لا يريدون الوصول إليه والتسليم به. الإخوان المسلمين ليسوا حركة إرهابية بالمناسبة، ولو كانوا كذلك لما سمح لهم نظام مبارك المخلوع بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية، ولما حاورهم الغرب والأوروبيون تحديدا، ولما سمح لهم بالعمل العلني في أكثر من دولة عربية وأوروبية، حتى في فلسطينالمحتلة وتحت حكم الصهاينة هم يعملون دون أن توجه لهم هذه التهمة، باستثناء الموقف الصهيوني من حماس والعمليات التي تصفها "إسرائيل"بالإرهابية، فالإخوان المسلمين يعملون في أكثر من ثمانين دولة دون أن يتهموا بالإرهاب، وتأتي الآن الحكومة الانقلابية لتوجه لهم هذه التهمة، بعد محاولات مستميتة لدس السلاح إلى خيم رابعة العدوية، ودس البلطجية بين صفوف المتظاهرين السلميين وتوجيههم إلى إطلاق الرصاص على المدنيين من اجل إقناع الشعب والعالم بان الإخوان إرهابيون. ولو كان الإخوان كما يقولون لما خرجوا في تظاهرات سلمية، فطريق الإرهاب معروف وهو لا يؤمن بالمسيرات ولا الهتافات، وإنما يضرب ويوجع دون ان يصرح بأي شيء.
الاتهام بالإرهاب الذي يصدقه الغرب وأمريكا وإسرائيل على وجه التحديد هو موقف الإخوان من الاحتلال الصهيوني لفلسطين، فهم يرونه احتلالا ولا يعترفون بهذا الكيان، ولهذا فإنهم يقفون إلى جانب الشعب الفلسطيني في مقاومة هذا الاحتلال بكل الوسائل المشروعة لصاحب الحق الذي احتلت أرضه بالقوة العسكرية وارتكاب المجازر المروعة للشعب، والتي لم تتوقف يوما، ولم نسمع الأنظمة التي تدور في فلك أمريكا وتوقع المعاهدات المذلة مع العدو الصهيوني تصف هذا الكيان بالإرهاب أو تتعرض لذكر المجازر التي يرتكبها بالتآمر مع هذه الأنظمة، وعلى رأسها النظام المصري البائد ووريثه الانقلابي الذي ارتكب المجازر ضد الشعب المصري دون أن يرف له جفن الانقلابيين يريدون استعطاف الموقف الغربي الذي لم يعترف بالانقلاب وأدان الجريمة والمجزرة، فاستخدموا كلمة الإرهاب وأرادوا أن يلصقوها بجماعة الإخوان، رغم تأكيد الإخوان ومن معهم مرارا وتكرارا أنهم لن يستخدموا السلاح ضد الدولة ومنشآتها ولا ضد الشعب، إلا أن الانقلابيين لا يريدون سماع ذلك، بل يتمنون أن يسمعوا عكسه لتنفيذ المخطط الذي وضعوه بالتفاهم مع أمريكا وإسرائيل وبعض الدول العربية لمنع الإسلاميين من الوصول إلى سدة الحكم في مصر، وهذه مصلحة أمريكية إسرائيلية وهي كذلك مصلحة لدول الفساد والتسلط والاستبداد في العالم العربي التي ترعاها أمريكا وتتحالف معها استراتيجيا.
قد تحدث ردود أفعال من غير الإخوان على المجازر التي ارتكبت، وقد يحمل البعض السلاح للدفاع عن النفس أمام قطعان البلاطجة الذين يقتلون بدم بارد ودون تمييز، ولكن استخدام السلاح للرد على كل هذه الجرائم لن يكون قرارا صائبا، فتجربة الجزائر وسوريا لا تزال ماثلة للعيان، ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، وقد آن الأوان لتحمل الأذى والإجرام من اجل الوصول إلى حالة من الاستقرار المبني على القناعة بأنه قد ولى زمن تحكم فيه الشعوب قهرا ورغما عن انفها، وان شعوبنا تستحق الحرية بجدارة، وأنها مستعدة لحماية الدولة التي تسود فيها قيم العدالة والحرية، دون أن تتخلى عن سيادتها وهيبتها ودستورها وقانونها الذي يكفل هذه المعاني، ودون أن يترك المجال للاستبداد والفساد والخروج على قيم الأمة والمجتمع الصالح، ودون ان يستخدم الوسائل القذرة التي استخدمها زمن الاستبداد كالإعلام الفاجر الذي يكذب ويكذب لتضليل الناس وحشدهم ضد الإصلاح ودعاته، وكالبلاطجة الذين يشبهون الأمراض المستعصية في المجتمع، وكالقضاء المسيس والجيش الذي يرتبط بغير المصلحة الوطنية وهي حماية الحدود والمصالح العليا للأمة.